المعرفة فـي خدمة الاقتصاد

المعرفة فـي خدمة الاقتصاد

إيمان محسن جاسم
سوق المعرفة، حروب المعرفة، أمن معرفي.. مجتمعات المعرفة تفكّر وتبدع ، و مفهوم ما يزال غامضا عند المثقفين والمتعلّمين، فما بالك بعامّة الناس ، و مجتمع المعرفة أو مجتمع المعلوماتية والتقنية أو كما يسميه «توفلر» (حضارة الموجة الثالثة) هو ليس منتجاً للمعرفة فقط، بل هو ينظر بعين الاحترام والتقدير للمعرفة ويعرف قيمتها ويقدّر منتجيها.

هو مجتمع ينظر إلى المعرفة على أنها ثروة وأساس للقوة والسلطة.. كما أنّها المبدأ الأساسي في تنظيم حياة البشر.. وتجعل الإنسان محورا رئيسيا وجوهريا لحركته لأنه العنصر الرئيس الفاعل في الإبداع والإنتاج المعرفي.. أبرز سماته أنه مجتمع يفكر ويبدع.. أمّا عن خصائصه ففي الجانب الاقتصادي تعد المعرفة المصدر الأساس للقيمة المضافة للمنتج. والعامل الأساسي في نمو الاقتصاد هو إنتاج المعرفة واقتناؤها.. وفي الجانب الثقافي يعنى مجتمع المعرفة بتوفير البيئة المناسبة للإبداع الفكري والثقافي ويؤمن توفيرها لكل أفراد المجتمع، فالمعرفة للجميع هو شعار مجتمع المعرفة.
وفي الجانب السياسي يشترك الجمهور في اتخاذ القرارات المصيرية للمجتمع حيث يتبنى مجتمع المعرفة قدرا كبيرا من المساواة والعدالة والحرية الفكرية والثقافية والسياسية. من هنا نعرف ما تعنيه مقولة أن مجتمعات الغد هي مجتمعات المعرفة وأسواق الغد هي أسواق المعرفة وحروب الغد هي حروب المعرفة وأوّل الفقر هو فقر المعرفة أو«الفقر الجديد».. وحروب الغد هي حروب حقوق براءة الاختراع والابتكار وليست حروب صواريخ وقنابل واقتصاد الغد هو اقتصاد المعرفة. من أجل وجود اقتصاد المعرفة لا بد من توفّر مقوماته وأهمها الوفرة في المعلومة والسرعة في الاتصال والكونية في المصادر والانخفاض في التكلفة في ما يحقق ثلاثة امتيازات أساسية وهي المردودية والفاعلية والنجاعة.. فيصبح بإمكان الدول الفقيرة أن تقفز مراحل عدّة وتغنم من ثروات علمية وتكنولوجية وثقافية في أوجز وقت.. وهنا لابد من توضيح وفرت المعلومة لا تعني بالضرورة توافر المعرفة. فالرهان غير معقود على المعلومة في حد ذاتها وإن كان أمرا مهمّا وإنما الرهان الحق في توفير الأدوات المناسبة لتنظيم المعلومات وترشيحها وتقطيرها في صورة مفاهيم ومعارف يمكن تطبيقها عمليا في حل المشكلات. ففي اقتصاد المعرفة تتقدم المعرفة على العلم، والمعرفة هنا يراد بها الترتيب المنظم للمعلومات والمفاهيم وكيفية تطبيقها على عمليات الإنتاج في اقتصاد المعرفة. فالعامل الذي يتعلم مرة واحدة مهارة على أساس المعرفة يكون قد تعلمّ في الوقت ذاته شيئا آخر مهمّا.. وهو أنه تعلّم كيف يتعلّم.. والطالب بالجامعة ليس ذلك الطالب الذي يكدّس المعلومات وإنما الطالب الذي يكتسب مفاتيح العمل في عصرنا ليعمل بطريقة أكثر ذكاءً. وفي المجتمع المعرفي يكون كل أفراد المجتمع ذوي قدر من المعرفة، وهي ليست حصرا على ذوي اختصاص ونخب.. فالشعار في اقتصاد المعرفة أنّ المعرفة للجميع، ويحتاج مجتمع المعرفة وبالتالي اقتصاد المعرفة إلى البيئات التي تتلاقح فيها الأفكار وتتغذى من بعضها البعض.. ويتأتى ذلك من خلال العلاقة الوثيقة بين الرباعي،الجامعة ومراكز البحث والصناعة والمجتمع. فالكل يشترك في علاقة تفاعلية مع المكونات الأخرى. فالجامعة تحتاج أن تخرج المبدعين والمفكرين والصناعة تحتاج أن تكون شريكا رئيسيا في عملية الإبداع والاختراعات في الجامعة والبحث. والصناعة والجامعة بحاجة لان تكون لهما علاقة مع محيطهما وتشاركان في تنميته المعرفية. وهنا تبرز الحاجة إلى وجود مراكز البحوث التطبيقية والحاضنات العلمية. ويكون ذلك بتوخّي بيداغوجيا اقتصاد المعرفة التي تتحول بها المدرسة والمجتمع من دوائر متجاورة غير متعاونة إلى شبكة واحدة موحّدة مندمجة متفاعلة متّصلة متعاونة يفضي بعضها إلى بعض ويختلط فيها التكوين النظري مع التدريب العملي.. فتتحول الجامعات إلى ورشات تطبيقية إنتاجية توفّر ميزانياتها بنفسها وقــد تعين الميـزانية العامة للبلد.. من المقوّمات الأخرى: النظرة الستراتيجية، العدالة من أجل المشاركة والمساواة التي تجعل الكل تحت مظلة واحدة.. ويدفع الإطار العام لاقتصاد المعرفة إلى الأخذ بأسباب الرقي والتقدم المعرفي، ومن خلاله يمكن رؤية الواقع بصورة أشمل وأكثر وضوحا. في اقتصاد المعرفة تكون الإبداعات والاختراعات والبحوث التطبيقية والصناعات المتقدمة هي العمود الفقري لهذا الاقتصاد.. وكما أن الثورة الصناعية زادت الحاجة والطلب على المادة الأولية والأسواق.. فإن اقتصاد المعرفة يحتاج أيضا إلى مادة خام وأسواق.. والفارق هذه المرة أن المادة الخام هي العقول، والمنتج هي المعرفة.