نص نادر.. لواء الديوانية سنة 1928

نص نادر.. لواء الديوانية سنة 1928

لا ينتقدنا منصف إذا قلنا أن للواء الديوانية فضلا عظيما على العراق من الوجهتين المالية والاجتماعية. فهو ينتج من الحبوب الأثمار ويصدرها إلى سائر الأنحاء فيسد ثلمة واسعة من احتياجات القطر ويرسل إلى خزينة الحكومة في بغداد بمال وفير.

وقد كان له اليد البيضاء الحكومة الوطنية الحاضرة لان معظم الذين قاموا بثورة عام ١٩٢٠ كانوا من هذا اللواء ومن نواحي هذا اللواء وحده، استعرت نار الوطنية (من الرميثة) وفي لواء الديوانية وحده تغلب القوة وأنصاره وقد ذكر ساسة الإنكليز في مؤلفاتهم أن لواء الديوانية سقى الأشجار والنخيل بدم الوطنية والمفاداة في مصلحة الوطن مدة تنيف على نصف سنة مما يدل على أن في هذا اللواء روحا وثابا وعاطفة شريفة أبيا الخضوع للقوة والاستعمار. وما عهد الثورة العراقية ببعيد عنا.

طرق المواصلات

كانت المواصلات بين بلدان هذا اللواء الواسع الأطراف ضعيفة جدا في عهد الحكومة العثمانية. إذ لم يكن يومئذ لهذه الغاية سوى الحيوانات وأما اليوم فترى فيه السكة الحديدية مارة بمعظم أطرافه فضلا عن التي تشق جاداته المستقيمة فتربط شماليه بجنوبيه وشرقيه بغربيه وبالأخص بعد أن أقيم جسر (البربوتي) بالقرب من السماوة. وعلى هذا يكون شبكة حديدية متماسكة الحلقات أو العيون وهذه مما يسهل طرق الموصل وإن كانت السفن والحيوانات لا تزال تجد سوقها.

أنهاره

ينشطر الفرات بعد عبوره سدة الهندية واقترابه من ناحية الكفل إلى شطرين مهمين: يذهب الأول منها إلى الكوفة فأبو صخير ويسمى (شط الكوفة) وهناك ينقسم إلى فرعين: فرع يسقي أراضي أبو صخير وناحية الجعارة (الحيرة) ويسمى جحات أو البكرية، وفرع يتجه نحو الجنوب فيسقي أراضي المشخاب المسماة بناحية (الفيصلية) وينتهي في بزائر هور

(صليب) (بالتصغير) كزبير حيث ينتهي فرع (البكرية) ومن ثم يختلطان فيمران بالشنافية فالسماوة فالناصرية... الخ. ويذهب الشطر الأيسر ويسمى (أبو كفوف) (كأنها جمع كف) إلى العباسيات، فالشامية (الحميدية) حيث يسقي أراضيها. وينحدر نحو الجنوب حتى سدة الخمس (وزان خبز) في أراضي آل زياد (وزان جبار) والسادة البو طبيخ. ومن هناك تتوزع مياهه على ثلاثة انهر هي أبو بلامة (وزان علامة) والنفيشية (بالتصغير والنسبة) والغزالي (كأنها نسبة إلى الغزال) ثم تتجمع في هور (الجارة)، (وزان فارة) وهو الحد الفاصل بين قضائي الشامية وأبو صخير وتفصل مياه (الجارة) بشط الكوفة المذكور آنفا في موضع يقع على بعد عشرين ميلاً من غرب الشنافية يقال له (النقارة) حيث تتجه نحو السماوة وبالناصرية كما أسلفنا.

وفي سدة الهندية تنحدر مياه غزيرة في شط الحلة بواسطة بوابات أعدت لهذه الغاية. وهذا الشط بعد أن يسقي أراضي لواء الحلة ومزارعه ويملأ الجداول والنهيرات القائمة على عدوتيه يسير على خط مستقيم حتى صدر الدغارة حيث يتفرع إلى فرعين: يمر الأيمن منها بالديوانية والرميثة ثم يصب في السوير (كأنه تصغير السور) بالقرب من السماوة ويتجه الأيسر إلى الدغارة فيسقي أراضيها، وينحدر نحو عفك (وزان سبب) فيروي مزارعها وينتهي في مزارع آل بدير (بالتصغير) حيث يضمحل وتنضب مياهه.

وتقوم على ضفتي كل من الأنهر المذكورة جداول ونهيرات تسقي المزارع البعيدة عن الشطوط.

عشائره

لا نغالي إذا قلنا أن لواء الديوانية لواء عشائر بحت تسكنه جماعات منها مختلفة يتقوم منها ثلاثة أرباع سكان اللواء. وهذه العشائر اختلفت أسماء قبائلها وتباينت طرق معيشتها، إلا أنها تمت إلى اصل واحد ونحن ندون في ما يلي اسماه القبائل الموزعة على اقضية اللواء:

قضاء أبو صخير: تقطنه آل فتلة (بالفتح) وآل إبراهيم والغزالات (كأنها جمع غزالة) وآل شبل (وزان ابل).

قضاء الشامية: فيه آل فتلة وبني والخزاعل وآل شبل والعوابد والكرد (بفتح فكسر) وآل زياد (بتشديد الياء).

قضاء الديوانية: تسكنه عشائر الأقرع والخزاعل.

قضاء عفك: فيه السعيد (بكسرتين) والأقرع وآل غانم والبحاحثة (كأنها وزان جبارة) وآل حمزة وآل شيبة والمحاضرة وآل بدير.

قضاء السماوة: تقطنه الظوالم والبو حسان وآل زياد (كشداد) والازيرق (الازيرج) والخزاعل وبني حكيم (بالتصغير وتلفظ )حجيم(.

ولكل من هذه القبائل بيوت من قصب تسمى صرائف يقطنها أصحابها وعرائش تؤمن راحة المسافرين ومضايف تكرم فيها الوفود وأسلحة تذخر إلى الأيام السود وقصور من طاباق يسكنها الرؤساء ويحل فيها الضيوف الكبار ومفاتيل يتحصن فيها المحاربون أيام شن الغارات وقوارب تسمى سواجي (جمع ساجية) يتنقل بها الرؤساء والسراكيل بين الأهوار والمضايف والبيوت وهلم جرا فهي كالغندول في البندقية (فنيسية) من ديار إيطالية.

وطرق المعيشة عند هؤلاء الأفراد كالطرق المتبعة عند جميع العشائر العراقية فهم يسكنون بيوتا من شعر أو قصب ويكتفون من اللباس بثوب طويلة يسمونه (الدشداشة) (هي الجلباب عند الفصحاء) مع عقل وكوفية وطعامهم الأرز مع اللحوم وقد يكون لهم في بعض الأحيان خضراوات مختلفة.

المعارف فيه

الأمية في لواء الديوانية ضاربة إطنابها فيه ولا أعتقد أن لواء من الألوية العراقية يشابهه فيها. ولعل النقطة التي أوضحناها آنفا عن كثرة العشائر الرابضة فيه ذلك، إذا أردنا أن نتغاضى عن تقصير المعارف في هذا الصدد في الوقت الذي يرى من المصلحة العانة إنشاء مدارس وكتاتيب في جميع الأرياف وإنشاء مدارس مستقلة يجوب أساتذتها منازل العشائر المستوطنة لتثقيفها وتهذيبها وإزالة الجهل والأمية المتأصلين فيها.

ومع كل هذا يرى في لواء الديوانية شباب ناهض وروح للتقدم العلمي والأدبي. فإذا إلى ذلك أضفنا قليلا من جانب الحكومة. أكن التفاؤل بمستقبل علمي زاهر لهذه المنطقة الواسعة.

حاصلاته

يعني في لواء الديوانية وبالأخص في قضائي أبو صخير والشامية بزرع الشلب (الأرز بقشره) على اختلاف أنواعه. ويكثر فيه زرع الحنطة والشعير وهما مصدرا ثروة اللواء. ثم يلي ذلك في الأهمية (الصيفي) (ما يزرع في الصيف) بما فيه من دخن وسمسم وماش وإذرة (ذرة) وسائر الحبوب التي يجنى منها ثروة لا يستهان بها. وإذا كانت حصة الحكومة من مزروعات اللواء التي تسقي سيحا فقط، تتراوح بين ١٥ و٢٠ لكا من الربيا فنترك للقارئ تقدير الحاصلات العامة بأن في اللواء أكثر من ١٢٠ مضخة تتراوح قواتها بين ١٠ حصن و٦٠ حصانا.

خرجه ودخله

يصدر لواء الديوانية في نتاجه الشلب والحنطة والشعير وسائر أصناف الحبوب التي ألمعنا إلى ذكر زرعها، وعلاوة على ذلك يصدر قدرا جليلا من الجلود والصوف والغنم والماشية والسمن (الدهن) وجانبا صالحا من التمر. ويجلب جميع الأقمشة التي يحتاج إليها مع الابازير (العطارية) على اختلاف أنواعها ولا سيما البن منها لكثرة استعماله في مضايف العشائر. وبعض أقضية اللواء تجلب تمورها من الخارج لضعف النخل فيها وقلته. ويستهلك لواء الديوانية قدرا لا يستهان به من المشروبات الروحية.

هذه ملاحظات عامة على لواء الديوانية أثبتناها في هذه العجالة خدمة للتاريخ والحقيقة ليطلع عليها من أراد أن يلم بشيء عن هذا اللواء الجسيم.

بغداد: السيد عبد الرزاق الحسني

مجلة (لغة العرب)في الاول من حزيران 1928 (العدد 60)