محمد صادق جراد
نظرا لأهمية القطاع السياحي في منظور دول العالم ودوره الحيوي في التنمية الاقتصادية تدخل معظم الدول في منافسة كبيرة ومشروعة من اجل استقطاب اكبر عدد ممكن من السياح من خلال توفير الأجواء المناسبة وإيجاد كل مقومات السياحة من خدمة وفندقة ومواصلات وتسهيلات ومنشئات سياحية.
إلا أن هناك قناعات جديدة ظهرت لدى هذه الدول بخصوص هذا القطاع المهم وهي إن المنشئات السياحية والخدمات ليست وحدها ما يتوقف عليه ازدهار السياحة وانما هناك مقومات أخرى أهمها الاستقرار الأمني الذي يلعب دورا مهما في نجاح هذا القطاع بالذات لان المناطق الآمنة تستقطب السياح بالرغم من وجود مناطق ودول أكثر جمالا الا إنها اقل أمنا وتشهد اضطرابات ساعدت على هروب السياح وانخفاض الإقبال على منشئاتها السياحية الأمر الذي جاء في صالح دول أخرى ارتفع رصيدها من استقبال الأفواج السياحية في هذا الصيف.
وفي نظرة سريعة لواقع السياحة في العالم والمنافسة على تصدر الاستقطاب السياحي نجد ان السياحة تزدهر في الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية بصورة كبيرة وتأتي فرنسا بالمرتبة الأولى ثم الولايات المتحدة الأمريكية والصين ثم تأتي اسبانيا بالمرتبة الرابعة حيث تستقبل أكثر من 52 مليون سائح حسب آخر إحصائية للعام 2010.
وتطور السياحة في اسبانيا سيما الفترة الأخيرة يمكن ان يكون مثالا لهروب السياح من المناطق الأقل أمنا نحو المناطق الأكثر أمنا وحسب بيانات حديثة لإحدى المنظمات السياحية العالمية تأتي اسبانيا بالمرتبة الثانية عالميا من حيث حجم الإيرادات السياحية مقارنة بالناتج الداخلي الإجمالي، حيث تشكل 11%.
هذه البيانات تأتي في ظرف تسعى فيه إسبانيا لإنهاء سنتين من التباطؤ الاقتصادي الذي أدى إلى بلوغ نسبة البطالة 20%، وهي الأعلى بين دول الاتحاد الأوروبي والدول الصناعية أيضا، وتفاقم الديون السيادية الإسبانية.
وينسب جزء من تعافي قطاع السياحة الإسبانية من تداعيات الأزمة العالمية إلى الاضطرابات السياسية التي عرفتها تونس ومصر، وهما وجهتان سياحيتان تنافسان إسبانيا. وأظهرت بيانات للحكومة الإسبانية أن إسبانيا استقبلت 9 ملايين سائح في الربع الأول من العام 2011، مما يشكل ارتفاعا بنسبة 2.9% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
ومن الطبيعي ان تأتي هذه الزيادة في ظل تعافي الأسواق الأوروبية المصدرة للسياح إلى إسبانيا،الا ان هذا ليس السبب الوحيد في ازدهار السياحة في هذا البلد حيث لعبت الثورات التي قامت في دول عربية على ضفة البحر الأبيض المتوسط دورا مهما في نمو وتزايد أعداد السياح في اسبانيا وذلك مقابل تراجعها في الدول العربية التي كانت منافسة قوية لأوروبا في القطاع السياحي كمصر وتونس.
وكما يعرف الجميع ان ثورة 25 يناير بمصر قد ألقت بظلالها على قطاع السياحة، حيث تراجع عدد السياح في فبراير/شباط الماضي إلى 211 ألف سائح، مقارنة بمليون و14 ألفا في يناير/كانون الثاني، أي قبل اندلاع الثورة.
فتراجعت الإيرادات السياحية في فبراير/شباط الماضي إلى 375 مليون دولار مقابل 825 مليونا في الشهر نفسه من 2010.
ومن جانب آخر، تراجع في تونس إقبال السياح في الربع الأول من العام الجاري بنسبة 44% بفعل تداعيات انتفاضة الشعب التونسي. وقد أحدثت السلطات التونسية صندوقا بقيمة 7.8 ملايين دولار لدعم شركات الطيران التي عادة ما تضطر إلى إلغاء رحلات بسبب عدم ملء 80% من المقاعد.
وحسب المنظمة الأممية فإن مداخيل السياحة تشكل 10% من الناتج الداخلي الإجمالي بتونس، و6% في مصر، وقد زار تونس عام 2009 نحو 7 ملايين سائح، و12 مليونا في مصر في نفس العام.
ومن هنا يمكننا القول بان العراق في ظل الفوضى العربية الحالية في أكثر من دولة سياحية يجب ان يستثمر الوضع الأمني المستقر في أكثر من منطقة من مناطق العراق مثل كردستان العراق والمدن المقدسة في كربلاء والنجف الاشرف ويحذو حذو اسبانيا وتركيا والخليج حيث ارتفعت نسب السياح القادمين لهذه الدول هذا الصيف لتعويض النقص الحاصل في الدول المضطربة وتعد هذه فرصة لتعريف السياح الأجانب على المناطق الأثرية والسياحية والدينية والمناطق ذات الطبيعة الجميلة في شمال العراق من اجل ان نؤسس لقطاع سياحي قوي يمكن ان يساعد على زيادة الدخل الوطني وتنوعه وان يكون ظهيرا للموارد الطبيعية الأخرى.