البنوك الأوربية والأموال العربية

البنوك الأوربية والأموال العربية

إيمان محسن جاسم
هل فقدت البنوك الأوربية بصورة عامة والسويسرية بشكل خاص الثقة التي لازمتها عقوداً طويلة ومنحتها صفة المصارف الأمينة والتي اعتاد العرب أن يضعوا حساباتهم فيها بكل اطمئنان؟ خاصة وانه كما قلنا لسنوات طويلة ترسخت فكرة لدى غالبية الأثرياء

العرب بأن البنوك الأوربية هي الأكثر أماناً وسرية من المؤسسات المالية في الوطن العربي خاصة في ظل عدم الاستقرار السياسي الذي عانت منه المنطقة عقوداً طويلة وما زالت تعاني منه في الوقت الحاضر.
وظلت سويسرا المحايدة على وجه الخصوص قبلة الأغنياء العرب بشكل عام لمحافظتها على السرية والخصوصية ووضعت فيها أرصدت أغنياء الأمة العربية من حكام وأفراد عاديين، بل وصل الأمر الى أن بعض البنوك في سويسرا لم تعد تمنح أية فوائد على كثير من الودائع، باعتبار أن وجودها في تلك البنوك ميزة بحد ذاته، فهل تغيرت اليوم هذه الفكرة أم مازال الغرب هم الأكثر أماناً لتلك النخبة؟.
مما لاشك فيه هو أن مخاوف كثيرة بدأت تنتاب أثرياء العرب سواء كانوا حكاما كما قلنا أو غير ذلك وسبب هذه المخاوف يكمن في انكشاف خصوصياتهم بعد أن باتت حساباتهم مكشوفة إلى حد ما بسبب الكثير من القوانين التي صدرت بعد الحادي عشر من سبتمبر والتي تحتم متابعة الأرصدة الموجودة في البنوك سواء السويسرية أو الأوربية أو حتى الأمريكية وباتت عملية تجميد الأموال السمة البارزة في السنوات الأخيرة وتمثل أحد أهم المخاوف التي تنتاب أثرياء العرب.
الجانب الثاني يتمثل بأن بعض البنوك السويسرية لم تعد تستقبل أي أموال جديدة بعد تضخم الودائع وتكدسها. بشكل كبير وربما هذا ما دفع بعض هذه المصارف لوضع شروط قاسية أمام من يريد تحويل مبالغ لها، والجانب الثاني يتمثل بأن الكثير من هذه المبالغ لا يتم استثمارها أو تشغيلها في ظل النكسات المالية الكبيرة التي تعرضت لها دول وأسواق العالم.
أما الجانب الثالث وهو الأكثر أهمية يتمثل بأن أموال العرب أصبحت "شبهة"، وقد يتم تجميدها أو مصادرتها، وهذا ما تمثل في تجميد حسابات ليبية وسورية وإيرانية وعدد كبير من المنظمات سواء الحكومية منها أو الشخصية لعدد من دول الخليج العربي تحت باب مكافحة الإرهاب وقطع تمويله.
لهذا نجد بأن الأموال العربية بدأت تتجه لأسواق وبنوك قارة آسيا التي تبدو أكثراً أماناً الآن وربما سنجد بعد فترة من الزمن تفرض هذه البنوك شروطاً مشابهة لما موجود لدى البنوك الأوربية والأمريكية خاصة إذا ما كان المال عربياً فهو سيخضع بالتأكيد للرقابة والمتابعة وربما التجميد خاصة وإن الكثير من دول آسيا مرتبطة ارتباطاً كبيراً بأوربا وأمريكا من الناحية السياسية والاقتصادية.
وربما يقول البعض لماذا لا يتم استثمار هذه الأموال في الدول العربية التي تعاني من قلة الاستثمارات؟ هنا يأتي الجواب محملآً بأكثر من إجابة، أولها القوانين الطاردة للاستثمار في الوطن العربي والتي ترتبط عادة بالقرار السياسي، الجانب الثاني والمهم هو عدم الاستقرار السياسي في بلدان الوطن العربي ولنا في تجربة الاستثمارات في مصر وتونس وما حصل لها من خسائر كبيرة بعد ثورتي تونس ومصر وهروب هذه الأموال للخارج من جديد فيما تعرضت الكثير منها للسلب والنهب والمصادرة وعدم الاعتراف بالمواثيق والعقود الموقعة من قبل النظامين السابقين وقد عانت من هذه الحالة الاستثمارات الخليجية الكبيرة في مصر في الأشهر الماضية.
لهذا نجد بأن أموال أثرياء العرب تتوجه الآن صوب بعض دول آسيا والقسم الآخر يتوجه صوب تركيا التي بدأت بالفعل شراكة اقتصادية كبيرة جداً مع أثرياء العرب وتمكنت من استقطابهم في فترة زمنية قصيرة، ساعدها في ذلك حالة الاستقرار السياسي من جهة، ومن جهة ثانية موقعها الجغرافي المهم جداً.