لمحمد كامل عارف سلاماً

لمحمد كامل عارف سلاماً

ضياء العزاوي

أبا عباس هو من القلة ممن عرفتهم من الأصدقاء منذ أيام محلة الفضل ولحد إقامته الحالية في لندن. طوال تلك السنين لم تغيره الحياة بالرغم من قسوتها وما واجهه فيها من متاعب. أشرف على صفحة آفاق في جريدة الجمهورية فجعل منها منبراً للإبداع، وعكست طرقه في تحريك الحياة الثقافية.

وعندما أبعد عنها وآخرون من الكتّاب والصحفيين في حملة لتصفية اليسار في الصحافة، لم تتبدل مواقفه الوطنية الأساسية، فقد فصل موقفه من النظام عن موقفه كمواطن عراقي آمن باستقلال وطنه وازدهاره.

عندما غادر إلى موسكو حمل معه روح العراق وتذكاراته الجميلة التي عذبته في غربته. هناك لم يتحمل هذا الإبعاد القسري كما قال لي في رسالة شخصية حملها الكثير من متاعبه وهمومه.

تدبرت مجيئه إلى لندن وعاش معي أشهرا عديدة لحين حصوله على عمل صحفي.

في تلك الأيام استعدت معه مشاكسات الشاعر يوسف الصائغ وعدوانيته عندما يحشر في زاوية، وزعله من مقالب النحات إسماعيل فتاح ورسومه الفاضحة التي أحرجته لأكثر من مرة مع زوجته نوار، وإعجابه ببساطة المصور الفوتغرافي جاسم الزبيدي واندهاشه من قدرته على الانسجام مع الوسط الفني بسرعة، ثم احترامه لدور سهيل سامي نادر الخفي في تحريك صفحة آفاق.

أبدى شجاعة عالية في مواجهة فقدانه لزوجته نوار في الثمانينات وهي ما زالت شابة، ولم يتردد لحظة من تحمل مسؤولية الاهتمام الكاملة بولده عباس وابنته سارة وحده. كان دائما ينحاز إلى روح الجد عندما يتعلق الأمر بالثقافة والعلم وقضايا التنوير، من هنا فقد وضع إبداعه القصصي على الرف وتفرغ لعمل صحفي من طراز خاص، معني بالعلم والتكنولوجيا وما يستجد في هذين الحقلين من تطورات وأفكار. لقد وجد حقل اهتمامه وتسلياته مثلما طوّر أسلوباً يتصف بالحيوية في تناول حقلين معقدين، باسطاً في الوقت نفسه مفاصلهما التاريخية، معليا دائما منجزات الحضارة العربية والعلماء العرب المعاصرين. إن أسماء الخوارمزي وابن الهيثم وابن رشد ومايكل عطية ستتكرر في مقالاته مع تقديم الكثير من الأسماء العربية المجهولة في ميدان العلوم والبعض ممن حصل على جوائز علمية مرموقة منها جائزة نوبل. عكست مقالاته الأسبوعية التي كان يرسلها لأصدقائه تنوع ثقافته وقراءاته ورشاقة أسلوبه وطريقته في إغناء مقالاته بأقوال مبدعين متنوعين.

أثار حماس محمد للكتابة عن المجهولين من العلماء العرب حفيظة صديقه كاميران الذي كان يجد في هذا الاندفاع مبالغات صحفية، لكن ابى عباس كان يتجاهله بابتسامة لا يعرف معناها إلا الله وكاميران نفسه. في السنوات الأخيرة أبدى محمد اهتماماً استثنائياً بأعمال المعمارية زها حديد، وأحسب أنه وجد فيها العراق المنتج الذي عشقه، مع مشاعر بالخسارة لم يخفها لهجرة رموز الثقافة العراقية وتوزعهم في أرض الله الواسعة.

في ليلة مغادرة الشاعر مظفر النواب إلى منفاه كنا، محمد والشاعر يوسف الصائغ والشاعر صادق الصائغ، في جلسة نستذكر فيها شعر مظفر، فأبدى محمد إعجابه بالمقطع الآتي:

"غرّب نجمتك ما يلوكلها فلك

غرّب وان لاكيت سفينة ليل

بجاها الغُرب، خاويها يا ابن الناس

ضيعوك وضيعوها هلك".

يا ترى كم من أمثال محمد كامل عارف أضاع العراق؟

القائمة طويلة!