من ذكريات حامد مصطفى غير المنشورة

من ذكريات حامد مصطفى غير المنشورة

قدم الاستاذ الفاضل عبد الحميد الرشودي مجموعة من مقالاته عن عدد من الشخصيات الادبية والصحفية والسياسية او عن بعض الاحداث الطريفة التي عرف اسرارها او تعليقاته على بعض المؤلفات التي تعنى بتاريخنا الفكري الحديث، ونعيد نشر هذه المجموعة تباعا في ملحقنا (ذاكرة عراقية).

كان المرحوم حامد مصطفى احد رجال القضاء في العراق قد ترك مذكرات على جانب كبير من الاهمية والطرافة اودع نسخة منها عندي. واليك بعض ما فيها من طرائف ونوادر.
* كيف ولماذا ترك الرصافي التدريس في دار المعلمين العالية؟
- كنت قد سألت الاستاذ المرحوم مصطفى علي عن سبب ترك الرصافي التدريس في دار المعلمين العالية فذكر لي – رحمه الله – انه ترك التدريس فيها وخرج مغاضبا اثر مشادة وقعت بينه وبين حامد مصطفى احد طلاب الدار وبقيت على هذا الرأي حتى ظهر الاستاذ حامد مصطفى على شاشة تلفزيون بغداد في برنامج "سيرة وذكريات" الذي كانت تقدمه السيدة ابتسام عبد الله فعرض لهذه المشادة وذكر انها وقعت بين الرصافي وبين احد طلاب الدار – ولم يسمه – فاتصلت به هاتفيا مستسفرا عن ذلك الطالب فاجابني متفضلا بان الطالب الذي اغضب الرصافي هو المرحوم فخري العبيدي ونفى ان يكون بينه وبين الرصافي ما يوجب ذلك بل على العكس من ذلك فانه كان من الطلاب القلائل الذين حظوا برضا الرصافي وتشجيعه ومن محاسن المصادفات ان الاستاذ حامد مصطفى قد اماط اللثام عن هذه الحادثة فقال في (ص46) من مذكراته.
"اما السبب الظاهر والمباشر في ترك الاستاذ الرصافي التدريس في دار المعلمين العالية فهو على ما وقع وعلمته بحضوري ان زميلنا في الصف السيد فخري العبيدي الموصلي كان رجلا طيبا حسن النية لاتفارق الابتسامة والضحكة الخفيفة وجهه وكان مولعا بالرسم بقلم الرصاص وعلى سبورة الصف بالتباشير وكان اكثر ما يرسم الفتيات او المناظر المضحكة وكنا نانس بكل ما يرسم ثم يمحوه وقد كان عمل السيد فخري هذا يشغله عن متابعة الدرس وكلام الاستاذ. ولما كان الصف غرفة واحدة ضيقة وكان عدد الطلاب قليلا كان عمل السيد فخري ذلك ووضعه بين الطلاب ظاهرة لا حضارية ولا سائر يستره فما لبث نظر الاستاذ معروف ان وقع على اخينا فخري وما خطر بباله ان نظر الاستاذ قد علق به وما رأينا الا صوت الاستاذ يجلجل هادرا بصوته الحلو الجذاب يقول مخاطبا الصف كله: يا اخواني: انا والله محمول على تدريسكم حملا وما بودي ان اقوم بين ايديكم مدرسا ولكنني كنت مجبرا على ذلك ماذا تفعل ايها الاخ – مخاطبا السيد فخري – اهناك ما يضحكك مني؟ لماذا تضحك يا اخي ثم سكت والتفت نحو الباب حيث كان قد علق عصاه فتناولها ثم ادار وجهه وخرج من غرفة الصف ولم يعد بعدها.
* الطريق الى باريس
- كانت وزارة المعارف قد اقرت خطة ارسال البعثة العلمية لسنة 1937 – 1938 الى جامعات الغرب وامريكا وكان نصيب صاحبنا الاختصاص بدراسة الادب العربي في جامعة باريس وقد سافر معه في هذه الرحلة المرحوم مصطفى جواد واخرون ويذكر انهم ابحروا من بيروت على ظهر باخرة ايطالية يظن ان اسمها (شامبليون) وعند وصولهم الى باريس استقبلهم هناك بعض المبعوثين من العراقيين الذين سبقوهم وكان من بينهم الدكتور محمد مهدي البصير وصديق شنشل وسليم النعيمي وناجي معروف وحقي الشبلي وعوني الخالدي الذي كان موظفا في السفارة العراقية بباريس وهنا نترك الاستاذ حامد مصطفى ليكمل الحديث: "وقد اخذني الاخ المرحوم ناجي معروف الى محل سكناه وهداني المرحوم سليم النعيمي الى طريقة تقديم طلب الالتحاق بالجامعة واجراء المعادلة لما نحمل من الشهادات وقد كتبها لنا المرحوم عوني الخالدي ولما تم لنا الالتحاق بالجامعة كان علينا قبل ذلك الالتحاق بالجامعة ان نلتحق بمعهد خاص لتعلم اللغة الفرنسية هو المعهد المعروف عالميا باسم (Allance) فامضينا فيه سنة دراسية كاملة ونلت فيها الشهادة المتوسطة في اللغة الفرنسية وبذلك سهل علينا تلقي المحاضرات.
وقد كان يتعهدنا بالمحاضرات اساتذة فرنسيون واخرون يستقدمون من الجامعات الفرنسية في فرنسا والمغرب وسواهما ومنهم على ما اذكر السيد (marsalle) من جامعة المغرب وكان استاذا جهوري الصوت ينطق باللغة العربية المغربية الى جانب لغته الفرنسية ومنهم كذلك الاستاذ المؤلف المعروف بلاشير. وكان الاستاذ بلاشير يحسن العربية ويفهم الشعر العربي وقد الف كتابا في النحو العربي واخر هو شرح ديوان المتنبي وقد زار العراق عام 1962 بدعوة من الحكومة العراقية.
وفي نهاية السنة الدراسية 1938 – 1939 اجري لنا امتحان نهائي نجحت فيه ونلت دبلومين في النحو والاشتقاق وهما اثنان من اصل دبلومات اربعة يشترط الحصول عليها من اجل كتابة رسالة لنيل شهادة الـ ES.LIT فذكتوراه الدولة Docturat Detas وقبل ان ينتهي بنا الامتحان نشبت الحرب العالمية الثانية في ايلول 1939 فاضطررنا الى الرجوع الى العراق من استطاع الرجوع باذن وموافقة من الحكومة العراقية او بغير اذن. وهكذا قدمنا الى بغداد دون ان ننجز الدراسة التي اعددنا لها انفسنا ودون تحقيق الرغبة التي دفعت بكل منا الى تحقيق الغاية التي كنا ننشدها لخدمة الوطن واضطررنا الى مراجعة وزارة المعارف للحصول على الوظيفة وقد قبلت في دار المعلمين بالاعظمية لقربها من دار سكني. وقد كان بالوسع الحصول على درجة الماجستير بطريق المعادلة بين شهادة دار المعلمين العالية والدبلومين اللذين حصلت عليهما من معهد الدراسة الاسلامي في الجامعة.
* محاولة لتحقيق معجم العين للخليل
لم يكن الاساتذة الافرنسيون يبخلون على تلامذتهم بما يساعدهم على التحضير وكتابة الرسائل وكنت ممن اتصل بالاستاذ ماسنيون الذي اقترح علي تحقيق معجم (العين) في اللغة للخليل بن احمد الفراهيدي. وهنا تحضرني نكتة لابد من ايرادها وهي اني علمت ان الاب انستاس ماري الكرملي يملك نسخة من مخطوط كتاب العين هذا فكتبت اليه اطلب مساعدته في الاطلاع على نسخته فاجابني على ظهر رسالة شخصية للاستاذ فيشر احد اعضاء المجمع اللغوي المصري قائلا ما نصه:
"كان الاستاذ مصطفى جواد اخبرني بعزمك على طبع (العين) فانا اشجعك على عملك هذا الكتاب ولكنك لن ترى نسختي فقد صرفت عليها الى الان اكثر من خمسمائة دينار منذ سنة 1918 وقد اتعبتني مقابلة نسخه على ثلاث نسخ فهل يمكن ان اهبك كل هذا فهو مستحيل بل ظلم بل سرقة بل اثم عظيم وهنالك معاجم اخرى اما (عيني) فيبقى كعيني (لي دون غيري) وحفظك الله
الاب انستاس ماري الكرمي
20/1/1939