مدينة النجف ونهاية الحكم العثماني

مدينة النجف ونهاية الحكم العثماني

حسين كريم حمود

فاضل جاسم منصور

تقع مدينة النجف الاشرف في وسط العراق عرفت فيها حضارات قديمة وزادت اهميتها الدينة بعد استشهاد الامام علي بن ابي طالب (علية السلام)عام 40 هجرية ودفن جثمانه الشريف فيها، واصبحت المدينة محط انظار الزائرين والوافدين وطلبة العلوم الدينية من انحاء العالم خاصة في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين لوجود المدارس الدينية فيها وانتقال مقر الحوة العلمية اليها في عهد السيد اية الله محمد تقي الشيرازي.

تمتاز مدينة النجف الاشرف بخصائص يندر وجودها في مدن العراق، هي انها:

1- مدينة الوافدين: زوّاراً ومجاورين وطلاّب علم.

2- الشمائل العربية: ان شمائل أهلها، والطابع العام لسكانها هو الطابع العربي القريب من البداوة، فالعشائرية، والنخوة، ورعاية الجار، والكرم، والضيافة، سمات بارزة يلمسها كل وافد إليها.

3- العربية ومراكز الدراسات الإسلامية: مدينة جامعية للدراسات الإسلامية، وتمتد جامعتها على مدى يقرب من عشرة قرون، قد احتفظت باللغة العربية وآدابها رغم كل محاولات التتريك الذي فرضه المماليك والحكام العثمانيون على مدارس العراق وغيرها من البدان الخاضعة للخلافة الإسلامية من جهة... ورغم انتشار اللغات الشرقية – وبخاصة اللغة الفارسية – بين الوافدين إليها من أقطار العالم الإسلامي التابعة لمرجعتيها الدينية من جهة ثانية فقد حافظت النجف على لغتها العربية الاصيلة.

مدينة النجف الأشرف فيها تنوع الآراء وتعدد الأفكار وهي في طليعة الحركات التحررية بل في أوائلها، خاصة وان للعلماء الأعلام نفوذهم الديني والسياسي حيثما كانوا، شهدت المدينة في بداية القرن العشرين نشاطا مكثفا ضد العثمانيين وخاصة ان الضعف قد بان على العثمانيين لانشغال سلاطينهم باللهو والترف مما دعا الكثير من الولايات الى المطالبة بالتحرر من الاحلال العثماني، وكذلك انتشار الافكار التي تنادي بالوقوف ضد المحتلين، وكان لمدينة النجف دورا مهما حيث يتواجد فيها مدارس العلوم الدينية ويقصدها الكثير من البلاد الاسلامية، لقد اصبحت النجف مركزا سياسيا مهما وشبحا مخيفا بين عواصم الامم الاسلامية.

عندما برزت الحركة الدستورية في تركيا عام 1908، اراد الاتراك ان يقوم السيد اليزدي بإصدار فتوي بعدم تأييد الحركة الدستورية وخاصة بعد تأييد السيد للمشروطة في ايران،فزار احد المسؤولين الاتراك السيد في النجف الاشرف طالبا منه التأييدفأجابه السيد بالرفض، ولكن عندما كشف النقاب عن سياسة الاتحاديين المعادية للإسلام وقفت الحوزة ضد توجه الاتحاديين،وفي عام 1908 قامت في النجف حركات سياسية مهمة تديرها هيئة من العلماء غرضها تأييد الانقلاب في ايران في البداية ثم تطورت تلك الهيئة واصبح نشاطها واضحا بعد اعلان الدستور العثماني ودعت الى الاجتماعات العامة والمظاهرات وعطلت الاسواق، كانت الهيئة اول تنظيم اسلامي في المدينة وكان خطاب الهيئة فقهيا وفكريا وجهاديا، لم تكن الهيئة مختصة بالشأن العراقي فقط بل اتجهت للتعامل مع جمعية الاتحاد والترقي وتم افتتاح فرع للجمعية في النجف، وقام الشيخان(الخراساني والمازندراني) بدعم حركة الاصلاح في تركيا وقاما عام 1909 بأرسال برقية الى السلطان العثماني بينا فيها ضرورة الموافقة على الاصلاحات الدستورية واعلان الدستور، ولكن هذا التعاون مع الجمعية لم يستمر طولا نظرا لما قامت به فروع الجمعية وخاصة ما تنشره من تمادي في التعرض الى الاسلام وانحرافها واستعمالهم القوة ضد معارضيهم في العراق.

وعندما غزا الايطاليين ليبا عام 1911 لم يقف علماء النجف مكتوفي الايدي بل عملوا على شحذ الهمم للوقوف ضد الغزو وقد ارسل مجموعة من العلماء برقية الى السلطان العثماني في 17 ذي الحجه 1911 دعوا فيها للجهاد، وقررت الهيئة ارسال وفد الى ليبيا لدراسة امكانية الاشتراك في الجهاد ضد الغزاة وتكون الوفد من (مسلم زوين، عزيز بك قائم مقام النجف)، ويتبين لنا ان فقهاء الشيعة لم يكونوا مع السلطان العثماني.

مع بداية القرن العشرين وظهور علامات الانحلال في سطلة العثمانيين عملت بريطانيا الدولة العظمى في تلك الفترة على استمالة شيوخ الخليج العربي وحرضتهم للوقوف ضد السلطات العثمانية وجعل وجهتهم نحو بريطانيا والتي ستوفر لهم الدعم المالي والعسكري، وكذلك اتجهت بريطانيا نحو العلماء الشيعة في العراق وعملت على استمالتهم وعلى الاقل لتحيدهم في معركتهم القادمة مع العثمانيين.

وفي ايلول 1914 ارسل السفير البريطاني في اسطنبول رساله الى وزير خارجية بريطانيا طلب فيها حث القنصل البريطاني في المناطق الشيعية على العمل على استدراج الفقهاء الشيعة الى جانب بريطانيا الا انهم فشلوا في ذلك.

بتاريخ 6تشرين الثاني 1914 بدءت القوات البريطانية بالنزول الى البصرة واستولت على الفاو ولما تقدم الجيش البريطاني واحتل بعض المدن بعد قتال مع الاهالي والجيش العثماني استنجد الاهالي بعلماء الدين وكتبوا بتاريخ 9تشرين الثاني 1914 الى المراجع في النجف الاشرف واتفق العلماء على ضرورة الجهاد ضد البريطانيين حيث اجتمع العلماء في مسجد الهندي في منطقة الحويش واوجبوا مشاركة الامة والحكومة في قتال الغزاة.

لم يكتفي العلماء المجاهدون بالنجف الاشرف بالدعوة الى الجهاد بل شاركوا هن انفسهم بالقتال ضد الغزاة، ففي 15تشرين الثاني 1914 خرج السيد محمد سعيد الحبوبي مع المجاهدين من النجف نحو البصرة وبعد يومين خرج السيد عبدالرزاق الحلو ثم توافدت القوافل من الشامية وابي صخير وكثير من المدن.

(15)،لقد اثبت نلاحم المجاهدين مع ابناء المدن بان قيادة العلماءالميدانية قوة رمزية فاعلة في المجتمع العراقي، استمر قتال المجاهدين ونجحوا في بعض المعارك وكبدوا الغزاة خسائر كثيرة، واستطاع الغزاة الحد من قوة المجاهدين بعد ان استطاعوا ايقاع الخسائر بصفوفهم في معركة الشعيبة بتاريخ 12نيسان 1915مما ادى الى انسحابهم الى مناطقه.

بعد توقف القتال وانسحاب المجاهدين الى اماكنهم تصدعت العلاقات بين علماء الشيعة والعثمانيين لاتهام العثمانيين العلماء بالتخاذل، وخاصة بعد حضور احد الضبط الاتراك الى النجف للقبض على المنهزمين من الجندية حسب ادعائهم وعلى اثر ذلك حدثت مصادمات في النجف الاشرف مع العثمانيين فهجم بعض الافراد على الحامية العثمانية واستمر القتال ثلاثة ليال حتى سيطر الاهالي على المدينة وتم اسر بعض الجنود والضباط وخلت مدينة النجف الاشرف من الاتراك منذ ذلك التاريخ.

عن بحث: موقف المدن العراقية تجاه الحكومات العراقية -مدينةالنجف 1914-1935 انموذجاً-.