بارجواي روا باستوس.. عاش لهجاء الظل العالي للطاغية

بارجواي روا باستوس.. عاش لهجاء الظل العالي للطاغية

شريف بهاء الدين

بعض الروائيين العالميين المشهورين مثل فوكنر وناريان وجارسيا ماركيز شيدوا صروحهم الادبية بعد جهد، البعض الآخر كاتب بارجواي أوجستو روا باستوس عن عمر 88 عاما نتيجة قصور في وظائف القلب.

وكان قد خضع لعملية جراحية عاجلة في المخ. حظي باستوس بشهرة أدبية واسعة في جميع أنحاء العالم بعد نشر روايته (أنا الأعلي) عام 1974 التي تتعرض لحكم الدكتاتورية. ولد عام 1917 في أسونسيون وهو ابن لأب برازيلي ذي أصول فرنسية وأم هندية. و يصنف روا باستوس في مصاف كبار الكتاب في امريكا اللاتينية مثل جابرييل جارسيا ماركيز وماريو فارجاس يوسا.

يعد باستوس من أهم كتاب بارجواي وقد أجبر علي العيش في المنفي لمدة 50 عاما في الارجنتين واوروبا. لكنه لم ينس أبدا جذوره. وفي أحوال كثيرة جمع اسلوبه بين اللغة الاسبانية الكلاسيكية واللغة المحلية للسكان الاصليين والتي يطلق عليها (جوراني) وهي اللغة التي يتحدث بها الهنود في بارجواي وبوليفيا وجنوب البرازيل. نتج عن هذه التوليفة اسلوب فريد ومفعم بالحيوية بالاضافة الي تميزه بموسيقي صوتية. فاز بجائزة جوجنهيم عام 1971 ومنح جائزة سرفانتس عام 1989. مثل العديد من الروائيين بدأ حياته المهنية بكتابة الشعر و أصبح معروفا كأحد كتاب جيل الأربعينات من أمثال هيرب كامبوس سيرفيرا وجوزفين بلا وأصغر زميل له في المنفي ألفيو روميرو. في جميع أعماله كثيرا ما يتذكر فترة طفولته في قريته (ايتورب) القريبة من بلدة أسونسيون حيث كان والده يدير معمل تكرير للسكر. و أتخذها كخلفية للكثير من أعماله القصصية.

أثناء فترة شبابه كان روا باستوس شديد الحماس تجاه عقائده وافكاره, في عمر 15 عاما تطوع في حمل نقالات الجرحي أثناء الحرب الاهلية بأحد السهول. كان مفتون للغاية بالأدب الأسباني في القرن السابع عشر وبالاسلوب الشعري المهذب الذي يتسم بالتلاعب بالألفاظ والزخرفة اللفظية والذي حاول تقليده فيالبداية. كان مهتما للغاية بلغة الجوراني الهندية. وقد كتب للصحافة مثل ¢ اندبندنت البايز ¢ وأصبح مراسلها في لندن لفترة.

أيضا كان أول من كتب خصيصا للراديو. و أثناء الحرب الأهلية عام 1947 عين ملحقا ثقافيا لبارجواي في العاصمة الأرجنتينية بيونس ايرس. وهناك بدأ في كتابة القصص القصيرة والروايات ومن بينها قصته (رعد في الأوراق) عام 1953 التي تفوقت في تصويرها لعنف مظاهرات الأحتجاج الاجتماعي علي أعمال كاتب جواتيمالا الشهير ميجيل أنجل استورياس الفائز بجائزة نوبل في الأدب عام 1967.

وقد تأثر باستوس بروايته (السيد الرئيس) عندما كتب رواية (أنا الأعلي). تعد رواية (أنا الأعلي) من أهم الأعمال الأدبية لكتاب امريكا اللاتينية. وقد كتب عنها صديق روا باستوس الحميم الكاتب كارلوس فيونتس: ((الرواية حوار بين روا باستوس و روا باستوس تغطي أحداثا تاريخية خلال فترة حكم الدكتاتور القاسي خوزيه جاسبار رودريجز (1816­ 1840) تعالج الرواية فترة الحرب في شاكو. وكالعادة فان المباديء الأنسانية في اعمال روا باستوس أثارت الشفقة علي ضحايا حرب حمقاء. الأعمال البطولية فقط ومدي صبر ودماثة خلق الذين عانوا من ويلات الحرب يمكن أن تعوض عن الشر الذي يرتكبه الإنسان ضد اخيه الإنسان)). وفي نفس الوقت فان الطبيعة الروحانية للدكتاتور والعيوب الانسانية تم طرحها بكل صدق وأمانة في الرواية وأظهر باستوس صاحب أعلي سلطة علي أنه مؤسس وأب البلاد. وأهتم الكاتب بأن يوضح لنا امكانية ان يكون هذا الدكتاتورالفاقد لصوابه السياسي عبقريا و بامكانه التغلب علي حكومة القلة والتهديدات بالتدخل الأجنبي. وقد كان فيونتس في البداية هو الذي اقترح بتشجيع من الكاتب ماريو فرجاس يوسا مشروعا لكتاب لرواية مشتركة توحد القارة يتولي فيها كل كاتب فصلا عن أحد الطغاة العديدين في تاريخ بلاده. لم ينجح المشروع، لكن نتج عنه ثلاث روايات جديدة رائعة: (خريف البطريريك) لجابريل جارسيا ماركيز (1976) _ (أسباب الدولة) لأليخو كاربنتيه (1974) _ (أنا الأعلي) لأوجستو روا باستوس (1974).

نشر روا باستوس عدة مجموعات من قصصه القصيرة المحبوبة منها ¢ أرض قاحلة ¢ عام 1966 عن رحلة بحث ساحرة في منطقة غير مأهولة للحياة الحديثة عن حقائق غامضة خارقة وهي نقيض لرؤية ت. اس اليوت الكئيبة عن البشرية. ونشر عمله (السير علي المياه) عام 1967. وهي مقتطفات أدبية مختارة لرواياته القصيرة التي كان يصدرها ما بين الروايات الطويلة. أو فيما بعد كان يضمها الي روايات طويلة. ومن أعماله الأخري (ابن رجل) عام 1960 والتي ترجمت الي الانجليزية عام 1965 و (قضية تحترق) عام 1968 و (الجسد الحالي والنصوص الاخري) عام 1972. ويقول روا باستوس: كل الطغاة يعيشون من اجل انجاز وظيفة واحدة فقط وهي أن يحلوا محل الكتاب والمؤرخين والفنانين والمفكرين وهلم جرا. وتبرز سمة الدكتاتور مرة أخري وبصورة تثير الدهشة في شخصية كريستوفر كولومبس. وقد أظهرها باستوس في روايته (يقظة أدميرال) عام 1992 علي أنه بطل تنقصه صفات البطولة.

وبأسلوب مميز لفضح الزيف، جرد روا باستوس كولومبس من صفته الأسطورية الملحمية وكشف عن حقيقة الرجل الذي كان يظن أنه أكتشف الهند لكنه وجد نفسه في امريكا. وعندما كان باستوس في مدريد من أجل طرح كتابه (يقظة أدميرال) قال أن روايته كانت محاولة لأتخاذ نظرة أكثر توازنا تجاه استعمار العالم الجديد. وقال عن الرواية انها ليست رواية تاريخية لكن علي العكس هي عمل أدبي خالص، قصة مغامرات عن رجل ربما يكون كولومبس. مثل هذه العبارات بدت استفزازية في ذلك الوقت، عندما كان الأسبانيون يحتفلون بالذكري المئوية الخامسة لأكتشاف كريستوفر كولومبس للامريكتين. وفي مؤتمر صحفي آخر نصح روا باستوس الشعب باغتنام الفرصة التاريخية والعمل علي توحيد الحلفاء الذين تجمعهم طبيعة ثقافية واحدة ويقصد بهم جميع الشعوب المتحدثة باللغة الأسبانية، وطالب بالغفران عن جميع المجازر التي ارتكبها المستعمر الأسباني في حق السكان الأصليين للقارتين الأمريكتين وكشف باستوس أنه يحمل جنسية مزدوجة باراجوية / اسبانية حصل عليها أثناء قيامه بوساطات لتسوية خلافات أبان حكم الدكتاتورين المخيفين فرانكو وستروسنر. وذكر أن مسئولية التدخل الأجنبي في قارتي امريكا تقع علي عاتق الأشخاص الذين ينحدرون من أنساب هجينة أوربية وهندية امريكية. و انهم كانوا أسوأ من استغل الهنود الأصليين. و أنهي حديثه باعلان عنيف: (إن شعوب المايا والأزتيك والأينكاز قد استغلوا ودمروا الشعوب الأضعف منهم لذا لا يوجد شخص يديه نظيفة تماما، لا يستطيع أي شخص اتهام الآخر بالهمجية الاستعمارية). وبعد أن قضي 52 عاما في المنفي سمح لأوجستو روا باستوس بالعودة آخيرا الي وطنه. وقد حاولت الدولة تعويضه بمنحه جائزة أدبية قدمتها له وزارة التعليم قيمتها خمسة آلاف دولار امريكي، وزعمت انها تقديرا لآخر رواية.

سوف يظل روا باستوس شخصية رمزية هامة ككاتب ليس فقط في وطنه لكن لكل شعوب امريكا اللاتينية. ويؤكد باستوس علي أن الكتابة يجب أن تكافح سوء استعمال السلطة من خلال ملكة الأبداع. ويقول: السلطة ميزة هائلة وهي الجانب الخاطيء للكبرياء الذي يريد أن يسيطر علي الآخرين، وهذه علامة علي مجتمع مريض.

· عن صحيفة اخبار الادب