وزارة الصحة في خمسينيات القرن الماضي

وزارة الصحة في خمسينيات القرن الماضي

د. حيدر حميد رشيد

مع قيام الحكم الوطني في البلاد، وتشكيل أول وزارة بعد تتويج الملك فيصل الأول في 23 آب 1921، كانت حصة الصحة أن أصبحت وزارة قائمة بذاتها، وقد عين الدكتور حنا خياط، أول وزير صحة في العراق.

إلا أن الأزمة المالية التي سادت البلاد بين عامي 1921 و 1922 قادت إلى إلغاء وزارة الصحة في الثامن من حزيران 1922. وأصبحت مديرية عامة عرفت باسم " مديرية الصحة العامة " وألحقت بوزارة الداخلية. وفي الوقت نفسه أًُسّست " مفتشية الصحة العامة ". وبقيت مديرية الصحة مرتبطة بوزارة الداخلية حتى عام 1939 عندما فك ارتباطها بها وألحقت بوزارة الشؤون الاجتماعية المستحدثة، وبقي الأمر على هذه الحال حتى عام 1952، حيث تم تشكيل وزارة الصحة في تلك السنة. وقد رأس مديرية الصحة العامة آنذاك موظف (طبيب) يحمل درجة مدير عام يقوم بواجباته على وفق أحكام القوانين والأنظمة المرعية، والتعليمات التي يصدرها وزير الداخلية ومن بعده وزير الشؤون الاجتماعية.

إدارة صحة الألوية:

قسم العراق إدارياً في تلك المرحلة إلى أربعة عشر لواءً في كل لواء منها رئيس صحة يكون مسؤولاً عن لوائه من ناحية الخدمات الصحية، فضلاً عن أربع طبابات صحية في ألوية بغداد والبصرة والموصل وكركوك وكان يشرف على كل واحد منها طبيب يساعد رئيس صحة اللواء ما عدا طبابة بغداد (مديرية صحة العاصمة)، فأنها ترتبط بمديرية الصحة العامة مباشرة وليس لها علاقة برئاسة صحة لواء بغداد. وكان يمثل رئيس صحة اللواء في القضاء الطبيب المركزي، وفي الناحية الموظف الصحي أو المضمد. وفي كثير من الأحيان كان يعاني رؤوساء الصحة في هذه المرحلة على الأقل من الروتين الممل، فلم تكن الكثير من طلباتهم تجد لها آذاناً مصغية من المركز في بغداد، وقلما كان "يسهر أحدهم على مكافحة الأمراض المتوطنة ".

إزاء ذلك أصبح من الطبيعي أن تبدأ مرحلة جديدة من تاريخ تطور الإدارة الصحية في العراق، ولاسيما بعد التوسع الذي طرأ عليها وعلى نشاطها، وتزامن ذلك مع التحسس المالي للدولة بعد العام 1952، الأمر الذي مكنه من تخصيص مبالغ أكبر من ميزانية الدولة للشؤون الصحية، فكان لا بد من استحداث وزارة قائمة بنفسها تكون مسؤولة عن المؤسسات الصحية، وتتفرغ لإدارتها، وتعمل على رفع مستواها من الناحيتين الفنية والإدارية. وعلى هذا الأساس استحدثت وزارة الصحة بموجب القانون رقم (28) لسنة 1952، وأصبح عبد الرحمن جودت أول وزير للصحة بعد إعادة تشكيليها، وكان ذلك في عهد وزارة مصطفى العمري(12 تموز -21 تشرين الثاني 1952). وكان استحداث وزارة للصحة إجراءاً موفقاً، وقد حدد القانون المذكور مهمات وزارة الصحة لتشتمل على:

1- العناية بالصحة العامة وحماية النسل.

2- تأسيس المعاهد للوقاية من الأمراض وبناء المصحات والمستشفيات.

3- الإشراف على الكلية الطبية والمستشفى التعليمي وغيرها من الكليات والمدارس والمستشفيات والمؤسسات الصحية الموجودة والتي ستؤسس في المستقبل.

وبموجب القانون المذكور أصدر وزير الشؤون الاجتماعية أمراً وزارياً برقم (147) قرر فيه فك ارتباط كل من مديرية الصحة العامة وعمادة الكلية الطبية من الوزارة المذكورة وربطهما بوزارة الصحة ابتداءً من صباح يوم24 نيسان 1952.

وعلى وفق القانون المذكور صدرت أيضاً عدة أنظمة تتعلق بالبناء الهيكلي لوزارة الصحة وتحديد مؤسساتها، منها النظام الأول للوزارة رقم (26) لسنة 1952، ونص هذا النظام على أن الوزير هو الرئيس الأعلى للوزارة والمسؤول عن أعمالها وعن قيام موظفيها بواجباتهم، ونصت كذلك على أن الأوامر والمقررات تصدر بأمره وتتخذ تحت إشرافه.

وظلت الألوية بموجب نظام (26) لسنة 1956 تدار صحياً من قبل رؤوساء الصحة كل بحسب لوائه، ويكون مسؤولاً عن لوائه من ناحية الخدمات الصحية كما ورد في الأنظمة السابقة.

يتضح من العرض السابق مدى التوسع الذي أصاب تشكيلات وزارة الصحة، منذ تأسيسها عام 1952 وحتى صدور نظام رقم (26) لسنة 1956، فمديرية الصحة العامة التي كانت تشكل العمود الفقري للوزارة كانت على وفق نظام (9) لسنة 1953 تتألف من اثني عشرة شعبة أصبحت على وفق نظام (26) لسنة 1956 تتألف من معاونتين وسبع عشرة مديرية، فضلاً عن شعبة الذاتية وملاحظية للترجمة، وفي ظل التوسع تحولت العديد من الشعب إلى مديريات، وتحولت العديد من المفتشيات والمديريات إلى مفتشيات عامة ومديريات عامة أيضاً، فضلاً عن استحداث عدد آخر من الشعب والمديريات، الأمر الذي يشير إلى مدى التوسع الكبير الذي أعترى أعمال تلك المؤسسات مما تطلب توسيع وتنظيم الهيكل الإداري للوزارة، ليكون قادراً على أداء مهماته الجديدة من جهة، وتحديد صلاحيات وواجبات كل دائرة من دوائرها من جهة أخرى، وصدر آخر نظام لوزارة الصحة، مطلع عام 1958، أي قبل نهاية العهد الملكي بنحو ثلاثة أشهر، وقد ألغى النظام الجديد الذي كان يحمل الرقم (17) العمل بالنظام الذي سبقه ليعيد تشكيل وزارة الصحة على وفق النظام الجديد، إذ تشكلت الوزارة، فضلاً عن الوزير من ديوان الوزارة الذي أعيد تشكيله مرة أخرى بعدما ألغي في النظام الذي سبقه، واصبح يتألف من مديرية الصحة العامة ومفتشية الصحة العامة والمكتب الخاص، وارتبطت بالوزارة مديريات عامة هي، مديرية الخدمات الطبية العامة التي أنيطت بها مسؤولية جميع الشؤون الطبية والعلاجية، ومديرية الوقاية الصحية العامة، ومديرية التجهيزات الطبية العامة.

على هذا النحو توسعت البنى الهيكلية التنظيمية لوزارة الصحة منذ استحداثها عام 1952 وحتى انتهاء العهد الملكي، فقد أعيد تشكيل الوزارة مرات عدة لتتلاءم مع حالة التوسع والتطور التي شهدتها، ومع ذلك فأن الأمر لا يخلو من حالة تخبط عانى منها الهيكل التنظيمي للعديد من التشكيلات، فتارة نرى يقر وجود ديوان الوزارة وتارة أخرى يلغى، ينطبق الشيء نفسه على الكثير من الإدارات الأخرى، إلى جانب عدم تطابق بين الهيكل التنظيمي الفعلي وما نصت عليه الوثائق الرسمية إذ بقى البعض من الوحدات المشكلة عديمة الفعالية ولم يكن نشاطها محلوظاً.

• تعاقب على تولي وزارة الصحة منذ استحداثها وحتى نهاية العهد الملكي (14) وزيراً هم على التوالي عبد الرحمن جودت، عبد المجيد القصاب في وزارة نوري الدين محمود، محمد حسن سلمان في الوزارة المدفعية السادسة والسابعة، عبد الأمير علاوي في وزارة فاضل الجمالي الأولى، ثم عاد عبد المجيد القصاب وزيراً للصحة في وزارة فاضل الجمالي الثانية، وأصبح عبد الهادي الباججي وزيراً للصحة في وزارة أرشد العمري الثانية، إلا أنه لم يستمر طويلاً فيها فاستقال من منصبه بعد مضيء شهرين وستة أيام وحل محله صبيح الوهبي، ثم عاد محمد حسن سلمان وزيراً للصحة في الوزارة السعيدية الثانية عشرة، ثم اعقبه عبد الأمير علاوي في الوزارة السعيدية الثالثة عشرة وأستمر وزيراً للصحة في وزارة علي جودت الأيوبي الثالثة، ثم أعقبه محمود بابان في وزارة عبد الوهاب مرجان ثم عاد عبد الأمير علاوي وزيراً للصحة في وزارة نوري السعيد الرابعة عشرة، واستمر في وزارة أحمد مختار بابان، وبذلك كان الدكتور عبد الأمير علاوي أكثر من تسنم منصب وزارة الصحة من بين أقرانه في هذه المرحلة.

عن رسالة ((الأوضاع الصحية في العراق1945-1958))