مع غانم الدباغ..  شهادات

مع غانم الدباغ.. شهادات

إعداد: عراقيون

د. نجم عبد الله

بعد مسيرة طويلة في كتابة القصة القصيرة ابتدأها عملياً نهاية الأربعينيات، كتب الدباغ هذه الرواية، وهي الوحيدة له لحد الآن، وينهج فيها نهج الكتاب الواقعيين العرب، والعراقيين بشكل خاص، فلا تخرج من دائرة أعمال غائب طعمة فرمان والكتاب الآخرين،

حيث الموضوعة السياسية الاجتماعية. ومع أن الظروف كما رسمها الكاتب من داخل بطله ومما حوله ومن علاقته بالطبقة البرجوازية التي ينحدر منها، كانت مؤاتية لأن تخلق من (خليل)– وهو شخصية مثقفة– شخصاً ثورياً. إلا أن الكاتب بدلاً من ذلك يغرقه في فوضى التشتت وتلبية الرغبات الجنسية والنزعات غير المستقرة، ربما ليعبر بذلك عن عدم إيمان الكاتب بإمكان تثوير مثل هذه الشخصية، البرجوازية انحداراً. ففي نهاية الرواية، وهو في انتظار محاكمته، بعد إلقاء القبض عليه في مظاهرة لم يشترك فعلاً فيها "… لا يفعل شيئاً إلا اللجوء إلى الويسكي الذي يتذوقه لأول مرة ليعيش جواً خاصاً، وهو يشاهد الإنكليز يحتضنون النساء.. هنا بالضبط تكون نهاية المطاف، حيث يندفع إلى الواقع لاحتضانه بكل سلبياته من خلال الويسكي، لا من خلال الجنس، من هنا يجب أن يعود هذا الابن المطيع لطبقته، ويعمل على خدمتها ليحقق أهدافه. وهكذا يُطلَق سراحه، ليخرج كي يمارس برجوازيته بشكل مخلص وظاهري، مطبقاً نصيحة عمه (أبو رمزية) ونصيحة (محمد علي أفندي) أبو صبيحة: "أنت من عائلة طيبة يا ابني، وحرام ألا تكون أفكارك طيبة".

يؤكد غانم الدباغ، في "ضجة في الزقاق"، مقدرة لا يقلل، من الإمكانية التي نعتقد أنه يمتلكها لتطويرها، عدم الاكتمال الفني في بعض جوانبها، خصوصاً وأنه استخدم أسلوباً واقعياً تقليدياً لا ندري لماذا لم يخرج من إساره ليمنح روايته شخصيةً وخصوصيةً واضحتين. فيكفي أن ذلك كله لم يمنع الرواية من أن تكون ضمن أعمال العقد السبعيني التي لا يمكن للناقد أن يتجاوزها. نص دراستي للرواية في كتاب "الرواية في العراق وتأثير الرواية الأمريكية فيها

باسم عبدالحميد حمودي

يفتتح رولان بارت كتابه (الأسطورة اليوم) -ت:حسن الغرفي- بالقول ( الاسطورة كلمة) وهو يعني أن الأسطورة تتشكل من مجموعة من الكلمات التي تظهر كرسالة,ولكنه يتساءل: هل كل شيء أذن يمكن أن يكون أسطورة؟ ويجيب بلا تردد: نعم أعتقد ذلك لأن العالم في منتهى

الأيحائية.

ان ذلك الخلاف بين الباحثين حول الاسطورة والخرافة والقصة والحكاية ينعكس بشكل جلي في مقدمة كتاب (كبرى الحكايات العالمية) الذي حرره أونتر ماير وترجمه القاص الراحل غانم الدباغ.

يقول ماير ان القصص التي يضمها الكتاب لا تقرأ للتسلية أو لما فيها من الفانتازيا برغم ان القليل منها يقترب من الاعجوبة,ويضيف:

((أنها ليست حكايات عن الجان لكن معظم الأساطير لها جذور في التاريخ سواء في وقائعها أوكما يعتقد أنها وقعت))

هكذا ترد صفات: أعجوبة، حكاية، قصة، اسطورة في جملة وصفية واحدة عن كل هذه المرويات السردية, فكيف يمكن أن نضع تحديد الـ(أسطورة) بارت العامة الشاملة التي تقبل رواية وتجسيد كل شيء عن طريق الكلمة؟

أن الكلمة حياة, وبذلك تكون صورة لأزداوجية الحدث وتخيله,رسمه على الورق كلمات وصعوده الى الذهن صورة متخيلة.

إن بارت لايستطيع رغم جهده الكبير أبعاد الأسطورة عن الجوهر الأساس الذي تنبني عليه فنيا مثلما تنبني (الحدوتة) و(القصة) و(الخرافة) وسائر التشكيلات المروية شفاها أو المدونة,ذلك أن الاسطورة تقوم اساسا على الدراما وعلى الصراع بين عالمين أو اكثر.

الواضح هنا, أن جميع هذه الأصناف الأبداعية الشعبية كانت ولا تزال خزينا أساسيا لصياغة البنية السردية الحديثة قصة ورواية أضافة للمسرح.

أن الاصناف السردية الحديثة تأخذ من الاساطير ما ساعدها على بناء عالم متخيل حديث يقارب العجائبي الاسطوري ويحاكيه وفق قالب روي حديث,وخذ عندك مثلا(شفرة دافنشي غربا و(فرانكشتاين في بغداد) عراقيا ومئات السرديات الحديثة الأخر)...

جماعة رواد الأدب والحياة

د. ابراهيم العلاف

جماعة رواد الأدب والحياة التي نكتب عنها اليوم، هي تجمع ثقافي ظهر في الموصل سنة 1954، وكانت من بواكير التجمعات الأدبية العراقية المعاصرة وقد ضم التجمع عند ظهوره أربعة أدباء مؤسسين قدر لهم فيما بعد ان يقوموا بدور فاعل في الحياة الثقافية العراقية المعاصرة وهم: محمود المحروق، وشاذل طاقة، وهاشم الطعان، وغانم الدباغ. وقد عدوا من رواد الأدب العراقي الحديث، وكانوا ذوي توجه تقدمي يساري، بحثوا عن التغيير، ولجأوا الى الشعر والقصة ليكونا الميدان الذي يعبرون من خلاله عن طموحاتهم في إيجاد أدب يرتبط بالحياة وهمومها. ومما بنبغي تسجيله في هذا الصدد ان الصحفي البارع الاستاذ عبد الباسط يونس ( 1928 – 2000)، وكان يصدر جريدة في الموصل باسم الراية ( برز عددها الأول في 11 نيسان 1951) قد أفسح لهم في جريدته بابا مستقلا يحمل عنوان: ( باب رواد أدب الحياة) ويشير الأستاذ الدكتور عمر محمد الطالب في مقالته الموسومة: (( محمود المحروق 1931 – 1993)) التي نشرها في جريدة الحدباء ( الموصلية) بعددها 595 الصادر في 123 تشرين الأول 1993، الى ان مجلة الرسالة الجديدة ( البغدادية)، قد وثقت نشاطات هذه الجماعة وذلك في عددها الصادر في 17 آيار سنة 1954 ويمكن الرجوع إليه للاطلاع على مزيد من التفاصيل حول هذه الجماعة الأدبية التي بعد ذلك برز اركانها في ميدان الشعر والقصة والمقالة.

ولنتساءل عن القاسم المشترك الذي ربط بين أولئك الرواد ونقول ان جميعهم من مدينة الموصل، وان الرغبة في التجديد ومحاربة الأنماط السكونية في التعبير والخروج عن المألوف المتداول في الشعر والقصة هي ما كان يجمعهم والأبعد من ذلك محاولتهم التصدي للتعقيدات الشكلية التي كانت تميز الحياة الثقافية العراقية آنذاك فضلا عن انهم كانوا في عمر متقارب تقريبا فمعظمهم من مواليد الثلاثينات من القرن الماضي، أي ان أعمارهم عند ظهورهم كانت تتراوح بين 15 – 25 عاما. وكانوا تقدميين يساريين في آرائهم ومنطلقاتهم الفكرية، لكن ثمة أمر لابد من التأكيد عليه، وهو ان الصراعات الفكرية والسياسية بين الأحزاب والتي تفاقمت بعد ثورة 14 تموز 1958، أدت الى احداث التباعد بينهم، وكما يقول الأستاذ الدكتور عبد الإله احمد في كتابه الموسوم: ( الأدب القصصي في العراق منذ الحرب العالمية الثانية)، فان معظم أولئك الرواد ذهبوا ضحية الأحداث السياسية العاصفة المتقلبة والتي أجهزت عليهم، أو حالت بينهم وبين تطور أنفسهم على نحو يتيح لهم تحقيق ما بدا انهم مؤهلون لتحقيقه.