الفنان خليل شوقي غادر ولم يرحل!

الفنان خليل شوقي غادر ولم يرحل!

طه رشيد

خليل شوقي فنان شامل ومعلم لأجيال عديدة كمخرج ومؤلف وممثل. كان شوقي اول مخرج تلفزيوني في العراق. وكانت له بصمته الواضحة في السينما العراقية عندما أخرج فيلم الحارس وهو من بطولة الفنانة الراحلة زينب والفنان الراحل مكي البدري والسينمائي قاسم حول.

هذا الفيلم الذي يعد اليوم واحدا من الأفلام الجيدة في السينما العراقية. وقد لعب دور البطولة في أفلام أخرى وكان أبرزها دوره في فيلم الضامئون الذي أخرجه محمد شكري جميل في مطلع السبعينيات. أما في المسرح فبالإضافة لدوره التنظيمي البارز حيث أسس فرقة المسرح الشعبي عام1947 إلا أنه صب كل إمكاناته مع الفنانين إبراهيم جلال ويوسف العاني وسامي عبد الحميد في منتصف الستينيات وخاصة بعد سقوط سلطة البعث الأولى ليعيدوا الروح للمسرح العراقي من خلال فرقة المسرح الفني الحديث التي أصبح عضو هيئتها الإدارية وأبرز شخصياتها الفنية، نهاية الستينيات قدمت فرقة المسرح الفني الحديث مسرحية " النخلة والجيران " وهي من تأليف غائب طعمة فرمان، تلك المسرحية التي أحدثت تغييرا جوهريا في شكل العرض المسرحي، حيث استخدم المخرج الراحل قاسم محمد ولأول مرة فكرة المسرح الدوار. ما زال الجميع يتذكر شخصية " مصطفى الدلال " التي جسدها خليل شوقي والتي حفرت في ذاكرة جمهوره بجانب الشخصيات التي جسدها كل من يوسف العاني وزينب وناهدة الرماح وفاضل خليل..

بعد ذلك قدمت الفرقة تجربة جديدة للراحل قاسم محمد وهي مسرحية " بغداد الأزل بين الجد والهزل حيث لعب شوقي دور البخيل وكان يستخدم طبقة صوتية رفيعة جدا ( سبرانو) وحين سألناه لم اختار هذه الطبقة الصوتية اجاب بأن الانسان البخيل، بخيل حتى في صوته! كان خليل شوقي يمتلك ثقافة إنسانية عامة تؤهله لدراسة الشخصية التي يمثلها ثم بعد ذلك يقرر الطبقة الصوتية التي تتحدث بها استطاع شوقي أن ينشئ عائلة فنية تحتل مساحة في الحركة الفنية والمسرحية بجدارة وبقدرات خلاقة ويكفي أن نذكر ابنته البكر مي شوقي التي تتمتع بصوت إذاعي ممتاز وهي ممثلة قديرة يشار لها بالبنان..أما ابنته الثانية روناك فهي ممثلة ومخرجة متميزة تعيش في لندن منذ سنوات وما زالت متمسكة بفنها وتبادر الى تقديم تجارب مسرحية هناك بالرغم من عدم وجود دعم يذكر. وفارس شوقي ممثل شاب يذكرنا بوالده في شبابه. أما واثق فهو رغم اتجاهه العلمي إلا أنه استطاع أن يؤسس فرقة للرقص الفلكوري في السويد كان شوقي علامة بارزة في الخارطة الفنية والثقافية، لكن هذا لا يمنع رجال النظام السابق أن " يجرجروه للتحقيق" بتهمة الانتماء للحزب الشيوعي وخاصة أن معظم أبنائه قد غادروا العراق في نهاية السبعينيات نتيجة سياسة التبعيث الحمقاء التي مارسها النظام. ومع تدهور الوضع في العراق بعد الحصار سيء الصيت لم يجد شوقي بدا الا مغادرة العراق ليستقر في منفاه هولندا، ولكنه لم يتوقف عن تقديم اعمال مسرحية جديدة وجليلة تدين الدكتاتورية فكانت "السيد والعبد" من اخراج الراحل عوني كرومي واشترك في التمثيل معه الفنان الراحل منذر حلمي كما أسند له دور في مسرحية " بغداد مدينتي" مع فرقة مسرحية هولندية بجانب أحد النجوم الهولنديين. غادر خليل شوقي ولم يرحل لأنه احتل ذاكرة الناس والمدينة. كان الأجدر بالحكومة أن تنكس أعلامها لرحيله.. وكان الأولى بها أن تقنع عائلته بدفنه في بغداد التي ولد وترعرع فيها. مدينته التي عشقها ولم تفارق مخيلته يوما.