المشاريع الصغيرة في إقليم كردستان لاقت نجاحاً كبيراً

المشاريع الصغيرة في إقليم كردستان لاقت نجاحاً كبيراً

سالي جودت
لقد أحتل موضوع "الريادة" حيزاً كبيراً من أهتمام علماء الاقتصاد على مدى التاريخ المعاصر، حيث أدرك العلماء الاوائل أهمية " الريادة " لنمو الاقتصاد ، إذ اعتبروا الرياديين " قباطنة الصناعةIndustry Captains " وركزوا على مهاراتهم في التنظيم وفي أقامة الاعمال الناجحة ، وتصاعد هذا الاهتمام في الثمانينيات من القرن الماضي بعد أن أظهرت الدراسات العلمية دور " الريادة " كمحرك للاقتصاد ،

وأعتبرت من العوامل الاساسية في تنشيط الاقتصاد والمساعدة على نموه ( Rao 2000 )، ومعظم المتخصصين والمحللين يعزون نمو الاقتصاد الغربي خلال العقود الاخيرة الى انتشار النزعة الريادية بين أشخاص أقاموا مشاريع صغيرة فحولوها الى مشاريع كبيرة وناجحة ،
فمثلاً يعتبرون مؤسسي شركات إنتاج الحواسيب والبرامج الحاسوبية وخدمات الانترنت وغيرها هم من ابرز الرياديين في العالم اليوم ، ويعزون اليهم نمو الاقتصاد الغربي (Megginson، et al.، 1991) كما يرون أن مع أزدياد عدد الرياديين تزداد الاسهامات في نمو ذلك الاقتصاد..ولتسليط الضوء على متطلبات ادارة النمو في المشاريع الصغيرة في اقليم كردستان حدثنا الاستاذ الدكتور محمد آل ياسين مستشار اقدم في وزارة التخطيط في حكومة اقليم كردستان قائلا : في البداية احب ان اشكر المدى الاقتصادي لإتاحتها فرصة اللقاء والتكلم عن هذه المشاريع ومتطلبات نمو هكذا مشاريع، عن الريادة التي احتلت حيزا كبيرا من اهتمام علماء الاقتصاد، فالريادي ( Entrepreneur) هو الفرد الذي يقيم مشروعاً صغيراً ويجعل منه خلال فترة قصيرة نسبياً مشروعاً كبيراً وناجحاً، وهو يحقق ذلك لما يتمتع به من مهارات محددة نسميها " مهارات رياديةEntrepreneurial Skills "، فالريادي هو شخص يتمتع بالنزعة الاستقلالية ( يفضل العمل لحسابه عوضاً عن العمل لدى الاخرين ) وكذلك النزعة للمخاطرة ، وله مهارة لإقامة مشروع ناجح يتمكن من توسيعه بسرعة( Holt، 1999).
أما تعريف ( المشروع الصغيرSmall Business) فقد تباينت وجهات نظر المفكرين والباحثين تبعاً لتباين الخلفية العلمية والمهنية والتخصص الذي ينتمون اليه ، فتعريفات الاقتصاديين تركز عموماً على عدد الوحدات الاقتصادية وحجم مساهتمها في تكوين الناتج المحلي وحالة التنافس في السوق والاحتكار (Rao، 2000) ، بينما يرى الاداريون أن المشروع الصغير يعرف على أساس عدد العاملين فيه، كذلك تتباين التعريفات حسب الجهات فتعريف المؤسسات الحكومية غير تعريف مؤسسات ومنظمات القطاع الخاص (Barrow، 1993)، وعموماً هناك توافق عام بشأن تعريف المشروع الصغير على وفق ما جاء في قانون الاعمال الصغيرة الامريكي الذي يعرفه على انه " مشروع مملوك ويدار بشكل مستقل وهو غير مهيمن في مجال عمله "( Siropolis.et aI.1997 )
ويقصد بـ ( نمو المشروع الصغيرThe Growth of Small Business ) التغير الجذري الذي يحدث في المشروع ، والذي يشمل التغير في حجمه وفي الكثير من خصائصه ( Baumback& Clifford، 1988)، وهو مناظر لما يحصل لأي منظمة أعمال ، وتفسير ذلك أن التغير قد حصل نتيجة عمليات التعلم وتراكم الخبرات وأثر الظروف الخارجية ..... وغيرها من العوامل التي تقود الى ما أتفق عليه المفكرون والباحثون من أن المشروع الصغير ( وأية منظمة أعمال ) هو " كائن اجتماعي حي (2002 Cartwright)، ولكن لو قارنا التغير الحاصل في ثلاثة مشاريع صغيرة مختلفة خلال فترة واحدة – مثلاً سنة – قد نجد أن جملة تغيرات قد حصلت في المشاريع الثلاثة ، ولكن باشكال متفاوتة : فقد يكون أحدها قد بقي صغيراً بتغيرات محدودة ، بينما حصلت في الثاني تغيرات أكبر فتحول الى متوسط أو كبير الحجم ، في حين تمت تصفية الثالث بسبب فشله .
هذا النمو يحصل كما يشير المتخصصون أما غريزياً وعفوياً أو بشكل مخطط ، كما يمكن أن يكون إيجابياً أو سلبياً ، فالانحلال والتفكك هو حالة " نمو سلبي " قد تصيب المشروع الناجح ، تماماً كما تشكل " الشيخوخة " مرحلة من مراحل نمو الانسان ، أي قد نجد أن التغير في مشروع ما ، كان سلبياً وضاراً أدى الى تراجعه في حين حصل نضج وتغير إيجابي في مشروع آخر .
وبناء على ما سبق فأن ما نعنيه بـ " أدارة النموManaging of Growth " هو التأكد من حصول التغير بشكل متعمد ومقصود وموجه وإيجابي، وهو ما يحتاجه أصحاب المشاريع الصغيرة اليوم ، إلا أن هذه العملية تعد أساسية ( للريادي ) صاحب المشروع الصغير ليحوله من مشروع صغير الى مشروع كبير خلال أقصر فترة ممكنة، ولذا فأنه يحتاج الى التركيز على إدارة نمو المشروع،التي تمثل تحدياً أكثر أهمية وأكبر تعقيداً من عملية إدارة الشؤون اليومية للمشروع(Hatten 2003).
* كيف يتم تحديد متطلبات عمليات نمو المشاريع الصغيرة برأيكم في الاقليم؟
ـ إن تحديد متطلبات عمليات نموالمشاريع الصغيرةبصورة عامة يقتضي تشخيص جانبين أساسيين هما :
أولاً : دورة حياة المشروع
للمشروع الصغير - ولكل الكائنات الحية – دورة حياة قد تطول أو تقصر ، وقد تعارف متخصصو نظرية المنظمة الى تقسيمها الى ما يأتي (2008, Zimmerer& Scarborough )
أ – مرحلة الولادة: وتشمل سنوات التأسيس الاولى وبدء تكوين المشروع ككيان، وتكون الأعمال فيه معتمدة كلياً على صاحبه ، تماماً كالطفل الذي يعتمد على من يربيه، فإذا غاب المؤسس توقف العمل .
ب – مرحلة البلوغ : وهي مرحلة استقلال المشروع عن مؤسسه أو صاحبه ، حيث يبدأ بتكوين شخصيته وآليات عمله، ولا تتأثر انسيابية أعماله في حالة غياب المؤسس أو انسحابه منه،و(الريادي) هو الذي يسعى بكل جهده لأن يصل مشروعه الى هذه المرحلة بسرعة .
ت – مرحلة النضج : وهي مرحلة اكتمال شخصية المشروع ككيان قائم ومتكامل ، له كل مقومات الاداء الناضج والناجح ، حيث يعمل المشروع بآليات خاصة به .
ث – مرحلة لإانحدار : وهي تمثل مرحلة التراجع والتآكل الذي – إذا استمر – قد يؤدي الى تصفية المشروع.
ج – مرحلة التجدد : ويحصل التجدد عندما يعاد تكوين المشروع بصيغة جديدة ككيان جديد ، ليبدأ دورة حياة جديدة ، وقد يتجه المشروع الى اعتماد شكل تنظيمي جديد، وآليات عمل جديدة ايضاً .
وتتسم المشاريع الصغيرة – والمنظمات عموماً – بمجموعة سمات تميز دورات حياتها، من أهمها ( Hatten، 2003 ) :
* أن انتقالها عبر المراحل غير محتم : فليس كل مشروع يقام يمر بكل المراحل وبتسلسل متتالٍ، وهذه هي سمة واضحة بالاخص في المشاريع الصغيرة التي تقام في الاقليم، ويرتبط ذلك بشكل أساسي بقدرات مؤسس المشروع ، كما يعد هذا ايضاً معياراً للتمييز بين صاحب المشروع ( الريادي ) القادر على اختزال المراحل والتقدم باضطراد ، عن (غير الريادي).
* عدم وجود مدد ثابتة بين المراحل : أي أن بالامكان أن يؤسس شخص مطعماً يبقى في مرحلة النمو عشرين سنة ، ثم يستلم ابنه مسؤولية إدارته ، فيحوله خلال خمس سنوات إلى سلسلة مطاعم كبيرة وناجحة ، أي أنه انتقل من مرحلة النمو – التي أستمرت عشرين سنة – الى مرحلة البلوغ ثم النضج في خمس سنوات .
* أمكانية التجدد وإعادة التكوين : لايشكل الزوال " أو الوفاة " مرحلة الزامية للمشاريع الصغيرة – كما في الانسان – إذ بإمكانها أن تجدد نفسها وتبقى لمدة طويلة ، ومع كل عملية تجدد جديدة يبدأ المشروع بدورة حياة جديدة ولكن بسرعة مختلفة .

ثانياً : تقدير طبيعة التغيرات في كل مرحلة من مراحل النمو الرئيسة للمشروع
إن تحديد متطلبات عملية إدارة النمو للمشاريع الصغيرة تقتضي تقدير طبيعة التغيرات التي ترافق مراحل دورة الحياة، وهذه التغيرات تشمل الخصائص التنظيمية ، والعمليات الادارية ، وفيما يأتي توضيح مختصر لكل من تلك التغيرات Picckle، 1990 ) ) ( Siropolis، 1997 ) ( Megginson، et al.، 2003):
* الخصائص التنظيمية : تتغير الكثير من خصائص جسم الانسان ومظهره الخارجي مع تغير مراحل نموه ، فهو يزداد طولاً ووزناً، وتتغير الكثير من الخصائص التفصيلية الاخرى، ويحصل الشيء المشابه للمنظمات عندما تنمو فتتغير الكثير من خصائصها الفرعية إضافة إلى الشكل العام ، لذلك فاننا نحتاج ان نتعرف على تلك الخصائص التي يتميز بها المشروع الصغير لكي نستطيع تحديد مرحلة نموه.
1. الخصائص الهيكلية : وتتضمن هذه مجموعة من السمات أو الخصائص ذات الصلة بالابعاد الهيكلية للمشروع الصغير، ولمنظمات الاعمال عموماً ، ومن أهمها ما يأتي :
أ – درجة التخصص Degree of Specialization): ويقصد بها درجة أو مدى التحديد الدقيق للمهام والادوار والواجبات لكل فرد أو تشكيل في المنظمة، وعادة ما تكون درجة التخصص منخفضة أو قليلة في مرحلة الولادة والنمو ، فكل العاملين يقومون بكل المهام المطلوبة وحسب الحاجة ، ولا نجد أفراد أو تشكيلات متخصصة بمهام أو اعمال محددة ، وهذا شائع بشكل كبير في المشاريع الصغيرة .
وكلما نما المشروع وازداد عدد العاملين، كلما دعت الحاجة الى تحديد للمهام والواجبات التي يتولى الفرد القيام بها وظهر لنا ما يسمى بالوظائف المتعددة والمتباينة فيما بينها، كما قد تستدعي الحاجة الى تأسيس تشكيلات متخصصة بمهام واختصاصات محددة ، وهذه الحالة تعكس الاتجاه نحو زيادة التخصص في هيكلية المشروع ، وبالتالي فأن درجة التخصص ترتفع مع كل مرحلة من مراحل حياة المشروع لتكون في ذروتها في مرحلة النضج، وعندما يبلغ المشروع مرحلة الانحدار وتبدأ عملية التجديد، تترافق معها محاولات صرف النظر عن الكثير من التخصص القائم فتعود درجة التخصص ، ولفترة لتصبح واطئة .
ب – درجة الروتينية ( Degree of Routinization): وتعني درجة أو مدى تنفيذ النشاطات المتكررة برتابة ، أي بطرق ثابتة ، وغالباً في مرحلة الولادة والنمو يقوم كل فرد بتنفيذ المهام المكلف بها بأفضل طريقة ممكنة، وقد يغير الطريقة إذا قام بالعمل مرة ثانية، ولو قام شخص ثانٍ بالعمل نفسه سيؤديه بأفضل طريقة ممكنة ايضاً وقد تختلف عن طريقة الفرد الاول ، ويعود سبب ذلك الى عدم وجود إجراءات محددة تجعل العاملين يؤدون مهامهم بطريقة موحدة.
وكلما نما المشروع كلما دعت الحاجة الى وضع إجراءات محددة لتنفيذ الاعمال مما يؤدي الى"روتينية" أعلى في تنفيذ المهام على وفق هذه الاجراءات ، وكلما زاد عدد هذه الاجراءات كلما زادت درجة "الروتينية" بشكل عام.
ت – درجة المركزية ( Degree of Centralization ): ويقصد بها درجة أو مدى تركز سلطات اتخاذ القرار بيد فرد واحد أو قلة من الافراد ، والحالة هذه تفصح عن مركزية عالية ، وبعكسه فاذا اعطيت سلطات اتخاذ القرار الى أفراد عديدين تتعلق باعمالهم ، تصبح المركزية واطئة واللامركزية عالية .
ومن الواضح أن في مراحل الولادة والنمو ، وبالاخص في المشاريع الصغيرة يتخذ المؤسس أو صاحب المشروع كل القرارات – المالية والفنية والتشغيلية والتسويقية وتلك المتعلقة بالعاملين وغيرها –فتبدأ هنا عمليات تفويض السلطات للمساعدين ، وكلما توسعت الاعمال أصبح ذلك ضرورياً ، ولذا فأن المركزية العالية تقترن بمراحل الولادة والنمو الاولى ، في حين تعد اللامركزية العالية من خصائص مراحل النضج والانحدار .
ث – درجة الرسمية Degree of Formalization: وتعني درجة أو مدى تنظيم الاعمال بوثائق رسمية ، فكلما كان عدد الوثائق الرسمية التي تنظم الاعمال أقل كلما كانت الرسمية أقل، وغالباً في مراحل الولادة والنمو ما يكون عدد الوثائق الرسمية قليلاً جداً ومحدوداً للغاية ، فمثلاً صاحب المشروع لا يصدر وثيقة رسمية عند تعيين شخص ما في المشروع ، او يصدر وثيقة رسمية أخرى لتحديد راتبه ، وأنما يتم ذلك عادة بشكل شفهي ، وهو ايضاً لا يضع إجراءات أو توزيعاً للمهام أو غير ذلك ويثبتها في وثائق رسمية، أما إذا توسع المشروع وازداد عدد العاملين ، فالوضع السابق لا يعود كافياً فيضطر صاحب المشروع أو ادارته لتنظيم الكثير من القضايا وتحديدها بوثائق رسمية ، ولذلك ترتفع درجة الرسمية .
ث – خصائص أخرى : هناك خصائص أخرى تتغير بتغير مراحل حياة المشروع مثل: درجة الشخصية (ظهور التنظيم غير الرسمي القائم على العلاقات الاجتماعية الشخصية بين العاملين ) ، مسؤوليات الادارة ونوع تلك المسؤوليات ، درجة التعقيد التي تزداد مع توسع المشروع .
ولابد من الاشارة الى أن الخصائص الهيكلية تتأثر بعوامل أخرى غير مراحل حياة المشروع ، وبالتالي فأننا لانستطيع الاكتفاء بتلك الخصائص فقط لتحديد المرحلة التي يمر بها المشروع في دورة حياته، تماماً كما هو الحال بالنسبة لعمر الانسان ، و لا نستطيع الاكتفاء بـ (عدد الاسنان) لتقدير عمر الانسان لانه لا يسمح لنا ذلك للتمييز بين من هو في الثامنة عشرة من عمره والثلاثين منه، أو بين الذكر والانثى ، لهذا نحتاج أن نستخدم الشكل أو المظهر العام للبناء التنظيمي لتحديد ذلك.
2. الشكل العام للبناء التنظيمي : غالباً ما نستخدم الشكل العام للتنبؤ وتقدير مرحلة النمو ، وليس فقط الخصائص التفصيلية ، وهذا مفيد مع دراسة المشاريع الصغيرة ، ذلك لأن الشكل العام يتغير مع تغير مراحل الحياة والنمو ، ويمكن أن نميز بين أربعة أشكال تتوافق مع مراحل نمو المشروع الصغير المختلفة ، وهذه الاشكال هي :
أ – البناء الحرفي ( Craft Structure) بناء مرحلة الولادة والنمو : ويكون البناء التنظيمي في مرحلة التأسيس والولادة بناءً بسيطاً من دون أية خصائص بيروقراطية ، ولهذا يسمى بناءً حرفياً لانه يشبه الى حد كبير البناء التنظيمي الذي نجده في متجر صغير أو ورشة نجارة .... الخ.
ب – البناء الريادي ( Entrepreneurial Structure ) بناء مرحلة البلوغ : ينتقل المشروع الى مرحلة البلوغ إذا تمكن أن يحقق استقلالية عن صاحبه ، ولهذا يسمى بالبناء الريادي ، ويحصل عندما يقرر صاحبه أن يعطيه كياناً مستقلاً عن شخصه له مقومات الوجود والبقاء .
ت – البناء البيروقراطي الكامل Full Bureaucracy Structure عندما يصبح المشروع كياناً مستقلاً يكون قد حصل فيه تخصص وتقسيم للاعمال وأنظمة وإجراءات رسمية .... الى غير ذلك، مما يميز التنظيم البيروقراطي فيصبح الشكل التنظيمي بيروقراطية كاملة وهو ما يميز المشاريع المكتملة النضج، وكذلك تلك التي بدأت تتراجع.
ث – البناء الابداعي (غير البيروقراطي) بناء مرحلة التجدد : والمشاريع هنا في مرحلة التجدد تبدأ باعتماد أشكال تنظيمية جديدة ، أي أنها مشاريع ساعية للتجدد ، علماً أن هناك العديد من الاشكال الجديدة التي يمكن اعتمادها مثل التسويق الالكتروني ، والعمل عن بعد ، وغيرها ، كما أن الفكر الاداري يطور الان أشكالاً أخرى باستمرار .
ـ العمليات الإدارية : ذكرنا سابقاً ان تقدير التغيرات التي ترافق مراحل نمو المشروع تنقسم الى مجموعتين ، وتناولنا في الفقرات السابقة المجموعة الاولى ذات الصلة بالخصائص التنظيمية ، التي تشمل الخصائص الهيكلية ، والشكل العام .
وننتقل الان الى المجموعة الثانية ذات الصلة بالعمليات الادارية ، حيث يرافق نمو المشروع الكثير من العمليات والانشطة ، وليس فقط الهيكل والبناء، بل أن التغير في أحدهما أو كلاهما يحصل نتيجة التغير في اهتمامات الإدارة والقضايا الأخرى ذات العلاقة ، وهذه الاهتمامات مهمة ومفيدة في جانبين : الاول منهما، لتحديد العمليات التي يجب أن يهتم بها صاحب المشروع إذا أراد إنضاج عمله ، وثانيهما ، للقدرة على تفسير مشاكل بعض المشاريع ، تماماً كما نفعل عند انتقادنا لرجل متقدم بالعمر بكونه يتصرف "كالمراهق" فعندما نقول ذلك نفترض أنه لم ينضج ليكون قادراً على معالجة متطلبات مرحلة المراهقة بشكل سليم ، فبقي غير ناضج أو مريضاً نفسياً ) .
ويهتم بعض علماء الادارة والتنظيم بهذا الجانب في النمو ، فهم يطلقون على تلك الاهتمامات الخاصة بمراحل النمو المختلفة بـ "الازمات Crises" ويرون أن لكل مرحلة نمو ( أزمة) تميزها عن أزمات المراحل الاخرى ، ويقصدون بـ " الازمة" الاهتمام المحوري لصاحب المشروع ويفترضون أن المعالجة السليمة لأزمة مرحلة معينة تتطلب "عملية" معينة أيضاً ، فاذا قام صاحب المشروع بالعملية بشكل سليم ينتقل بمشروعه الى مرحلة النمو التالية بشكل سليم ، أما إذا لم يعالج "الازمة" بطريقة سليمة، فهذا سينعكس على سلامة نمو مشروعه ، فينمو بشكل مشوه .
ومن المفيد جداً ان نستعرض في ما يلي أهم الازمات الرئيسة التي تواجه مراحل نمو المشروع الصغير ، والعمليات المطلوبة لتجاوزها بشكل سليمMegginson، et al، 1991 Friedman & Scott، 1994) (Zimmerer& Scarborough، 2008):
أ – مرحلة الولادة والنمو الاولى وأزمتها " القيادة " والعملية الضرورية لمعالجتها هي " الابداع " التقني والتسويقي.
ب – مرحلة البلوغ وأزمتها " الاستقلالية " والعملية الضرورية لمعالجتها هي " التفويض".
ت – مرحلة النضج وأزمتها "الرقابة" على أداء الوحدات داخل المشروع ، والعملية الضرورية لنجاحها هي "التنسيق".
ث – مرحلة الانحدار وأزمتها "الروتين" والعملية الضرورية هي "الرقابة" لتحديد الاسباب الحقيقية لتعثر الأداء.
ج – مرحلة التجدد وأزمتها "الابداع" التنظيمي والعملية الضرورية لمعالجة تلك الازمة هي "التعاون".
ويمكن تلخيص الافكار الاساسية السابقة في الجدول التالي الذي يتضمن توضيح العلاقة بين الموضوعات المعروضة في هذه الورقة أنظر الجدول ادناه.
إن إدارة عملية النمو في المشروع الصغير تتطلب :
أولاً : أن يدرك الريادي أو صاحب المشروع الصغير أن النمو المخطط يتطلب تغييراً جذرياً في أولوياته والعمليات التي يقوم بها ، وهذا يحتاج الى أكتساب معارف وتعلم مهارات جديدة .
ثانياً : أن يدرك أن هذا التغيير ينصب على أجراء تعديلات جذرية في الخصائص والبناء التنظيمي
ثالثاً : أن يدرك أيضاً أن التغيير عملية مستمرة، فكل انتقال من مرحلة نمو الى أخرى تتطلب تغييرات جديدة غير متشابه.

ما الوصايا اللازمة لنجاح ونمو هذه المشاريع؟
1. ينجح المشروع – عموماً – إذا أحسن الريادي إختيار السلعة أو الخدمة التي يقدمها المشروع ، وهذا يتطلب بناءً تنظيميا حرفياً بسيطاً بدرجة قليلة جداً من البيروقراطية ، ويقوم صاحبه بكل الانشطة الاساسية مع التركيز على الانتاج والتسويق لان العمليات الاخرى تكون بسيطة بسبب قلة عدد العاملين ، كما يتمركز كل شيء بخصوص شخص الريادي أو صاحب المشروع .
2. إذا توفرت فرصة للمشروع للتوسع والنمو ، سيكون من الضروري تعيين عاملين أضافيين ويبدأ المشروع بالانتقال الى مشروع متوسط الحجم وهذا يتطلب أن يدرك الريادي أن عليه الاهتمام بعملية النمو والبدء بمنح المشروع الاستقلالية عن شخصه من خلال تفويض الآخرين ومنحهم سلطات كافية لاتخاذ القرارات وتقليل الاعتمادية على شخصه ، ثم مراقبة ادائهم للتأكد من حسن قيامهم بمهامهم ، وبذلك تتغير اهتماماته وأولوياته من الانتاج والتسويق الى قضايا ادارية صرف تشمل عملية التفويض وتوزيع السلطات ومتابعة الاعمال والرقابة على الاداء ، وبالتالي البدء بتقليل الحرفية في البناء بتحويله الى تنظيم ريادي ، وهذا يتطلب أن يتغير هو شخصياً بحيث يصبح انساناً ريادياً وليس مجرد تاجر أو مسوقاً صغيراً.
3. إن الانتقال الى مرحلة النمو والريادة تتطلب معارف ومهارات جديدة ، فبالاضافة الى قيام الريادي بحسن أختيار العاملين وتدريبهم وتفويضهم ومراقبة أدائهم ومنحهم الفرصة للتصرف واتخاذ القرارات والتعلم والنمو المهني ، قد يحتاج أيضاً الى إجراء تغيير قانوني في شكل المشروع كادخال شريك أو شركاء أو التحول الى شركة مساهمة ذات مسؤولية محدودة .
4. إن مرحلة البلوغ للمشروع كما يتفق أغلب المتخصصين والمهنيين هي مرحلة مؤقتة ، سرعان ما تتبعها مرحلة النضج عندما تدار الاعمال بشكل سليم وتؤسس متطلبات النمو بشكل متين ، أو خلاف ذلك يبدأ التراجع نحو المرحلة الاولى(الحرفية).
5. إن المشروع متى ما بلغ مرحلة النضج ، لابد أن تكون الاهتمامات والاولويات للريادي هي البدء بأحداث تخصص في المهام والتشكيلات وإجراءات العمل وبعض الانظمة .... الخ ، وهذا يعني البدء بتغيير دوره ليكون المدير التنفيذي الاعلى، بل عضو في الادارة العليا التي تشمل بعض رؤساء الأقسام المهمة ، أي البدء بتغيير أولوياته مرة أخرى وبدء دورة نمو جديدة تتطلب مهارات ومعارف جديدة فيهتم بالتنسيق بين اعمال التشكيلات المختلفة والتركيز على مراقبة الاداء المؤسسي والجماعي والفردي .
6. أن في مرحلة النضج تزداد أهمية التخطيط والتنسيق والرقابة على الاداء وادخال الانظمة الناضجة وكوادر فنية متخصصة ، بالاضافة الى الاهتمام بقضايا تنظيمية أخرى مثل تحديد مهام ومسؤوليات التشكيلات الادارية والفنية ووضع اجراءات للعمل لأحداث روتينية عالية في الاعمال وتوزيع اوسع للسلطات لإحداث لا مركزية أعلى والتأكد من إصدار الوثائق الرسمية لكل ماسبق ومتابعة الالتزام بها ، وبذلك يتحول المشروع الى البيروقراطية الكاملة ، ويبدأ الحكم على اداء التشكيلات والافراد من خلال الارقام والمؤشرات وليس بطريقة حسية مباشرة من خلال المراقبة الشخصية والملاحظة .
7. إن الدخول في هذه المرحلة المتقدمة من عمر المشروع – مرحلة النضج – تفرض التفكير بقدرات المشروع على خلق الميزة التنافسية وزيادة الحصة السوقية والانتقال الى شركة مساهمة أو شركة قابضة في مصاف المؤسسات والشركات الكبيرة وبذلك فان التفكير سيكون موجها نحو الولوج الى أسواق جديدة وأكتساب قدرة التصدير عبر الفروع الاقليمية والدخول في تحالفات وشراكات دولية ، وبالتالي يصبح شركة كبيرة وليس مشروعاً صغيراً أو متوسطاً.