تصاعد مؤشرات الفساد.. الكهرباء إنموذجاً

تصاعد مؤشرات الفساد.. الكهرباء إنموذجاً

إيمان محسن جاسم
كلما حاولنا أن نتفاءل بأننا قطعنا شوطاً قي القضاء على الفساد، وجدنا أنفسنا نُصدم بقضية فساد أكبر من التي قبلها،ولعلنا جميعا في العراق صُدمنا في قضية العقود الوهمية في وزارة الكهرباء والتي تقدر قيمتها بمليار و700 مليون دولار.

وما حصل في عقود الكهرباء هو فساد اقتصادي بامتياز حيث يُعرف الخبراء الفساد الاقتصادي بأنه استعمال الوظيفة العامة للكسب الخاص وتكون المحصلة النهائية لجرائم الفساد الاداري والمالي تتمثل بتحقيق منافع مادية او تجنب النفقة او هدر المال العام وهذا هو البعد الاقتصادي لهذه الجرائم التي عادة ما يدفع ثمنها المجتمع.
وللفساد بأنواعه آثار مدمرة, ليست فقط على النواحي الأخلاقية, بل تصيب بشكل مباشر النواحي الاقتصادية والسياسية لأي بلد.فقد أثبتت الدراسات الميدانية أن للفساد انطباعًا سيئًا على: وضعية الفقر, مستوى الأسعار, نجاعة الاستثمارات, الإنفاق الحكومي, توزيع الدخل, نوعية الخدمات, وضعية الموارد البشرية والفكرية, التحصيل الجامعي, إعانات التنمية, تكاليف الإنتاج وأعباء الاستغلال, وحسب دراسة ميدانية, فإن تخفيض الفساد بنسبة 30% يسمح بالرفع من معدل الاستثمار بـ4%.
و الفساد يعيق أكثر ما يعيق تطور المؤسسات الصغيرة والمتوسطة, وهي المؤسسات المعول عليها في نمو الاقتصاد المعاصر.ويشوّه الفساد تركيبة النفقات العامة. وتخصيص الموارد البشرية, ويؤدي إلى إضعاف الرقابة على القطاع العام.
ولعلنا في العراق أدركنا المخاطر الكبيرة لهذا الاستفحال في قضايا فساد في جوانب عديدة لكن أكثرها خطورة ما يتعلق منها بالبنى التحتية للبلد ومنها قطاع الكهرباء الذي صرف عليه منذ عام 2003 وحتى يومنا هذا ميزانية ضخمة جدا دون أن تحقق نتائج ملموسة، ولم تكن قضية الفساد الأخيرة هي الأولى في قطاع الكهرباء بل سبقتها قضايا أخرى منذ عام 2005 وحتى يومنا هذا وإن كانت هنالك ثمة تحقيقات أجريت إلا إنها لم تتمكن من استرداد المال المهدور فيها.
والتأثير الكبير للفساد يتمثل بأن اقتصاد البلد يتراجع ولا يحقق نسب نمو متوقعة، خاصة وإن النمو الاقتصادي هو دائمًا هاجس الدول, لأنه يشكّل البوابة الأمامية للتنمية, وتعد نسبة من 8 إلى 9 بالمئة كمعدل نمو سنوي نسبة مستهدفة من جميع الدول, إلا أن هذه النسبة تظل مرهونة بمدى استجابة كل دولة إلى معايير الحكم الصالح, وإلى موقعها من درجة الفساد الاقتصادي, فقد بات واضحًا من خلال الدراسات القياسية والميدانية أن معدلات النمو تتأثر بشكل كبير بدرجات الفساد, حيث تخصص الموارد على غير أساس النمو, وإنما على أساس الريع المتوقع منها.
لهذا نجد بأن أكبر عمليات الفساد في العراق تحدث في القطاعات الخدمات والبنى التحتية ذات الصلة المباشرة بالتنمية خاصة مجالات (الكهرباء – الأشغال – الصحة والغذاء – التعليم) وبالتالي فإن مؤشرات التنمية الضعيفة دليل على وجود فساد كبير جداً بدليل إن صفقة واحدة كالتي حصلت في الكهرباء قيمتها تقترب من ملياري دولار وهذا الرقم يمثل 2% من موازنة البلد لعام 2011، ناهيك عن الصفقات الأخرى في القطاعات الأخرى، وبالتالي يمكننا أن نستنتج بأن أكثر من 20 بالمئة من الموازنة العامة تهدر بهذه الطريقة.
ولا بد أن نعرف بأن ما يتحقق من أموال في هذا المجال غالبا ما يتم تهريب الأموال المتحصلة من جرائم الفساد الاداري والمالي خارج البلاد وذلك بممارسة جريمة غسيل الأموال وهي من الجرائم الاقتصادية الخطيرة ولها اثار سلبية على اقتصاديات الدول، ويعرف الجميع حجم الأموال العراقية المستثمرة في دول الجوار العراقي على شكل أسهم وعقارات وشركات.
ناهيك عن إن للفساد تأثيرات أخرى على قطاع الاستثمارات سواء المحلية أو الأجنبية، خاصة وإن الحصول على الصفقات العامة من عروض الحكومة عن طريق العمولات, يزيد من تكاليف الاستثمار في قطاعات مثل البناء والأشغال العامة, إذا ما احتسبت مبالغ العمولات في محاسبات الشركات بصورة أو بأخرى. وفي ما يخص نوعية الاستثمار, فإن منح الصفقات لشركات ليست بالضرورة متحكّمة في إدارة الإنتاج أو في أخلاقيات الاستثمار, بل قادرة فقط على شراء ذمم المسؤولين, غالبًا ما يؤدي إلى الغش في المنتج. كما يؤثر الفساد في تحويل الاستثمار عن مجالات معينة إلى مجالات أخرى, لها القدرة على إنتاج الريع, مما يؤثر سلبًا في عملية تخصيص الموارد, ويعيق عملية التنمية.
ويدرج بعض الاقتصاديين موضوع الفساد ضمن نظرية التوزيع, كما يستخدمون نظرية الريع لتفسير أبعاد هذه الظاهرة, ومعلوم أن نظرية التوزيع من نظريات الاقتصاد المهمة, وضع بعض أسسها الاقتصادي الانكليزي دافييد ريكاردو, وقد كان مفهوم (الريع) في هذه النظرية, مقتصرًا على الأرض ثم على المادة الأولية (في الاقتصادات النفطية خاصة), ويرد الآن تحليل الريع من خلال المبالغ الضخمة للعمولات, التي يتلقاها المسؤولون لقاء خدمات يستغلون فيها مناصبهم الحكومية, وعلى قدر المنفعة الحدية, التي يحصل عليها الموظف الحكومي المعني بظاهرة الفساد, يتحرر سلوكه المهني, وهكذا تساعد نظرية القياس الاقتصادي على إيجاد العلاقة المفسرة بين ممارسة الفساد, والمنافع الحدية للموظفين, بغض النظر عن الأثر الاجتماعي.
وقد يسأل البعض كيف نكافح الفساد؟ للإجابة على هذا السؤال علينا أن نحدد أولاً بأن عمليات الفساد المستشرية في العراق تتمتع بغطاء سياسي وتأخذ بُعد سياسي حين اكتشافها ويتم التعامل معها من خلال الرؤية السياسية وليس من خلال مخاطرها الاقتصادية وتأثيراتها وقد لاحظنا ذلك في أكثر من قضية فساد شهدها العراق خاصة ما يتعلق بوزارة التجارة والكهرباء والهيئات المستقلة كالمفوضية وغيرها وبالتالي فإن مكافحة الفساد يتطلب بالدرجة الأولى إرادة سياسية تدرك مخاطر الفساد المالي ليس على الاقتصاد العراقي فقط بل حتى على البناء الديمقراطي وثقة الشارع العراقي بالقوى السياسية.