أنوار ناصر حسن
أصبح من المعروف لدى الناس أن الشيخ جلال الحنفي يعرف من أحكام المقام وأنغامه الشيء الكثير وأصبح حجة في تراكيبه وأوصاله وتحاريره حتى أنه حضر كثيرا ً من المؤتمرات واللقاءات التراثية الفولكلورية وألقى بحوثا ً كثيرة عن المقام وقواعد التلاوة المقامية فمثلا ً ألقى سنة (1964) بحثا ً في " موسيقى التلاوة البغدادية "
وكان هذا في مؤتمر موسيقي في بغداد ونشر البحث في مجلة التراث الشعبي كما ألقى في قاعة المركز الثقافي العربي الأسباني في بغداد بحثا ً آخر عن المقام العراقي وقواعده ومن الطريف ذكره هنا أن حبه وعشقه للمقام العراقي دفعه إلى تعلم الضرب على العود عن طريق مدرس خاص لقاء أجور شهرية فحفظ على يده الكثير من السلالم والقطع الموسيقية البغدادية وعـنـدمـا سافر إلى القاهرة في بعثة دراسية إلى الأزهر عام (1939)
كان للموسيقى مكان في داخله الأمر الذي جعله يقوم بشراء آلة العود من أسواق القاهرة والبدء بتعلم قواعد جديدة في ممارسة العزف إلا أنه ترك القاهرة بسبب الحرب وأضطر إلى ترك العود الذي يملكه هناك آملا ً في رجوعه إلى الدراسة بعد أنتهاء الحرب وأستقرار الـحـال ألا أنه سمع وهو في بغداد بألغاء مديرية الأوقاف للبعثة الدراسية وفي بغداد لم ينقطع عن متابعة العزف على العود حيث أشترى ذات مرة آلة عود من (فاضل العواد) المشهور بصناعة العود وكان ثمنه دينارا ً واحدا ً لمواصلة المزيد من التعرف على المقامات العراقية ولكن كلف الحياة والأقامة في المساجد والتناقض بين الرغبة وواقع الحال عاقته عن مواصلة العزف فلم يكن من حرمة المسجد عليه أن يكون له فيه عود يضرب عليه ويورد الحنفي في مذكراته أنه في يوم من الأيام"جاءني شخص من الأوقاف وفي أثناء جلوسه صار ينظر إلى يمينه وشماله وتحت الأريكة،فسألته عن أي شيء تبحث؟فقال لي أنني سمعت بأنك تمتلك آلة عود.فقلت له وكنت حينها فقد فقدت العود منذ زمن قليل.لو كان العود مـــوجـــودا ًلـــقمت بـــتعليقه عـلـى الـجـدران ولـــيــس أضـعـه عـلـى الأرض أو أخــفــيـــه" وهذا يدل على أن الحنفي كان يثمن الأشياء ويقدر قيمتها ومكانتهُا مهما كانت بسيطة أو غير بسيطة ولكن حرمة المسجد أولى عنده بالتكريم والأعتزاز. أن أرتباط الحنفي بالمقام وبتاريخه وبقرائه دفعه إلى وضع كتاب عام(1964) عنوانه (المغنون البغداديون والمقام العراقي) وهو أشبه بمعجم مختصر في تراجم طائفة من قراء المقام العراقي البغداديين الذين قرؤوا المقام ومهروا فيه خلال القرنين (19 20) وقد تتبع سيرهم معتمدا ً في ذلك على رواية من لقاه من مقرئي هذا الجيل. وقد أورد في هذا الكتاب آراءه المتضمنة أن المقام العراقي يقرأ في بغداد قراءة تختلف كثيرا ًَ عن قراءته في الموصل وكركوك وهما مدينتان أشتهرتا بقراءة المقام العراقي أيضا ً ولكن على نطاق ضيق كما أشار إلى أن لقراءة المقام العراقي أساليب متعددة لتعدد المدارس الاقرائية للمقام العراقي وبين أن لكل مقرئ طريقة خاصة في الأداء وأشار في كتابه هذا إلى موضوعات طريفة أخرى في القراءة كبحثه عن قراءة المقامات العراقية في الموالد النبوية وفي الأذكار وفي الـــتــمـــجــيــد عــلــى الــمــنــائــر لقد أوضح في كتابه الكثير من التفاصيل المتعلقة بطريقة قراءة المقام المتضمنة التحرير والميانات والتسليم وأنواع المقامات وفروعها وكذلك اللغة المستخدمة في هذه المقامات ما كان منها فصيحا ً وما كان منها باللهجة العامية وأي المقامات التي يشترط فيها الفصحى وأي المقامات التي تؤدى باللهجة العامية.
عن رسالة (جلال الدين الحنفي وأثره الثقافي في المجتمع العراقي)