المـائدة الرمضانية.. وحـمى الأسعار.. موروث.. أم ثقافة استهلاك؟

المـائدة الرمضانية.. وحـمى الأسعار.. موروث.. أم ثقافة استهلاك؟

تحقيق / صابرين علي
للمائدة الرمضانية تقاليد وطقوس لا تغادرها العائلة العراقية، ترتبط وتلقى بظلالها على مشهد الأسعار،سيما المواد الغذائية في الأسواق المحلية.هل هي موروث اجتماعي، أم ثقافة استهلاك؟، ثمة أسئلة يجيب عليها التحقيق التالي:
هيئة الكمارك:

قال مدير عام هيئة الكمارك نوفل سليم:إن القوانين التي تطلق من قبل الحكومة لا تعد سبب في ارتفاع الأسعار حيث ان قانون التعرفة الكمركية لم يتم تطبيقه لحد الان وحتى هذا القانون لم يتم تشريعه بشكل جديد وقد كان معمولا به سابقاً.
وأضاف سليم:ان سبب الارتفاع في اسعار البضائع يرجع الى جشع التجار وغايتهم في تحقيق هامش الربح الاعلى خصوصاً خلال شهر رمضان بسب حاجة الناس الى السلع والمواد الغذائية بشكل متزايد، حيث ارتفعت الاسعار بشكل مستمر من تاريخ 13/2 /2011 وقبل ان يطبق قانون التعرفة الكمركية.
وبين سليم أن ما تقوم به وزارة التخطيط من إجراءات فحص في دول المنشأ تعد إجراءات سليمة ولها أهمية كبيرة تعمل لصالح المواطن والتاجر والدولة،حيث أنها تحد من دخول البضائع المغشوشة والرديئة الى البلد ويمكن من خلالها تلافي المشاكل التي تم الوقوع بها في السابق.

وزارة التخطيط:
قال الناطق الرسمي باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي:ان الإجراءات التي تقوم بها وزارة التخطيط بفحص البضائع الداخلة الى الحدود هو أمر لابد منه لتلافي الوقوع بأخطاء تكون تبعاتها بالنتيجة على المستهلك العراقي، حيث أن آلية الفحص تتمتع بالمرونة ويتم الاشراف عليها من قبل الشركات الفرنسية والسويسرية بشكل مناسب و يتم استقطاع 4 بالألف من قيمتها وبموجبها ادخلت بضائع كبيرة الى المخازن التابعة للقطاعات الخاصة.
واضاف الهنداوي: ان ما يصاحب قرارات وزارة التخطيط للفحص والمطابقة من ارتفاع في الاسعار هو ذريعة من قبل بعض التجار في التستر على الجشع الذي اصبح صفة تكاد تكون غالبة في المشهد التجاري سعياً لتحقيق الربح العالي فان هذه الإجراءات سليمة ولا تحمل البضائع كلف كبيرة.
وتابع الهنداوي أن وزارة التخطيط مشرفة على هذا الموضوع وهي تتلافى وقوع الأخطاء حيث تم إدخال بضائع كبيرة من خلال فحصها وهي مطابقة للمواصفات والمعايير النوعية العالمية، و حولت الى المخازن وهي تكفي لسد الحاجة المحلية وهذا الموضوع مستمر الى حد الآن، اما الارتفاع الذي نشهده هو ذريعة من قبل التجار وتهيئة الحجج المناسبة لهذا الأمر.

مجتمع التجار:
قال احد التجار في الأسواق العراقية عمار كاظم: إن السبب الرئيس وراء ارتفاع الأسعار في الأسواق هو القوانين التي تصدر عن قبل الحكومة،حيث إنها آنية وفورية ولم يتم الإعلان عنها قبل فترة زمنية منه ليتسنى للتاجر التعامل معها بشكل حاسم قبل الوقوع فيها حيث ان التجار يتفاجئون بمثل هكذا قرارات في المنافذ الحدودية.
واضاف كاظم: ان السوق العراقية تتمتع بعامل المنافسة بين التجار الامر الذي يخلق هبوط في الاسعار ورواج يستفيد منها المواطن، اما في الوقت الحاضر فأن البضائع الموجودة في المخازن قليلة ولا يمكن سد الحاجة المحلية من خلالها لفترة طويلة، لأنها معرضة للنفاد خلال فترة قصيرة مع الارتفاع المستمر فيها الأمر الذي يخلق حالة من الفوضى والرعب في الأسواق المحلية ما لم يتم إعطاء فرصة إضافية للتجار بإدخال البضائع الموجودة في الحدود والقيام بتطبيق إجراءات المطابقة في الفترة اللاحقة وعلى اقل تقدير خلال مدة 40 يوم تتجاوز شهر رمضان كي يتم تلافي ارتفاع الأسعار في شهر رمضان والذي يعد من المناسبات الدينية التي يكثر فيها الطلب على البضائع والسلع من قبل العوائل العراقية.
وبين كاظم أن الاجراءات التي كانت تطبق في السابق تتم من خلال تفريغ البضائع في المخازن ومن ثم يتم فحصها من خلال اخذ عينات منها اما في الوقت الحاضر تطلب الشركات الأجنبية (الفرنسية والسويسرية)2000 دولار على الحاوية الواحدة من الشحنات بالاضافة الى وجود حالة من الزخم على هذه الشركات ما يؤدي الى تعطيل البضائع مدة من الزمن الامر الذي ينعكس سلباً على البضاعة ويسبب إتلافها وفي الوقت الذي يعاني المواطن من ارتفاع الاسعار بسبب شحتها.
أما التاجر حسن الدهلكي فقال: ان السوق مرتبط بقوى العرض والطلب حيث تعاني الاسواق في الوقت الحاضر من كثرة الطلب مقابل العرض القليل في الاسواق بسبب الاجراءات المشددة من قبل الحكومة بعدم ادخال الضائع الموجودة في الحدود الامر الذي يؤدي الى ارتفاع الاسعار فيها.
وأضاف الدهلكي: أن المراحل الجسيمة التي تمر بها البضاعة لوصولها الى المستهلك هي طويلة ومعقدة وتحتاج الى وقت ومال كبيرين الامر الذي يؤدي الى ارتفاع الاسعار بشكل تدريجي وخصوصاً بعد الاجراءات التي قامت بها وزارة التخطيط من خلال فحص المطابقة.
وبين الدهلكي ان اولى المراحل المعقدة في هذه الاجراءات هي اجازات الاستيراد التي تتأخر لمدة شهر او اقل بقليل في الوقت الذي تم إلغاؤها في الدول الاخرى، حيث تعمل على خلق المنافسة في اسواقها مايؤدي الى خفض الاسعار فيها، اما في العراق تتحدد بمنشأ واحد ومدخل واحد الامر الذي يزيد من عامل الكلفة مما يؤدي الى ارتفاع الاسعار، اما العائق الاخر فهوlGS)) فحص المطابقة والتي تحمل كلفا عالية ووقتا لآلية تطبيقها،ما يؤخر وصول البضائع بالإضافة الى ارتباطها بأكثر من جهة حيث انها يجب ان تشرف عليها من قبل وزارة الزراعة لفحصها والرسوم الكمركية الموضوع الذي يطيل من تأخر البضائع في المنافذ الحدودية اما العائق الاخر هو اجراءات تخليص البضاعة من قبل عمال الاخراج، حيث انه يجب ان يكون له علم شامل بالبضاعة التي يتم ادخالها الامر الذي قد يوقعه في اخطاء تؤدي به الى الحبس ما جعل الغالبية العظمى منهم يتجهون الى الاضراب عن العمل بسبب هذه الاجراءات، وخلق شحة في الاسواق و بالنتيجة سوف يتم ارتفاع الاسعار.
وأشار الدهلكي الى انها خطوة ايجابية نحو التخلص من البضائع الرديئة ولكن بالمقابل تحتاج الى اعلام وافصاح عنها كي يتم العمل بها بشكل يؤدي بالنفع للتاجر والمستهلك ونخرج بخطوة ايجابية نحو تحقيق حماية للمستهلك وتوفير البضائع ذات جودة العالية للمواطن.
من جهته، قال وكيل الإخراج احمد حكمت:ان فحص المطابقة الذي تم الاعلان عنه مؤخراً من قبل وزارة التخطيط للبضائع لم تعط به مدة كي يتمكن التجار من اخذ الاحتياطات المناسبة لمعالجته والقيام بالإجراءات اللازمة قبل الوقوع بالمشاكل في المناطق الحدودية.
وأضاف حكمت ان اضافة مدة 10 ايام لتمديد المهلة امام التجار للقيام بإخراج شهادات المنشأ لم تجد بشيء حيث ان البضاعة تستغرق وقتا طويلا لوصولها الى المناطق الحدودية الامر الذي يصعب من خلاله القيام بالاجراءات التي فرضتها الحكومة لادخال البضاعة وخصوصاً ان المعاملات لايمكن تمديدها الا بوجود شهادات المنشأ.
وتابع حكمت: ان وكلاء الاخراج لم يبلغوا بوجود مثل هذه القرارات يمكن من خلالها ابلاغ اصحاب البضائع بهذا الامر ما يمكن تسهيل عمل وكلاء الإخراج والتجار معاً.
وبين حكمت ان البضائع المتجمعة في المناطق الحدودية تتعرض للتلف حيث يتعذر على التاجر القيام بمعاملات الفحص او إرجاعها الى دول المنشأ مؤكداً ان الدول التي تم الاستيراد منها بعيدة وتتأخر اشهر حتى تصل الى الحدود العراقية على اعتبار انها تصل من خلال الموانئ والتي تتأخر في حالة وجود اية عراقيل.

مركز بحوث السوق وحماية المستهلك:
قال الخبير الاقتصادي من مركز بحوث السوق وحماية المستهلك سالم البياتي: إن واقع الاقتصاد العراقي تشوبه منغصات وتشوهات وخصوصاً بعد عام 2003 عندما تهدمت البنى التحتية واصبحت السوق في وضع حرج حيث كان التجار في ذلك الوقت يستغلون ارتفاع الدولار في رفع الاسعار والتأثير على السوق من خلاله وبالاضافة الى القوانين التي كانت تعمل الى صالحهم في تحقيق هامش الربح انذاك، ويعد هذا الامر جزءا من ضعف الاقتصاد وهبوط في اخلاقيات المهنة وبالمقابل عدم وجود جهات للمتابعة.
وأضاف البياتي: ان التوقيتات التي تختارها الحكومة في اطلاق بعض القوانين غير مناسبة للعمل بها حيث ان طرح قانون التعرفة الكمركية وفحص المطابقة أدت الى وجود ذريعة من قبل بعض التجار لرفع الاسعار في الاسواق.
وتابع البياتي: من المنطقي ان يكون هناك ارتفاع في الاسعار خلال شهر رمضان لانه من المعتاد ان تشهد البضائع ارتفاعا في الأسعار إضافة الى وجود الحجج والذرائع لها وبدون اية جهات للمراقبة تتحكم في الاسعار بغيةً مد العون للمواطن العراقي وتقليل المدخولات التي يتم صرفها على السلع والمواد الغذائية.
وذكر البياتي أن الأسواق العراقية غير مسيطر عليها في جوانب الارتفاع والانخفاض وخصوصاً خلال شهر رمضان،مؤكداً ضرورة وجود جهات رقابية من قبل الحكومة للسيطرة عليها وتأمين وصولها الى المواطن بأسعار مناسبة وخصوصاً الى الطبقات الفقيرة منهم.
من جهتها، قالت الباحثة الاقتصادية في مركز بحوث السوق وحماية المستهلك منى الموسوي: إن ارتفاع الأسعار الذي شهدته الاسواق من تأريخ 6/3/2011 الذي تم الإعلان به عن تطبيق قانون التعرفة الكمركية، حيث واصل هذا الارتفاع خصوصاً بعد اجراءات الفحص التي تم الاعلان عنها من قبل التقييس والسيطرة النوعية في وزارة التخطيط، حيث شهدت الاسواق زيادة في الطلب مقابل قلة في العرض من قبل التجار وبسبب تخوفهم من هذه الإجراءات.
وأضافت الموسوي: ان ارتفاع الاسعار في الاسواق خلال شهر رمضان هو امر بديهي حيث ان جميع الدول الاسلامية تشهد هذا الارتفاع ولكن بالمقابل تقوم بوضع الخطط الملائمة للتصدي لهذا الارتفاع من خلال توفير الاحتياجات بشكل مناسب وحجم الطلب عليها إضافة الى وجود جهات رقابية تقوم بمتابعتها.
وتابعت الموسوي: أن القطاعات كافة لها دور ايجابي للحد من هذه الظاهرة كقطاع الزراعة والصناعة (صناعة المواد الغذائية)من خلال طرح البضائع والسلع بأسعار تنافسية مع المستورد الأجنبي بالاضافة الى الدور الذي يلعبه القطاع الخاص وغرف التجارة في هذا الشأن من خلال خلق حالة من الموازنة في الارتفاعات الامر الذي يخلق جو يسوده التوازن في الاسعار.
وبينت الموسوي أن المستهلك له دور ايضاً للحد من هذه الظاهرة خلال شهر رمضان من خلال حملات التوعية من قبل منظمات المجتمع المدني لحماية المستهلك نحو شراء السلع الضرورية التي غالباً ما يحدث الارتفاع فيها مؤكدة ان المستفيد الاخير من هذه الخطوة هو المواطن ومدى تأثر ميزانيته بهذا الارتفاع.
الخـــــــبراء:
قال لخبير الاقتصادي باسم جميل انطون: تعاني الاسواق العراقية خلال هذا الشهر من ارتفاع في الاسعار، حيث يستغل بعض ضعاف النفوس هذا الامر وزيادة الطلب على المواد الغذائية ومحاولة المواطن في توفير كل ما حرم منه خلال فترة النهار، فتحدث حالة من زيادة في الطلب مقابل قلة بالعرض، بالاضافة الى قلة المواد الغذائية التي يتم توزيعها ورداءة نوعيتها على المواطنين ما يجعلهم معولين على السلع والمواد المطروحة في الاسواق المحلية.
وأضاف انطون ان الحكومة قد سحبت يدها من المواد الاستهلاكية وتركت هذا الموضوع على عاتق القطاع الخاص حيث ظل التجار يتحكمون ويستغلون هذا الامر لصالحهم بدون اي وازع تجاه هذا الامر.
وتابع انطون: أن الإجراءات المنفذة من قبل الكمارك والتقييس والسيطرة النوعية هي اجراءات ضرورية من خلال فحص البضائع وحصولها على شهادات المنشأ وتعود بالنتيجة على صالح التاجر والسوق والمستهلك ولكن استغل هذا الموضوع من قبل بعض ضعاف النفوس برفع الاسعار الى صالحهم.
وبين انطون ان زيادة عدد السكان في العالم ككل انعكس على كثرة الطلب على المواد الغذائية التي لم يتم التعامل معها على اساس هذه الزيادة الحاصلة في اعداد السكان،ما خلق شحة بهذه المواد وخاصة في بعض الدول التي تتوجه الى تصنيع الوقود بدل من المواد الغذائية الامر الذي ادى الى ارتفاع اسعارها بشكل تدريجي.
وأكد انطون ان عدم وجود الرقابة الجادة أسعار السلع والمنتجات وعدم تطبيق بعض القوانين التي شرعت من قبل مجلس النواب كقانون محاربة الاحتكار والتنافسية بالاضافة الى قانون حماية المستهلك التي لها دور كبير في مراقبة الاسواق من ناحية الكمية والنوعية والاسعار ولم يتم تفعيل هذه القوانين رغم مرور اكثر من عام على اطلاقها.

المستهلكون:
قال المواطن كاظم عريبي:
ان الباعة في الاسواق المحلية هم الذين يخلقون حالة من الارتفاع في الاسعار بسبب زيادة الطلب من قبل المواطنين حيث ان أسواق الشورجة لا تتغير أسعارها او يكون الارتفاع فيها بسيطا جداً،الأمر الذي يجعل هناك سبباً في ذهاب اكثر المواطنين للتبضع من تلك الاسواق لأنها عادتة تكون ارخص من الأسواق المحلية خلال هذا الشهر.
من جهته، قال البائع عباس مطشر: إن الأسعار غالباً ما تكون مرتفعة في هذا الشهر حيث يتم احتكار البعض للمواد التي يكثر الطلب عليها خلال شهر رمضان ما يؤدي الى وجود قلة في العرض لهذه البضائع ما يخلق حالة من التحكم لديهم بأسعارها بالاضافة الى وجود شحة في مواد الغذائية بسبب قلة الاستيراد وتوقف بعض الشحنات على المناطق الحدودية التي تم الاعلان عنها من مصادر اعلامية متعددة.
من جهتها، قالت المواطنة فرح كاظم:إن موضوع المائدة الرمضانية مرتبط بالعادات والتقاليد حيث إن تعدد أنواع الأكلات فيها يعد ضمن الموروث الشعبي وتم تعلم هذه الأمور من العوائل التي انسلخنا منها الامر الذي يخلق حالة من زيادة بالطلب على المواد المطروحة في الاسواق وخصوصاً المواد الغذائية التي تخلق حالة من الانتعاش لدى الباعة بهذا الامر ورغبتهم في زيادة الاسعار التي يكون المواطن مجبوراً على تسوقها وخصوصاً بعد فترة صيام من الفجر وحتى المغرب.
من جهتها، قالت المواطنة ام عمر: إن رغبة المواطن في تعدد الأكلات خلال المائدة الرمضانية ترتبط بالأسعار حيث إن المستهلك خلال هذا الشهر يزيد ويضيف وجبات قلّ ماندر يستخدمها في الايام العادية لانه يعاني من الجوع والعطش خلال النهار ويود التعويض عنها خلال فترة الفطور او يدخل هذا الموضوع ضمن الحالة الصحية التي يعتقد المواطن انه فقد الكثير من الفيتامينات والطاقة خلال الصيام ما يخلق حالة من الرغبة في هذا التعدد الامر الذي ينعكس على واقع السوق بسبب هذا الطلب المتزايد للسلع والمواد الغذائية.
وأضافت ام عمر أن موضوع ارتفاع الأسعار لا يشمل فقط المواد الغذائية وإنما يمتد ليشمل السلع من ادوات الطهي والحاجات الكمالية للمطبخ والألبسة بسب حلول عيد الفطر الامر الذي يخلق حالة من التواصل في الارتفاع بسب حدوث هذه المناسبات على التوالي.