في خمسينيات القرن الماضي.. عندما بدأ المهندسون العراقيون بانشاء المكاتب الهندسية

في خمسينيات القرن الماضي.. عندما بدأ المهندسون العراقيون بانشاء المكاتب الهندسية

هشام المدفعي

لم يوجد أي مكتب هندسي استشاري عراقي في اربعينيات القرن العشرين, إلا انه في الثلاثينيات والاربعينيات من القرن الماضي، تخرج عدد من المهندسين العراقيين في الجامعات الاوروبية والاميركية.

وعاد هؤلاء الى العراق حاملين الآمال الواسعة للعمل الهندسي بشتى اختصاصاته لخدمة بلدهم وشعبهم. ولعل المهندس احمد مختار ابراهيم (1910 ــ 1960) هو المعماري العراقي الاول في تلك الفترة، فقد درس في ليفربول بإنكلترا، واشهر اعماله النادي الاولمبي في الاعظمية، وتبعه جيل الرواد امثال جعفر علاوي ومدحت علي مظلوم ومحمد مكية ونزار علي جودة وزوجته (ألن) وحازم نامق وعبد الله احسان كامل وسعيد علي مظلوم ونيازي فتو وتاجريان وسواهم.

عمل معظم هؤلاء الرواد في دوائر الدولة المختلفة. غير ان اقبال المواطنين على اعمال هؤلاء، وعشقهم لعملهم الهندسي في فترة شهدت بداية نهضة عمرانية واسعة في العراق، دفعهم الى فتح مكاتب هندسية ومعمارية، لممارسة العمل بعد انتهاء اوقات الدوام الرسمي. واعتقد ان هؤلاء هم الذين بدأوا بتكوين نواة المكاتب المعمارية التي تطورت وكونت بعدئذ المكاتب الاستشارية العراقية. وقد قدم المعماريون الرواد الذين عادوا الى العراق في خمسينيات القرن العشرين مثل قحطان المدفعي وقحطان عوني ورفعة الجادرجي ومهدي الحسني وغيرهم، كل بطريقته، خدمات جليلة للمجتمع، لا يمكن نسيانها، واغلب آثارهم لم تزل باقية، تحكي للأجيال روحية العمل المخلص والابداع والتحدي.

اصبح الطلب على اعمال المعماريين لتصميم البنايات والدور هائلا، مع دخول خريجين آخرين الى العراق سنويا. فتوسعت اعمال المعمار العراقي ومسؤولياته، وتشعبت اهتماماته. كما بدأت دوائر الدولة في الخمسينيات بالطلب من المعماريين الرواد بوضع التصاميم لبعض المباني الحكومية في العاصمة بغداد والمدن العراقية الاخرى. ومن هنا شعر رواد العمارة في العراق بالحاجة الى خدمات المهندسين الاخرين، لإكمال اعمالهم ووضع التصاميم الانشائية ومواصفات المواد والاشراف على الاعمال. وبذلك ارتبط عدد من المهندسين المدنيين مع مكاتب العمارة التي اخذت مهامها بالتوسع، لتغطي حجما اكبر من اعمال البناء، ومن هؤلاء المهندسين المدنيين احسان شيرزاد وهشام المدفعي ومحب الدين الطائي ونوري محمد رضا وآرتين ليفوان.

في الخمسينيات من القرن المنصرم، لم يكن هناك من المهندسين الكهربائيين او الميكانيكيين، من يسهم في وضع التصاميم الخاصة بالمتطلبات الكهربائية والميكانيكية كالتبريد او شبكات الماء والمجاري والاعمال الخدمية الاخرى للدور السكنية او بعض العمارات. لقد كان الاعتماد في تلك الفترة على المهرة من عمال الكهرباء والميكانيك ذوي الخبرة لتنفيذ تلك الاعمال. اما فيما يتعلق بمهندسي التربة والاسس وفحص المواد الانشائية، فلم يكن يوجد ايّ مهندس بهذا الاختصاص يعمل في القطاع الخاص.

من المكاتب المعمارية التي فتحت في بغداد في الخمسينيات، مكتب نزار علي جودة وزوجته المعمارية الاميركية السيدة (ألن)، ومكتب محمد مكية، ومكتب جعفر علاوي، ومكتب مدحت علي مظلوم وسعيد علي مظلوم، ومكتب قحطان المدفعي، ومكتب عبد الله احسان كامل ورفعة الجادرجي، ومكتب قحطان عوني، ومكتب مهدي الحسيني، ومكتب هشام منير. وقد عهد لهذه المكاتب تصميم الكثير من العمارات التجارية وابنية حكومية ومشاريع عمرانية مختلفة. فاحتاجت لخدمات المهندسين المدنيين، امثال احسان شيرزاد الذي عمل مع مكتب عبدالله ورفعة، وهشام المدفعي الذي عمل مع مكتب قحطان المدفعي، ونوري محمد رضا مع مكتب مدحت وسعيد علي مظلوم.

وتأسست في تلك الفترة مكاتب هندسية لأعمال التصاميم الانشائية والاختصاصات الهندسية الاخرى. ومنها مكتب نيازي فتو وفيليب ناسي للأعمال الانشائية، ومكتب الروافد للمهندسَين د. ناجي عبد القادر ود. هاشم الحمزاوي لأعمال الري والبزل، ومكتب الخازن لمنذر فتاح ومحمد مخزومي لأعمال الهندسة المدنية وانضم اليهم د. عبد الكريم العلي.

ازدادت واردات النفط العراقي في خمسينيات القرن الماضي، وتحسن معها الاقتصاد العراقي بصورة عامة، وازدادت معدلات دخل الفرد في العراق. وبهذا ازدادت الحاجة الى السكن، وخاصة من ذوي الدخل المتوسط. وازدادت معها اعمال المهندسين المعماريين في وضع تصاميم الدور السكنية الخاصة. كما ازدادت الحاجة الى المشاريع الخدمية وابنيتها، وسائر الابنية لدوائر الدولة. وبسبب دخول المشاريع التنموية والخطط الخمسية لتنفيذها، اتجهت الجهود الى تكليف المكاتب المعمارية الخاصة والمكاتب الهندسية المتخصصة الاخرى، من قبل دوائر الدولة المختلفة. فبدأت المكاتب الهندسية بتوسيع نشاطها، وزيادة اعداد المهندسين العاملين فيها من مختلف الاختصاصات.

في تلك الفترة وفي الخطة الخمسية للتنمية 1960 ــ 1965، اعتمدت وزارات الدولة للمرة الاولى المعماريين العراقيين في مشاريع كبيرة، وادخلت اسماءهم كمهندسين استشاريين في مشاريع خطة التنمية. ويمكن ان نشير هنا الى العديد من الامثلة على ذلك ومنها مشاريع محطات الثروة الحيوانية التي تم توزيعها على المكاتب الاستشارية ومنها المحطة الجنوبية في البصرة انيطت بمكتب قحطان المدفعي ومشاركوه ومحطة بكره جو انيطت بالمكتب الاستشاري العراقي – رفعة الجادرجي. انيطت كذلك اعمال تصاميم واشراف من قبل مديرية المباني العامة وبعض المستشفيات الصغيرة من قبل وزارة الصحة.

من المكاتب التي تأسست في خمسينات القرن العشرين كمكاتب معمارية وتحولت الى استشارية في بغداد في عقدي الستينات والسبعينات من القرن المنصرم، يمكن ان نذكر المكاتب الاستشارية التالية:

1 ـ مكتب نيازي فتو وفيليب ناسي (مدني).

2 ـ اتحاد المستشارين: أسسه المعماريون مدحت علي مظلوم والدكتور محمد مكية وسعيد علي مظلوم وهنري زفوبودا (معماري).

3 ـ الاستشاري العراقي: تأسس من قبل عبد الله احسان كامل (معماري) ورفعة الجادرجي (معماري) واحسان شيرزاد (انشائي وقانوني). وقد عمل مع هذا المكتب عدد كثير من المهندسين مثل معاذ الالوسي وصفاء الكليدار و آرتين ليفوان مثل مازن كمونة و وجدان ماهر وعوف عبدالرحمن واخرين.

4 ـ دار العمارة: تأسس باسم قحطان المدفعي ومشاركوه اولاً ثم تحول الى (دار العمارة – استشاريون في العمارة والهندسة والتخطيط) من قبل الدكتور قحطان المدفعي (معماري) وهشام المدفعي (مدني وانشائي). وقد عمل في هذا المكتب عدد من المهندسين الاستشاريين المعماريين والمدنيين مثل عدنان اسود وبسام البير ونزار حمدون وانيس جواد واكرم وتوني وكالينا واخرون (معماريون)، وحفظي بهية وزهير البصري وجعفر محمد علي وغيرهم (مدنيون)، واختصاصيون اخرون كعبد الرحمن الحاج (مهندس كهربائي).

5 ـ مكتب قحطان عبد الله عوني (مكتب معماري).

6 ـ مكتب هشام منير وناصر الاسدي وعبد الجبار المختار (مكتب معماري).

7 ـ مكتب مهدي الحسني ومحب الدين الطائي وشاكر السعدي (مكتب معماري).

8 ـ مكتب الروافد: اسسه الدكتور ناجي عبد القادر وهاشم حمزاوي (مكتب هندسة مدنية).

9 ـ مكتب الخازن، مهندسون مدنيون: اسسه المهندسون منذر فتاح (ميكانيك) ومحمد مخزومي (انشائي) والدكتور عبد الكريم العلي (مدني).

10 ـ مكتب مدحت وسعيد علي مظلوم (مكتب معماري).

11 ـ مكتب نوري محمد رضا (مكتب مدني).

عن مذكرات هشام المدفعي