إعداد : ذاكرة عراقية
كتب الأب أنستاس ماري الكرملي في مجلته (لغة العرب) سنة 1929 كلمة بعنوان (سرقة كتب مخطوطة من خزانتنا) ، جاء فيها :
في أيام الشتاء سرقت من خزانتنا ثلاثة كتب مخطوطة، لكننا لم ننتبه إلى فقدها إلا في أول أيار من هذه السنة، حين احتجنا إلى مراجعة اثنين منها، أما أننا فقدناها في أيام الشتاء فلأننا رأينا مكانها فارغا في ذلك الحين. وكنا نظن أننا وضعناها تحت يدنا لاحتياجنا إليها ولم يخطر في بالنا أنها سرقت ولما أردنا رؤيتها وطلبناها في مظنتها لم نجدها. وأول هذه المخطوطات مصحف مخطوط بقلم (ياقوت) كما هو منصوص في آخره بعبارة تركية تقع في أكثر من صحيفة. وكل صفحة منه مقسومة إلى كتابة الآية في أعلاها بقلم ثلثي ثم يليها كتابة الآيات التي تليها بقلم نسخي فبقلم ثلثي فبقلم نسخي فبقلم ثلثي أي أن متصفح المصحف يرى في الصفحة الواحدة كتابة بالقلم الثلثي في أعلاها ووسطها وآخرها وبين سطور الثلثي سطور بالنسخي والخط من أبدع ما يمكن وهو محلى ومطلى وكنا قد أخذناه إلى لندن في سنة ١٩٢١ فأهدى إلينا أحد الأميركيين بدلا منه خمسمائة ليرة إنكليزية فأبينا. وهو مجلد بجلد أسود وكان قد أهداه السلطان محمود خان إلى داود باشا الكرجي الأصل والي بغداد في نحو سنة ١٨٢٩م ولما توفي الوزير المذكور في المدينة وضع وارثوه أيديهم على كتبه ومقتنياته فانتقل المصحف المذكور من واحد إلى واحد حتى صار بيدنا، ثم سرق منا.
ومن عادتنا أن نسم كتبنا بخاتم خاص بنا ونطبع به الصفحة الأولى والأخيرة من كل كتاب ثم الصفحة ال ٥٠ فصفحات المئات مثل ١٠٠ و٢٠٠ و٣٠٠ إلى آخر ما هناك من المئات. وكان نقش الخاتم قبل الحرب الكبرى باللغة اللاتينية وبحروفها، حتى إذا أخذها أحدهم لا يهتدي إلى قراءة صاحبها الشرعي وهكذا نجد فيها سمتنا عليها. أما بعد الحرب فكنا قد وضعنا على كتبنا ومخطوطاتنا نقش خاتم حفرناه في النجف في سنة ١٩١٨ وهذا ما عليه: (المكتبة الشرقية العراقية للآباء المرسلين لكرمليين في ١٨ بغداد ١٩).
ونختم الصفحات كما ذكرنا بحبر لا يمحى والناس يعلمون هذا الأمر ولهذا كان السارقون يقصون بالمقص الصفحات المذكورة. لكن يجهلون أنهم بمحوهم أو بقصهم تلك الوجوه
يثبتون أن الكتاب مسروق من خزانتنا بدليل عملهم هذا. وليس في بلاد الله كلها من يختم صفحات كتبه بالنظام الذي سردنا تفصيله.
على إننا لم نختم المصحف المذكور بخاتمنا لأسباب يطول شرحها. أهمها أن ليس في صفحاته أرقام ولأننا لم نرد أن نشوه محاسنه بخاتمنا الكبير الضخم الذي في حبره أجزاء تجعلها لا يمحى البتة.
أما الكتابان الآخران فلم يتيسر لنا ختمهما أيضا لأننا أردنا أن نختمهما مع سائر الكتب التي كنا أجلنا وسمهما إلى سنوح الفرصة، إذ الوقت الفارغ قليل عندنا غاية ما يكون، فكنا لا نختم من الكتب إلا إذا اجتمع عندنا منها مقدار مائة أو مائتين حرصا على الوقت فذهب هذان المخطوطان غفلين من كل سمة من سماتنا. سوى أننا كتبنا بالإفرنجية في الصفحة الأولى منهما بما معناه: اشترى هذا الكتاب الأب أنستاس ماري الكرملي بكذا من المال في اليوم والشهر والسنة الفلانية) ومحو هذا السطر هين بإمرار حبر أسود فاحم عليه أو بوسيلة أخرى لا تصعب على من يسرقه.
والكتاب الثاني المسروق لم نهتد إلى اسمه إلى الآن إلا أننا نرى فراغ مكانه بين المخطوطات النفيسة ودونك الآن وصف الكتاب الخطي الثالث وهو (دمية القصر) للباخرزي:
في نحو أواخر شهر نيسان سنة ١٩٢٨ اشترينا هذا الديوان من أحمد حامد أفندي الصراف بمائة وعشرين ربية.وفي ورقته الأولى ترجمة المؤلف منقولة عن المولى طاشكبري زاده وفيها أيضا اسم أجد أصحابها وقد محي أكثره ومما يتبين للمتبحر فيها أنه الحاج محمد جواد ابن الحاج عبد ال. . . في سنة ١١٤٥ وفيها أيضا: (مما انتظم في سلك ملك أحقر العباد عيسى بن (كذا) المرحوم السيد مصطفى الحسني الشهير بالعطار سنة ١٢٠٥) وفي آخر السفر ما هذا بعض نصه بحرفه:
(وهذا آخر الكتاب. . . ونجزت بعونه تعالى هذه النسخة المباركة على يد المذنب. . . مصطفى بن أحمد البغدادي بمدينة دار السلم بغداد. . . في أواسط شهر ذي الحجة الشريفة من شهور سنة أربع وستين بعد الألف من الهجرة النبوية. . .).
وجاء بعدها متن القصيدة القطميرية ويليها رسالة عنوانها: (روح الجنان وروح الجنان) لأبي الحسين علي بن المقرئ. ويعقبها قصيدة الفرزدق التي يمدح بها علي بن الحسين:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ... والبيت يعرفه والحل والحرم
ثم يأتي بعدها (كتاب التيسير في علم القراءة السبع) جمع الإمام أبي عمرو عثمان بن سعيد بن عثمان سعيد. وفي آخر ذلك كله أنه فرغ من كتبه في أواسط رمضان سنة ١٠٦٤ مصطفى ابن أحمد. ويتلو ذلك قصيدة بانت سعاد وأخرى مطلعها:
كيف ترقى رقيك الأنبياء ... يا سماء ما طاولتها سماء
ثم شيء عن تبالة في اليمن وقد نقلها أحد الأدباء ليدرجها في (لغة العرب) وهي لعبد الحميد البغدادي الشهير بالحكيم زاده. ويتلو تلك الأوراق فوائد أخرى له أيضا. والمجلد كله بخط كاتب واحد جلي القراءة فصيح الحروف التي تكاد تكون بحجم ٢٤ من مجلة لغة العرب.
وكان قد استعار منا أحد الفضلاء هذه الدمية فنقل منها قصائد وفوائد لعلنا ننشر منها شيئا إذا سنحت لنا الفرصة.
مجلة (لغة العرب) في 1 تموز 1929