عقودنا واقتصادنا السياسي

عقودنا واقتصادنا السياسي

ثامر الهيمص
في قراءة سريعة لعناوين رئيسة في الصحافة مثلا" (عقبات جديدة أمام تشكيل مجلس السياسات) وكذلك (المالية تؤجل التعريفة الكمركية حتى العام المقبل) ناهيك عن تفاصيل الشركات الوهمية في الكهرباء والعقود مع شركة (B P) بنرش ليترليوم،وهروب سجناء ومشكلة الزيت المستورد...الخ.

أقل ما يقال أن المشاكل والإشكاليات أعلاه تلعب في ساحة واحدة هو ملعب المصالح الاقتصادية المدعومة سياسيا".

لذلك يعرف الاقتصاد السياسي (بأنه دراسة لنشاط الإنسان في المجتمع بقدر ماله علاقة بحصوله على الأموال والخدمات) وبما أن النشاط 95% منه رسميا" لذلك يكون الإنسان العراقي سياسيا اقتصاديا في نشاطه سواء كان مسؤولا" أو مواطنا عاديا بامتياز شاء ام أبى.
والمشاكل والإشكالات أعلاه في ضوء هذه العلاقة هي عملية خلل وعدم الالتزام بالعقود والعهود واليمين الدستورية.
من مشكلة مجلس السياسات وصولا" للبطاقة التموينية مرورا" بعقود النفط والكهرباء وجميع لعقود الناعمة والخشنة.
وبما أن العقد شريعة المتعاقدين أي له شروط بقاء وانتهاء جزائية وقانونية من خلال أركانه. تكون المشكلة في درجة الالتزام بين الاطراف المتعاقدة أما جهلا" أو فسادا" أو كليهما والعياذ بالله. وبذلك تصبح المسألة ليست مجرد عقود فاشلة يتابعها القضاء بل أنها تعكس بنية سياسية جاهزة وباستمرار لتفريخ عقود مماثلة وأكثر تطورا" أو تراجعا" وعواقبها تنعكس مباشرة على السمعة الدولية للعراق وهو مرتبط بالخارج الاقليمي أو الدولي أكثر من أي دولة في العالم سياسيا" واقتصاديا" وثقافيا".
لذلك فالمشهد السياسي الاقتصادي يكون حاله من خلال النماذج اعلاه حسبما يلي: ـ
أولا") تأجيل التعريفة الكمركية
المقرر كان ان تمارس التعريفة الكمركية اعتبارا" من اذار الماضي والتأجيل الان الى العام القادم. الا يعني هذا أن القرار الخطير جدا" على المواطن والدولة لم يدرس من قبل أي أكاديمي حقيقي أو صاحب خبرة معروف. ثم أن متخذ القرار كان مجرد صاحب توقيع بدون خبرة أو ثقافة اكاديمية وبدون مستشارين حقيقيين. أما تداعياته فأولا" فقدان الثقة من قبل اطراف العلاقة دوليا" واقليما" ومحليا" وما يترتب على ذلك من احتياطات يتخذونها واجرأت يمارسونها خاصة بالعراق. ندفع ثمنها الان وفي المستقبل القريب في الاستثمار، كما أن القرار ليس عشوائيا" أيضا" وهذا غير معقول بل بكل بساطة يعكس الصراع السياسي والمصالح التي تمتد من اتفاقية أربيل الى الشهادات المزورة.
ثانيا") عقود النفط والكهرباء
حسبما افاد مسؤول كبير جدا". أن العقد مع BP النفطية يجعل 40 % من انتاج العراق النفطي تحت سيطرة هذه الشركة. وأنها متنفذة جدا" في بريطانيا كما أن هذا العقد سري الى أن اعلنت عنه صحيفة بريطانية.
واما مشكلة عقود الكهرباء الاخيرة مع الشركة الكندية والالمانية فأنها تمثل 10% من الميزانية الاستثمارية. وهي حسبما يقال كشف مستورها (جواد هاشم وزير التخطيط الاسبق)
أيضا" وبكل ثقة يعلق هذا الامر على طبيعة الصراع على السلطة كما تجسد في مشكلة مجلس السياسات. حيث الاطراف الفاعلة بين منفذ ومتصيد للاخطاء للمصالح السياسية فقط.
ثالثا") مساومات المستعصيات
كما حصل ويحصل في مناسبات كثيرة على صيغة (السكوت مقابل ثمن) منصبا كان أم امتيازا أو خطرا على ركاب السفينة كما تجلى في الأبنية المدرسية أو أجهزة الكشف من المتفجرات.
وما يرافقها على مستعصيات لم تحسمها المساومات لحد الان (مشكلة الوزارات الامنية) (مشكلة المادة 140) (الاحصاء السكاني) (المتنازع عليها) (مجلس الخدمة) (والخروج من البند السابع).
فان عقودها لازالت مؤجلة يقتات عليها الطرفين ويستثمرها المستفيدون من مقاولي السياسة.
ولكن اثرها الاقتصادي بالغ الخطورة حيث أن الدول والمستثمرين من المؤكد أنهم لايتعاملون بشكل تقليدي وقانوني بل يستخدمون ذات الادوات التي نستعملها مع بعضنا ولعلها سبب" اساسي" في الخلل الذي يشوب عقود عقدت أو ستعقد بحيث يكون التعامل احيانا" سريا" أو قبول التعاقد الشفوي والمواعيد غير الموثقة.

رابعا") ميناء مبارك ونهر الوند: ـ تخضع أيضا" أقامة ميناء مبارك الى المناكفات السياسية وما حصل من ثغرة بينها بحيث تجاسرت علينا جارتنا اضافة لثغرتنا الاقتصادية بأننا اهملنا ميناء الفاو والحوض الجاف فالتقصير سياسي واقتصادي بامتياز لشلل الارادة الوطنية. فقد اعلن وكيل وزارة الخارجية الكويتية عزم الكويت على المضي قدما" في مشروع ميناء مبارك.
فنحن لم نصل الى نتيجة رغم جهود وزارة الخارجية ورغم علاقتنا الامريكية والايرانية ولم يتضامن معنا باقي الجيران في وقفة حق أو استحقاق على الاقل مراعاة لتجارتهم المتعاظمة معنا اذ يبدو أن ميناء مبارك يخدمهم أكثر من ميناء الفاو والحوض الجاف وهذه مسألة فيها نظر. ولكن اين العقود والمعاهدات الدولية ولماذا لا نحتكم لها بعد استنفاد المحاولات البائسة. سواء في موضوع مبارك أو نهر الوند الذي بات اغلاقه وفتحه مرتبطا مباشرة بالمد والجزر السياسي مع الامريكان أو مع ساستنا رغم العلاقة بين المجتمعين العراقي والايراني والمفروض أن تسمو عند الجار الأكبر الى مستوى اعلى من ميكافيليات السياسة.
خامسا") الزيت الفاسد والفاسدون
البعض يراها مشكلة تاجر تأخر في التوريد والاخر يراها أن بيروقراطي التجارة تركوها في المخازن حتى فقدت الصلاحية. هل المشكلة في العقود أم في المتقاعدين. فالعقود لها شروط جزائية وتحكيم في حالات معينة ونوع التحكيم (دولي أو محلي). ثم أنه كما معلوم لدينا معمل للزيوت النباتية لم تراجعه وزارة التجارة لكونه (غانية الحي) ولا تزال رغم أنه حتى التعاقد معه بدون مناقصات امر ممكن حسب القانون كما أنه بعيد جدا" عن الفساد لانه جهة حكومية (يابس) والخلاف معه ليس مشكلة خارجية.
الا يعكس مصالح تحميها السياسة وهذا العقد المنحرف الم يكن مضرا" بالانتاج الوطني العراقي ومعززا" للبطالة المقنعة في معاملنا حيث هناك إمكانيات لا بأس بها. إذ يمكن بعد استنفاذها التعاقد مع غيرهم. هذه النماذج الاربعة في النفط والكهرباء والتجارة ومشكلة نهر الوند وميناء مبارك هي في الحقيقة ليست مشكلات قانونية وفنية بقدر ماهي مشكلات سياسية بامتياز فاقتصادنا السياسي يتجسد في هذه الحالات التي هي نماذج اقتصادية الابعاد وسياسية بالاساس من حيث المنشأ.
فجميعها بدأت من السلطة التنفيذية والتشريعية بشكل وبأخر مع مراقبة محدودة جدا" من السلطة القضائية والرقابة التقليدية (النزاهة وهيئة الرقابة المالية) والقضاء كان ولازال اداؤه ليس بمستوى الإحداث أجمالا".
أذن المسألة ليست اختلاف برامج بين العراقية ودولة القانون، حيث المفروض ليس هناك اختلاف في ظل الشراكة والتوافق. إذ بلغ الخلاف أكثر من لو كانت هناك معارضة أصولية في البرلمان والمتشاركين لا يجمعهم سوى قاسم مشترك واحد ووحيد هو وحدة نظام الامتيازات. الذي أيضا" موضوعا" سياسيا" ويشكل عبئا" ماليا" كبيرا" وايضا" يمثل خللا" في التعاقد بين الاطراف المستفيدة والدستور الذي ينص على مساوات العراقيين في الحقوق.
والذي أصبح عبئا" يزداد ثقلا" مع تقادم الاشهر والسنين حيث سيصبح الوزراء المرشقون متقاعدين بخدمة سنة والوزراء السابقون مستشارين وهكذا يتناسل هذا العقد بين الدولة واصحاب الامتيازات في المحصلة النهائية العقود جميعا" أصبح امر الالتزام بها وباطارتها جمعيا" مهددا" حقيقيا" للعقد و النسيج الاجتماعيين.
لا يفوتنا في الختــام أن الاختلاف والمدارات مع الجيران والحلفاء لحد الان لم يأخذ بعدا" وطنيا" حقيقيا" من (نهر الوند الى B P) مرورا" بميناء مبارك اذ هذه الدول والشركات تأخذ مصالحها كدول وشركات فوق الاعتبار الديني والطائفي وارتفعت بصراعها مع الاخرين بموجب المصالح وليس المبادئ سواء كانت امريكا أو بريطانيا أو الكويت أو ايران ونرجو من ساستنا أن يكفوا عن المراوحة والصمت والتسابق ونغلق ثغرتنا السياسية التي يطل منها العدو أو الصديق على غسيلنا ويكون لدينا قوتنا العسكرية والاقتصادية واننا لسنا مجرد مسالمين مادام جيراننا وحلفاؤنا ليسوا كذلك في السياسة والاقتصاد والثقافة هل المشكلة في عقودنا أم في عقولنا؟
ام في وطينتنا وسوء النية؟