أمين الخولى شيخ الأصوليين المستنير

أمين الخولى شيخ الأصوليين المستنير

د. أحمد زكريا الشلق

عندما أعلنت وزارة على ماهر الانتقالية (يناير – مايو 1936) مسابقة بين الكتاب والمفكرين موضوعها " رسالة الأزهر فى القرن العشرين " ألف الشيخ أمين الخولى رسالة بنفس العنوان بالفعل، ولكنه اختير عضوا فى لجنة تحكيم الأبحاث، فاكتفى بطبع رسالته وأهداها للأزهر.

استمر عمل الشيخ أمين فى الجامعة المصرية، التى سميت جامعة فؤاد الأول منذ عام 1938، مدرسا ثم أستاذا مساعدا فى يوليو 1937. وكانت الجامعة فى بداية نشأتها لا تشترط حصول أساتذتها على درجة الدكتوراة، وفى أكتوبر 1946 أصبح أستاذا لكرسى الأدب المصرى فى العصور الاسلامية، وآل به التدرج فى وظائف كلية الآداب إلى أن صار رئيسا لقسم اللغة العربية واللغات الشرقية، ثم وكيلا للكلية فى مايو 1946، واستمر بوظيفته هذه حتى عام 1953. وخلال الفترة السابقة أثيرت عام 1947 قضية رسالة الفن القصصى فى القرآن الكريم لتلميذه محمد أحمد خلف الله، التى تقدم بها للحصول على درجة الدكتوراة وأحدثت جدلا واسعا فى الأوساط الفكرية والثقافية، وقد ساند الخولى تلميذه فى دفاعه عما كتب وذهب إلى أن "الكلام عن الرسالة بهذه الصورة إنكار للحق الطبيعى للحى فى أن يفكر، وإنه لحق عرفنا أن الإسلام يقرره ويحميه، فلو لم يبق فى مصر والشرق واحد يقول إنه حق، لقلت وحدى وأنا أقذف فى النار، إنه حق، لأبرئ ضميرى ولا أشارك فى وصم الإسلام اليوم بهذه الوصمة". وخلال هذه المعركة ثار ضده بعض أساتذة الجامعة وبعض المحافظين من علماء الأزهر، فعاد أمين الخولى ليكتب من جديد عن ضرورة إصلاح الأزهر. وأثناء عمله بكلية الأداب انتدب الخولى للتدريس بكلية الحقوق بجامعة فؤاد الأول، وكذلك فى كلية أصول الدين بالأزهر والتى صار عضوا بمجلسها، كما انتدب للتدريس بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية عام 1950، وكذلك انتدب للتدريس فى معهد فن التمثيل العربى والموسيقى المسرحية، وكانت له نشاطات تتعلق بفن المسرح، حتى إنه كتب بعض المسرحيات فى صدر شبابه، وقد انتدب أيضا للتدريس بمعهد الدراسات العليا للمعلمين، وحاضر فى معهد الدراسات العربية العالية (1957- 1958)، وفى معهد الدراسات الإسلامية. كما عين عضوا بالمجلس الأعلى لدار الكتب المصرية. وقد مثل مصر فى مؤتمرات علمية عديدة، كان أبرزها مؤتمر تاريخ الأديان الدولى السادس فى بروكسيل عام 1936، ومؤتمر المستشرقين الدولى فى ميونخ عام1957، ومؤتمرالمستشرقين الدولى بموسكو عام 1960. وفى عام 1953 احتدمت خلافات فى الكلية أدت إلى تشتيت جماعة من هيئة التدريس، وقيل إن ذلك بسبب بعض إجراءات النظام الثورى الجديد.. فعين أمين الخولى مستشارا فنيا لدار الكتب المصرية فى يونيو من نفس العام، ثم عين مديرا عاما للثقافة بوزارة التربية والتعليم، واستمر فى وظيفته هذه إلى أن بلغ سن التقاعد فى مايو 1955.

وكان لأمين الخولى نشاطاته الواسعة فى مجمع اللغة العربية، حين عين عضوا به عام 1961 ضمن عشرة عينوا بقرار جمهورى عند تعديل قانون المجمع، وظل عضوا به حتى وفاته، بعد أن قدم أبحاثا رصينة حول تطور اللغة العربية، واشترك فى نشاط العديد من لجان المجمع، أبرزها لجنة القانون والاقتصاد، ولجنة معجم ألفاظ القرآن الكريم، ولجنة الأصول ولجنة الأدب ولجنة المكتبة. كما أسهم بتقديم مقترحات خاصة بمهمة المجمع، مثل اقتراح تكوين لجنة للاستشارات اللغوية، ولجنة للإشراف على المذيعين. ومن أبرز بحوثه: لسان العرب اليوم، تذكير العدد وتأنيثه، المركب المزجي، الأسماء الثلاثة قديما وحديثا.. الخ، وكلها ألقيت فى دورات المجمع (28 – 32) ومؤتمراته، ونشرت فى إصداراته ومجلته. وبعد حياة مفعمة بالعمل والنشاط توفى أمين الخولى فى مارس 1966 عن عمر يناهز واحدا وسبعين عاما، بعد أن كشف لنا بوضوح عن عمق الثقافتين العربية والغربية فى شخصه بحيث يمكن أن نقول إنه كان بحق شيخ الأصوليين فى التجديد وشيخ المجددين فى الأصولية، إيمانا منه بالماضى كركيزة، والحاضر كحياة متوثبة، وبالحوار الدائم بينهما ليتفاعلا، ويتلاقحا فيثمرا المستقبل المأمول. ويمكن للقارئ أن يرجع لمزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع إلى الكتاب القيّم للدكتورة يمنى طريف أمين الخولى والأبعاد الفلسفية للتجديد" التى قدمت فيه قراءة منهجية وتطبيقية لفكر أمين الخولى التجديدى الإصلاحى العقلانى (2000) وكتاب الدكتور أحمد محمد سالم الذى قدم فيه دراسة مهمة لكتاب تاريخ الملل والنحل تأليف أمين الخولى (2005) ثم كتابه القيّم: الإسلام العقلاني، تجديد الفكر الدينى عند أمين الخولى (2009). كانت رسالة دعوة حارة وصادقة إلى التجدد والإصلاح تجديدا شاملا يريد به أن يستوعب مظاهر حياتنا على اختلافها، فينصب على العادات والتقاليد، ويشمل الأنظمة والقوانين والفكر واللغة، فنادى بإصلاح الأسرة، ورسم سبلا فى إصلاح النحو وتطوير اللغة، وكان يمقت الجمود الزائف والتقليد الأعمى، ويرى أن الدين متين، وأن الشريعة سمحة، وقد قبلا ويقبلان كل تجديد وإصلاح لايتعارض مع الأصول الكبرى والمبادئ المقررة. وحمل على مجرد محاكاة الغرب والافتتان ببدعه ومستحدثاته، كان يهدف إلى إصلاح ينبع من صميمنا، ويربط حاضرنا بماضينا، ويبقى على معالم الحضارة الإسلامية، لقد كان يعنيه المنهج العلمى الدقيق، ويعرف كيف يبرز ما فى الفكر الإسلامى من أصالة وابتكار.

ج. الاهرام 2 اكتوبر 2023.