د. فائق مصطفى
في الوقت الذي صدر فيه كم كبير من الكتب والدراسات عن شعرائنا المحدثين والمعاصرين،وعن روائيينا وقصاصينا،ظل فراغ لافت للنظر في ما يخص كتابنا المسرحيين، فلم تشهد مكتبة المسرح العراقي كتابا عن كاتب مسرحي عراقي.
على الرغم من عراقة مسرحنا الذي يزيد عمره على قرن،وظهور طائفة من الكتاب المسرحيين الذين كتبوا مسرحيات جادة بالفصحى مثلت وطبعت في كتب،مسرحيات نستطيع بلا أي خلاف ضمها إلى تراث الأدب المسرحي العربي، لكن الكاتب والناقد المسرحي صباح الأنباري أراد أن يسد هذا الفراغ فأصدر أول كتاب عن كاتب مسرحي عراقي هو محيي الدين زنكنة وسماه (البناء الدرامي في مسرح محيي الدين زنكنة) الصادر عن دار الشؤون الثقافية العامة 2002 فكان بعمله هذا رائدا في هذا الميدان، صحيح أن كتبا عدة صدرت عن تاريخ المسرح العراقي وعن قضاياه الموضوعية وظواهره الفنية،وصدرت كتب عن مخرجين عراقيين مثل المخرج الراحل إبراهيم جلال، وكتبت رسائل جامعية عن كتابنا المسرحيين،لكن فيما ما يخص الكتب لم يصدر أي كتاب عن كاتب مسرحي عراقي قبل كتاب صباح الأنباري.
ضم الكتاب مقدمة وسيرة الكاتب وثمانية مباحث،دار كل منها على مسرحية من مسرحيات زنكنة ورواياته ومسرحياته،وما كتب عنها في الدوريات والكتب،جاء في المقدمة عن منهج الكاتب في كتابه (ولم أتقيد،وأنا ادرس مسرحياته الثماني (السرـ الجراد ـ السؤال ـ العلبة الحجريةـ لمن الزهور ـ مساء السلامة أيها الزنوج البيض ـ حكاية صديقين ـ رؤيا الملك) بمذهب نقدي واحد أو مدرسة محددة واحدة،ذلك لقناعتي بان كل نص إبداعي يبتكر قوانينه وشروطه الخاصة،ولكنني في الوقت ذاته أفدت من التجارب النقدية الحديثة على وجه الخصوص،وحاولت أن أبين من خلالها مميزات أسلوبه وتفرده في الابتكار وقدرته المستمرة على الخلق والإبداع على حد سواء.
وفي ما يخص سيرة زنكنة نعرف انه من مواليد كركوك عام 1940،متخرج في كلية الآداب ـ جامعة بغداد ـ عام 1962، عمل مدرسا للغة العربية،ثم تفرغ للمسرح والأدب. وهو(إنسان الصدق والصداقة والأمانة والمحبة والوفاء والكبرياء والتواضع، يقول الأستاذ الكبير المرحوم علي جواد الطاهر(محيي الدين زنكنة) أديب غير مجهول لدى الخاصة وتواضعه من العوامل التي حالت دون الشهرة، ويكفيه أنه اقتحم ميدان المسرحية ونجح بما شهدت له المسارح والفرق والنقاد). (الكتاب 23).
ومحيي الدين زنكنة،في الوقت نفسه،كاتب روائي وقصصي فقد اصدر ثلاث روايات ومجموعة قصصية،وحصل على أفضل ما يمنحه العراق من الجوائز في المواسم المسرحية،ونال جائزة الدولة للإبداع عن مسرحيته (رؤيا الملك) عام 1999. أما المباحث الثانية التي دارت على مسرحيات زنكنة فقد تناولت مضامينها وقضاياها الموضوعية،وهي قضايا اجتماعية وسياسية مهمة تبرز في كل زمان ومكان مثل الدفاع عن الحرية ومحاربة الظلم والطغيان والاستغلال وقيم الزيف والضلال ودور المثقف في المجتمع.. الخ،كما تناولت عناصرها الفنية التي يشملها مصطلح (البناء الدرامي) من صراع وشخصيات وحوار،والعلاقات التي تربط بينها.ويبدو الكاتب،في كل ذلك،مسيطرا على موضوعه، عارفا كل صغيرة و كبيرة عنه رابطا عند دراسة المسرحيات بين قضاياها وقضايا قصص زنكنة ورواياته،وموازنا في الوقت نفسه،بينها وبين آثار مسرحية تنتمي إلى المسرحين العربي والغربي.
ولعل هذا كله ناتج عن متابعة الكاتب الطويلة لمسرح زنكنة وأدبه،والصداقة العميقة التي تربط بين الاثنين،وتفاعله مع المسرحيات وقراءته كل ما كتب عنها.
تقف مسرحية (السؤال) أهم مسرحيات زنكنة، لهذا استأثرت (من بين سائر المسرحيات العراقية الرصينة باهتمام النقاد والدارسين والمخرجين العرب وإقدامهم على عرضها برؤى مختلفة وأفكار متباينة.لقد اعتمد محيي الدين زنكنة في كتابة هذه المسرحية على اكبر منجز حكائي تراثي عربي(ألف ليلة وليلة) منتقيا منه حكاية شكلت العمود الفقري لهيكل حكايته الجديدة.راسما من جغرافيتها مسارات عديدة مختلفة تلتقي وتتشابك أحيانا حول عقدة السؤال المهم الذي سيظل حاضرا وقائما على امتداد مشاهد المسرحية). (الكتاب/56)
لكن الأنباري لم يجعل لكتابه خاتمة يورد فيها الخصائص العامة لمسرح زنكنة، بعد أن درس بالتفصيل مسرحياته،مما جعله أهلا للكلام عما يجمع بين هذه المسرحيات وتقويمها تقويما موضوعيا.كما شكل خللا منهجيا في الكتاب إيراد معلومات كثيرة عن قصص زنكنة ورواياته، لان الكتاب لا يدور على أدب زنكنة كله،وإنما يدور على جانب منه فحسب هو ما يخص مسرحياته.
والكتاب،بعد ذلك،يأتي علامة على تطور النقد المسرحي في العراق،وتكريما لكاتب مسرحي عراقي كبير يكتب بجدية والتزام منذ الستينيات دون أي تراخ أو هبوط في ما يكتب،على الرغم من الظروف الصعبة التي خلقها الحصار وإغراءات المسرح التجاري.وأخيرا نأمل أن تصدر كتب أخرى عن كتابنا المسرحيين الجادين أمثال يوسف العاني وخالد الشواف وجليل القيسي وعادل كاظم.
· من ارشيف الكاتب