من متنزه الهاشمي الى ساحة السباع

من متنزه الهاشمي الى ساحة السباع

إعداد: أحمد مجيد القيسي

كانت منخفض كبير تطل عليه عدد من محلات بغداد القديمة من علواتها (البوشبل والكبيسات والخالدية)، هذا المنخفض تنز فيه المياه الارضية المالحة لتكون مستنقعا سبخا يستقطب العاملين في تجميع الملح وتجفيفه، هذا المنخفض أطلق عليه تسمية (النزيزة) من قبل اهالي المنطقة، جاء الحكم الوطني ليهتم بهذه الزاوية المنسية من زوايا بغداد وينشيء عليها حدائق غناء شكلت ظاهرة جديدة لأهالي المنطقة، وسخرت امانة بغداد لها امكانات كبيرة لانشائها وادامتها.

من المعروف ان الامم المتمدنة تعطي اهمية كبيرة لجانب التشجير والمناطق الخضراء في تخطيط مدنها، وهذا النهج اتبعته السلطة المتحضرة في العهد الملكي حيث قامت باستقدام عدد من المخططين شركات وأفراد لوضع تخطيطات حديثة لمدينة بغداد كان من نتائجها فتح شوارع جديدة منها شوارع غازي والشيخ عمر و الملكة عالية والسباع، وكذلك انشاء عدد من الحدائق العامة والمتنزهات منها حديقة الملك غازي (الامة لاحقا) وحدائق بارك السعدون ومتنزه الاوبرا (متنزه الوحدة لاحقا) وحدائق السباع وايضا حدائق صغيرة هنا وهناك.

كانت حدائق السباع جنه زرعت وسط الاحياء الشعبية الفقيرة العائمة على ضجيج الحياة، مكان يخلب الالباب بجماله والوانه تتكون من حديقتين كبيرتين مستطيلتين يحتضنان في وسطهما حديقة دائرية غاطسة رائعة وفي وسطها بركة ماء كبيرة تحتوي على نافورة بطبقتين محمولة على خمسة اسود ينبعث الماء من افواهها، صممها (أسكندر الروسي)، عرفه اهالي بغداد في اربعينيات القرن الماضي، مهاجر وفد لبغداد من مدينة تفـليس الجورجية التي كانت تابعة للاتحاد السوفيتي السابق وهو يحمل معه شهادة جامعية في اختصاص نادر في العراق. الذي وجد من مدينة بغداد ملاذاً امناً وحضناً دافئاً سرعان ما تآلف وتأقلم واصبح احد مواطني بغداد بعد ان احتضنته دار السلام ووفرت له الامن والاستقرار كما هو معروف عن طيبة اهلها مع العرب والاجانب، كان بارعا ومتفوقا ونابغة في مجالات عدة الا انه برز في مجال النحت واقامة النصب والتماثيل.

الحديقتان الكبيرتان في الجوانب كانتا مسورتين بسياج حديدي عالي وبعده يأتي خط من نبات الدفلة المزهرة وبعدها تأتي اشجار اليوكالبتوس والكازورينا العالية في صفين بينهما ممشى ذو ظلال وارفة لمن يهوى ممارسة الركض او المشي حول الحديقة الكبيرة، ومن ثم يأتي سياج متصل من نبات الياس المشذب يدور ايضا حول مساحة الحديقة الوسطية التي تنبسط كمرج كبيرمن الثيل فاسحا المجال رحبا لممارسة لعبة كرة القدم الشعبية حيث كانت تجري مسابقات على مستوى فرق المحلات، اما الحديقة الوسطية الدائرية التي يلتف حولها شارع السباع فكان الاعتناء بها على اشده حيث كانت محاطة بسياج حديدي دائري ومن ثم يأتي السياج النباتي المكون من نبات المينا الشجيرية بازهارها الزاهية الالوان، وبعدها تنحدر الحديقة بميلان خفيف الى وسطها وتتوزع وسط مساحات الثيل الخضراء احواض الازهار الموسمية المتنوعة، حتى تصل الى بركة الماء التي يتوسطها نصب السباع الخمسة التي يندفع الماء من افواهها وتحمل فسقية فيها نوافير تبعث الماء الى فسقية اعلى منها تصميم جميل ربما مستمد فكرته من بهو السباع بقصر الحمراء في مدينة غرناطة جنوب اسبانيا لكنه بحجم اكبر.

وبقيت هذه الحدائق قائمة حتى منتصف الثمانينات عندما اهملت وتحولت الى كراجات للسيارات واللوريات وبعدها تحولت الى محلات لبيع الحديد وتصنيعه...