د عكاب يوسف الركابي
بعد فشل حكمت سليمان وجماعة الاهالي في ازاحة وزارة ياسين الهاشمي عن الحكم بالطرق الدستورية اذ كانت الوزارة تتمتع باغلبية كبيرة في المجلس النيابي ولا يمكن بموجب الطرق الدستوريه اسقاطها وفي الوقت نفسه عجزهم في تحقيق الغرض ذاته باستخدامهم العشائر
اذ قامت الحكومة باخماد حركاتها لذلك التجأ حكمت سليمان وجماعة الاهالي الى الاعداد لاستخدام الجيش لتحقيق المهمة ذاتها خصوصا ً وانهم ادركوا مدى التذمر الذي ساد صفوفه بسبب كثرة زجّه في قمع الحركات العشائرية المناؤة للوزارة القائمة ثم ان ما حققه الجيش من نجاح في هذا المضمار وفي المجالات الاخرى التي استخدم فيها حوّله الى مؤسسة فاعلة ذات وزن سياسي ملموس في اواسط العقد الرابع من القرن العشرين، مما دفع بقادته الى التطلع نحو السلطة والحكم وقد اشار حكمت سليمان الى ذلك في تصريح صحفي له بقوله ((ايش نعمل يجب احداث انقلاب زين ولكن وسائل الانقلاب الدستورية أي الوسائل الديمقراطية القانونية مفقودة فالمجلس النيابي صنيعة الهاشمي، واخيرا ً ما بقى امامنا ً الا الانقلاب الثوري، ايش نعمل الثورة اشكال هل نحرض القبائل كما حرضوها ان هذه المجازفة تنتهي بهرق الدماء العراقية بسلاح العراقيين، اذن ايش نعمل، لم يبقى امامنا الا، الالتجاء الى الجيش وكان الجيش عند حسن ظننا)
ولغرض تنفيذ الفكرة التي اتفق عليها جماعة (الجمعية الشعبية السرية والمحور الذي تبناه حكمت سليمان، في الاتصال برجال الجيش كجزء من مهمته كعضو في اللجنة التنفيذية للجمعية بدأ بالاتصال بهم فكان بكر صدقي ومحمد علي جواد من اول المنضمين الى هذه الجمعية وقد اصبحا فيما بعد حلقة الوصل، بينه وبين الجيش وقد اتصل هذان الضابطان بعدد من ضباط الجيش والقوة الجوية وكسبا بعضهم مثل شاكر الوادي وبهاء الدين نوري ثم عبد اللطيف نوري ومن الجدير بالذكر انه بالرغم من ان جماعة الاهالي في تلك المرحلة تؤيد بأصرار ازاحة حكومة ياسين الهاشمي عن السلطة بأي وسيلة ممكنه لكن فكرة القيام بأنقلاب عسكري لم تذكر قط
اما حكمت سليمان وبكر صدقي فلا يعرف متى كانا ينويان الاقدام على الخطوة التالية بعد ان كانا قد اقتنعا على ما يبدو بأن الظروف الموضوعية مواتية للاقدام عليها ولكن متى حصلت هذه القناعة لا يستطيع احد الجزم متى كما لا يعتقد بان هنالك أي تاريخ معين يمكن ان يذكر فيحسم هذا الموضوع الا ان الشواهد التاريخية ومن خلال قراءة سيرة حكمت سليمان تشير جميعها الى ان هذه القناعة، قد حصلت قبل شهر تشرين الاول من عام 1936 بفترة ليست بالقصيرة والشواهد التالية توضح ذلك ففي رسالة بعثها ناجي شوكت الى ياسين الهاشمي في 24 حزيران 1936 حيث كان الاول يعمل وزيرا ً مفوضا ً للعراق في انقرة تحدث فيها عن زيارة حكمت سليمان الى تركيا في صيف عام 1935 واجتماعه به حيث قال ما نصه ((لما قضى حكمت سليمان قسما ً من صيف عام 1935 في اسطنبول كان يتردد على مصيفي على ضفاف البوسفور كثيرا ً لصلات القربة التي تربط بيننا … وفي ذات يوم سألني قائلا ً الى متى ستبقى هنا لماذا لا ترجع الى بغداد اجبته انني افضل الابتعاد عن بغداد …. لانني لا اؤمن بصحة تدخلات رؤساء القبائل في سياسة الدولة …. فاذا به يقول – أي حكمت – ان تدخل الرؤساء في امور الوزارات قد فات وانتهى وسيكون التدخل في هذه المرة بواسطة قوة اعظم) وعندما سأل ناجي شوكت حكمت سليمان عن هذه القوة اجاب الاخير بما نصه ((انها قوة الجيش)
وقد نلمس من رفض بكر صدقي وعدم استجابته لطلبات الوزارة الايوبية في قمع الحركات العشائرية التي حدثت في 4 كانون الثاني 1935 بأيعاز من حكمت سليمان تعاونا ً وتخطيطا ً سابقا ً لعمل اكبر بين الرجلين
ولما اشتدت حملة الوزارة الهاشمية الثانية ضد المعارضة وقامت بتحريم الاجتماعات وملاحقة اعدائها السياسيين وعطلت جميع صحفهم واخرها جريدة صوت الاهالي بتاريخ 12 اب 1936 رفع حكمت سليمان وجعفر ابو التمن عريضة احتجاج الى الملك وبعد مقابلتهم له قابلوا رستم حيدر رئيس الديوان الملكي والعدو اللدود لياسين الهاشمي الذي اول من اثار حملة ضد السوريين واللبنانيين وسلّموه الاحتجاج قال لهما ما نصه ((ما هذه الوريقات التي تأتون بها بين حين واخر الحكومة تستند الى قوة فان كانت بيدكم قوة فقدموها والا فلا فائدة من تقديم هذه الوريقة) فلما سمع حكمت سليمان هذا الكلام من رستم حيدر غضب وطوى الاحتجاج وهزه في وجه رستم حيدر هزات عنيفة وصاح به قائلا ً ما نصه ((رستم بك انك تقول المسألة مسألة قوة فلن تراني اذن في البلاط بعد اليوم الا بصورة اخرى).
ومهما يكن، فان فكرة استخدام الجيش في معالجة الحوادث، لم تكن بعيدة عن تفكير حكمت سليمان فحركة الاثوريين كان بالامكان حلها بالطرق السلمية كما كان يعتقد نوري السعيد وربما الملك فيصل الاول ايضا ً لولا اصرار حكمت سليمان على استخدام الجيش كوسيلة لحل المشكلة
وليس من المستبعد ايضا ً، ان حكمت سليمان، اراد ان يتشبه بما قام به اخوه محمود شوكت باشا من حركة ضد السلطان عبد الحميد الثاني في عام 1909
ويبد وان هذه الفكرة صادفت هوى في نفس بكر صدقي ايضا ً والذي كانت تربطه بحكمت سليمان علاقة وثيقة ترجع الى زمن الحركة الاثورية عام 1933 عندما كان حكمت وزيرا ً للداخلية فقد تعاون الاثنان في ضرب الحركة وكان بكر صدقي قد ابدى بسالة فائقة في اخمادها مما جعل حكمت سليمان يعجب به اعجابا ً كبيرا ً فتوثقت على اثره العلاقات الوطيدة بينهما فصار الناس يرون الرجلين دائمي التقارب كثيري الصلة حتى اصبح بكر صدقي صديقا ً حميما ً ومقربا ً لحكمت سليمان وكاتم اسراره منذ عام 1933
ونتيجة لهذه العلاقات بين حكمت وبكر فمن المحتمل ان يكونا قد ناقشا امكانية احداث تغيير الوضع وخصوصا ً وان بكر صدقي يشترك مع حكمت سليمان في عدد من آراءه السياسية وبعض من صفاته لا سيما بخاصة الاعجاب بتركيا الكمالية وطموحه ومغامراته كذلك فان بكر صدقي يشعر هو الاخر بان ما يضمره من طموح لن يتحقق طالما ظل ياسين الهاشمي في الحكم اذ ان شقيق الهاشمي يشغل منصب رئيس اركان الجيش ولا يتزحزح عن هذا المركز الذي ظل بكر صدقي يتحين الفرص للوصول اليه يضاف الى هذا ان اعتماد ياسين الهاشمي المتزايد على الضباط من الوحدويين العرب وترقيتهم التدريجية الى المناصب العليا اضعفت مركز بكر صدقي في اوساط الجيش كما انه شعر بعدم مكافأته بصورة وافية عن دوره في قمع عصيان العشائر وكان ذلك الدور اداة فعالة لضمان واستمرار حكومة الهاشمي في السلطة ان كل هذه العوامل بالإضافة الى عدم ارتياح بكر من وجود طه الهاشمي رئيسا ً لأركان الجيش العراقي قد سببت له حالة من الاحباط دفعته الى تقديم استقالته من الجيش في اواخر شهر تموز من عام 1936 وكانت نصيحة رشيد عالي الكيلاني الى ياسين الهاشمي تدعو الى رفض الاستقالة على النقيض من نصيحة نوري السعيد التي قضت بقبولها وهكذا أُقْنِعَ بكر صدقي في النهاية بالبقاء في مركزه.
وبالرغم من طموح بكر صدقي وإدراكه بان الجيش كان في مكانة تسمح له بان يلعب دورا ً هاما ً سواء ً عن طريق تأييد الحكومة او بإسناده للفئات السياسية الاخرى او القيام بانقلاب عسكري لوحده الا انه من الواضح ان صدقي لم يعتقد ان باستطاعته تنفيذ الانقلاب دون تأييد غطاء سياسي مدني ويبدو انه، اقتنع ايضا ً، انه لا يستطيع تنفيذ مآربه دون تأييد حكمت سليمان وبمساندة جماعة الأهالي وذلك لقدرتهم على التعبئة وخلق حجم كبير من الدعم الجماهيري وهذا اسهم كما يبدو في توثيق اواصر الصداقة وتقارب الاهداف بينهما في تنفيذ مخططهما
ومهما يكن من امر فقد وجد حكمت سليمان الفرصة مؤاتية لاقناع جماعة الأهالي بعدم جدوى تقديم الاحتجاجات والعرائض الى الملك ولّمح لهم بأمكانية الاستعانة بالجيش، ومن الواضح كذلك، ان حكمت سليمان، لم يكن قد ابلغ كل، تفاصيل مقابلاته مع، بكر صدقي، الى كل أعضاء لجنة الأهالي، وربما اراد من ذلك ان لا يعرض الفرصة المهمة التي أتيحت أمامه للخطر اما موقف بقية الأعضاء فقد اعتبر كامل الجادرجي ان الوضع في عهد ياسين الهاشمي ولا سيما في أواخر عهده قد جعل الأمل معدوما ً في سلوك الطريق الديمقراطي للتعبير ففي هذه الحالة يمكن اللجوء الى العنف اذا انعدمت وسائل التعبير في النظام الديمقراطي وقد كان هو أكثر أشخاص الجماعة اقتناعا ً بان الوضع لا يمكن إصلاحه الا بإزالة الحكم القائم وقد وصف موسى الشابندر استياء الجادرجي هذا من حكومة الهاشمي قائلا ً ((وجدت كامل الجادرجي ناقما ً على الوضع …. وأتذكر انه قال لي يومها رجالنا كلهم تحملهم بمكرافة وترميهم بالشط قلت ولكن ياسين قال ياسين لازم تلزمه وتضربه مائة عودة على …. حتى يعقل استغربت كثيرا ً من هذه الملاحظة من كامل الذي كان فيما مضى يؤله ياسين الهاشمي ويرفعه الى السموات ……. ولما اعترضت مستفسرا ً قال الجادرجي لا يوجد احد الان سوى حكمت بك)
عن رسالة ((حكمت سليمان ودوره في السياسة العراقية حتى العام 1964))