رفعة عبد الرزاق محمد
لا ريب ان رحيل الملك فيصل الأول كان فاجعة كبيرة كان له الأثر السيء في تطور أحداث الدولة العراقية فقد كان فيصل الاول عاملاً رئيساً في تأسيس الدولة الجديدة وثباتها وموازنته بين مختلف المؤثرات والتيارات من سياسة الأنتداب البريطانية
وطموح السياسيين وتطلعاتهم ممن تولى المناصب الكبيرة بالدولة والحركة الوطنية والاستقلالية وتأثيرها البارز في نشوء الفكرة الوطنية ودورها في المراقبة والتنبيه والنقد كانت وفاة فيصل في 8 أيلول 1933 وفي الشهر التالي أعيد محمود صبحي الدفتري الى منصب أمين العاصمة وقد استمر بهذا المنصب الى تأليف حكومة حكمة سليمان في 29 تشرين الأول 1936 أثر وقوع الأنقلاب العسكري الاول (إنقلاب بكر صدقي) حيث وجه اليه منصب مدير البلديات العام وتم تعيين أرشدالعمري أميناً للعاصمة للمرة الثانية وقد بقي بهذا المنصب أطول فترة بين من تولى أمانة العاصمة فقد استمرت نحو ثماني سنوات من 12 تشرين الثاني1936 حتى 4 حزيران 1944
ومن مظاهر نشاط أمانة العاصمة في هذه الفترة فتح الشوارع الكبيرة في بغداد ففي عام 1935 تم شق شارع الملك غازي (الكفاح) الذي يمتد من الباب المعظم الى الباب الشرقي بطول (4) كم موازياً لشارع الرشيد وبعرض ىيقل عن (30) م وكان من محلة قنبر علي حتى ساحة الوصي (الصدرية) اعرض من المنطقتين الاخيرتين وقد فتح في 25 كانون الأول 1936 وبعد فتح شارع الشيخ عمر أصبح في اجنب الرصافة ثلاثة شوارع رئيسة وكبيرة فضلاً عن شارع المستنصر (النهر) وكل هذه الشوارع ترتبط مع بعضها بشوارع فرعية
وقامت الأمانة عام 1940 بأفتتاح شارع الأمين امتداداً لشارع المأمون الذي يبدأ من الجسر حتى شارع الرشيد فأمتد شارع الامين الى شارع الملك غازي تتوسطه ساحة باسم (زبيدة) كما قامت بفتح الشارع الممتد من شارع الملك غازي في محلة الصدرية حتى جسر الملك فيصل الثاني (الأحرار) عند ساحة جميلة تتوسطها حديقة وعمود يحمل ساعة كبيرة سميت بساحة الملك فيصل الثاني (ثم سميت ساحة الوثبة واليوم شاع اسم ساحة حافظ القاضي) وقد سمي هذا الشارع باسم المهدي وينتهي شرقاً بساحة الوصي (الصدرية) وفي الخمسينات فتحت شارع يمتد من الصدرية الى شارع الشيخ عمر شارع الهادي
وأهتمت أمانة العاصمة في هذه الفترة بموضوع الحدائق والتشجير ففي الفترة السابقة لم تعرف بغداد حديقة واسعة سوى حديقة المعرض في الباب المعظم (1932) غير ان عام 1939 وفي عهد أمين العاصمة أرشد العمري شهد إنشاء حديقة (بارك السعدون) زرعت بانواع النباتات ومنها النادرة بشكل فني مبهر وفي عام 1936 ردم الخندق المحيط ببغداد وحولت بعض مواقعه الى متنزهات فأنشئت حديقة غازي في الباب الشرقي (حديقة الأمة حالياً)كما شرعت الأمانة بأحاطة بغداد بحزام من الاشجار سمي (الحزام الأخضر) من مقبرة الانكليز في بداية الوزيرية حتى الباب الشرقي بغرسها باشجار الكالبتوس دائمة الخضرة بعرض (50) متراً
في عام 1936 أتفقت الحكومة العراقية مع شركة بريطانية شهيرة ببناء الجسور هي شركة (هالواي إخوان) لبناء جسرين ثابتين ببغداد على ان تدفع الحكومة مبلغ (400,000) الف دينار عراقي الى تلك الشركة لقاء ذلك وتمت الاشارة ببناء الجسرين خلال عام 1937 ويقع الأول في المكان نفسه الذي يقع عليه الجسر العتيق والثاني يقع جنوبي الجسر الاول في المكان نفسه الذي يقع عليه جسر مود ويربط منطقة الصالحية في الكرخ بشارع الرشيد في الرصافة وطول الجسر الاول (213)م وعرضه (15)م وأفتتح في 15 تموز 1939 وسيم في البدء بجسر الملك غازي الا انه بعد فترة وجيزة سمي بجسر المأمون ثم سمي بالشهداء بعد ثورة تموز 1958 تخليداً لشهداء وثبة كانون الثاني 1948 وقد سقط عليه عدد من الشهداء اما الجسر الثاني فتم إنجازه في السنة التالية بتطلفة (192) الف دينار وطوله (203) م وعرضه (15)م وسمي بجسر الملك فيصل الاول ثم سمي بالأحرار بعد ثورة 1958 وتم نقل الجسر القديم الى الكرادة الشرقية لربطها بكرادة مريم
يمكن القول ان فترة أمانة أرشد العمري للعاصمة في مرحلتها الثانية (1937-1944) كانت من اهم الفترات في تاريخ أمانة العاصمة في العهد الملكي وذلك لطولها الذي ناهز الثمانية أعوام فتضمنت الكثير من السياسية والبلدية ولعل في مقدمتها وقوع أحداث 1941 او الحرب العراقية البريطانية المسماة شعبياً (حركة رشيد عالي الكيلاني) فبعد انهيار حكومة الدفاع الوطني التي رأسها رشيد عالي الكيلاني بعد المعارك بين الجيشين العراقي والبريطاني وأصبح الأخير على مشارف بغداد انسحب أعضاء الحكومة ومعهم رئيس الوزراء الكيلاني والضباط الاربعة الذين قادوا التكتل العسكري الذي كان له الدور الاكبر في تأليف حكومة الدفاع الوطني واندلاع الحرب
وما ان دخلت القوات البريطانية بغداد واعلن سقوط الحكومة تشكلت لجنة بأسم (لجنة الأمن الداخلي) برئاسة أمين العاصمة أرشد العمري ويبدو ان الاجراءات المتخذة للسيطرة على الاوضاع العامة عقب انهيار الحكومة قد فشلت حتى ان يونس السبعاوي الذي عين نفسه حاكماً لم يصمد امام الفوضى التي بدأت بالبروز فأنسحب والتحق باللاجئين الى خارج العراق ولم يبق من المسؤولين سوى أمين العاصمة العمري ولم يكن تحت يده من جهات أمنية سوى الشرطة والأنضباط العسكري بعد تشتت الجيش وفقدان قيادته
أول إجراء اتخذه رئيس اللجنة اعلان منع التجول وجمع بعض الوحدات من الشرطة والجيش لحماية السفارات ومقرات الهيئات الأجنبية كما اتصلت بالسفارة البريطانية لعقد الهدنة مع الجيش البريطاني وايقاف العمليات العسكرية بالكامل فقام السفير البريطاني ك كورنواليس بالأتصال بقيادة الجيش البريطاني في الحبانية واعلنت الهدنة وشروطها وتفرغت اللجنة للقضاء على الفوضى والأخلال بالأمن بما سمي بأحداث حزيران اذ هاجم بعض العوام الأحياء اليهودية ببغداد وقاموا بعمليات قتل ونهب في حوادث سميت بـ(الفرهود) واستطاعت السلطة من السيطرة بكفاءة على الاوضاع العامة بعد ان أخذت تضرب بيد من حديد الخارجين على النظام العام وقد حصل أرشد العمري على وسام (القلادة الذهبية) من الحكومة البريطانية تقديراً عند رئاسته لجنة الأمن الداخلي والسيطرة على العاصمة عقد احداث مايس 1941 وقد جرى احتفال في بهو الأمانة لتقليد الوسام في مايس 1943
من الاعمال التي تنسب الى فترة ارشد العمري الثانية في أمانة العاصمة إنشاء حي (الجادرية) وفق نظام العرصات وتم توزيع قطع الاراضي وفتح شارع عريض وسط الحي الموازي لنهر دجلة جنوب الكرادة الشرقية وقد اصبح من اوسع الأحياء وأجملها ومن جانب آخر قام العمري بتشييد عدد من المباني المهمة منها قاعة الملك فيصل الاول (قاعة الشعب) والقصر الأبيض وهو قصر لضيافة كبار زوار العاصمة كما تم إنشاء حديقة كبيرة باسم بارك السعدون سنة 1941
بهو الأمانة كانت الحاجة ماسة لأنشاء صالة كبيرة لأقامة الحفلات فقد كانت الحكومة تمتاز بضيوفها الرسميين لأيجاد مكان ملائم لأقامة الحفلات الرسمية فتضطر الى إقامتها في الفنادق ولم تكن ببغداد فنادق ضخمة يومذاك فأقترح الأمين محمود صبحي الدفتري إنشاء بهو الأمانة لذلك وقد عجل في انشائه زيارة ولي عهد السويد غوستاف ادولف لبغداد في تشرين الثاني 1934 والبهو بناء جميل يضم قاعة كبيرة صممه المهندس السوري بدري قدح قبالة المستشفى الملكي (مدينة الطب حالياً) وقريباً من نهر دجلة ولم يزل البناء قائما تشغله احدى الدوائر العسكرية بعد ان اصبح من مباني وزارة الدفاع
عن كتاب (أمانة بغداد في 100 عام