جيفارا الرمز والانسان والمناضل

جيفارا الرمز والانسان والمناضل

عصام حسن
تمر ذكرى جيفارا كذكرى عزيزة على كل محب للعدل والحرية ودفع الظلم عن بني الإنسان ليست الذكري او جيفارا وما يمثله من قيمة انسانية عظيمة خاصة بنا نحن فقد الاشتراكين انها فترة نضالية هامة فى تاريخ البشر وتجربة انسانية تستحق التامل والبحث .

تهل الذكرى بكل ما تتركه بداخلك تستدعى ما تعرف لتكتب فتجد فعلا يصعب السير فيه من دون قلق، من الصعب إن تتحدث عن شخص ظلت حياته لأخر نفس زاخرة بالإحداث ،لكنها محاولة ربما تلقي ظلالا عن جيفارا الإنسان والمناضل الثوري. ولنبدأ من جيفارا الإنسان أين ومتى وكيف عاش لعل هذه المعرفة على بساطتها هي مدخل لفهم جيفارا المناضل والرمز، ولد زعيم حرب العصابات(تكتيك البؤر الثورية) في أغسطس 1928 في احد أحياء العاصمة الأرجنتينية" يونيس ايرس" وتحديدا في حي "روز ار يو" لأسرة ميسورة ألام مثقفة من اصل اسباني مهتمة بالشأن العام إما الأب فكان مهندس مدني من اصل ايرلندي.
عندما بلغ الرابعة من عمرة أوصى الأطباء بسرعة انتقال الأسرة إلى مكان أكثر جفافا حيث أخذت حالته الصحية تتدهور فانتقلت الأسرة إلى "كوردوبا "ومنها انتقلت إلى "التاغرسيا "وكان جيفارا الابن الأكبر بين اشقائة حيث كانت له أخت تدعى سليا ولقد أصبحت سيليا مهندسة معمارية كأبيها وكذلك أخته الصغرى "ماريا " إما الأخ الأصغر "روبرتو" فقد أصبح محامى.التحق جيفارا بالمدرسة الابتدائية "سان مارتن " ثم انتقل إلى مدرسة" مانوييل" وعاش جيفارا فى هذه الفترة فى فيلا فى منطقة " التاغراسيا" وكان والدة فى هذه الفترة يدير مزرعة لنبات "الماتى " وهو نبات مثل الشاي وكانت المزرعة ملكا لوالدته "سيليا " ولكن اضطرت لبيعها فى عام .1947ولقد كان المرض احد أسباب عدم انتظامه الدراسي الأمر الذي استدعى اهتمام اكبر من الأسرة لمساعدة فى دروسه، ثم أنتقل جيفارا إلى "كوردوبا" ليلتحق بالمدرسة الثانوية" دين فيرتز" فى ظل ظروف تراجع مادي لعائلته الأمر الذي جعل جيفارا يعمل ليدبر مصاريفه الشخصية وفى هذهكرياضي الفترة تحديدا ازداد ولع جيفارا بالأدب الفرنسي وازداد حبة للمخاطرة، نستطيع ان نجمل حاله جيفارا الفتى بأنه فتى ذا روح مرحة محبة للمغامرة ، كان يقضى وقته بين الترحال والقراءة وكان من محبي الكاتب "جول فيرن" و"ألكسندر ديماس" وكان يهوى كتابة الشعر والتصوير والرسم ورغم مرض الربو الذي صاحبه طيلة حياته وجعله مرتحلا بشكل دائم إلا انه كان معروفا فى نادى "اتالايا " كرياضي مليء بالحيوية، عني والدة ووالدته به وازداد اهتمامهم به منذ صغره لمرضه بالربو منذ كان يبلغ العامين ولعل ذلك الاهتمام وخاصة من جانب والدته واطلاعه على الأدب والشعر الفرنسي والاسباني كان أمرا مؤثرا جدا فى حياته، هكذا كان الفتى الذي مر بعد ذلك بعده محطات كان لها كبير الأثر فى خلق القائد الاممى تشي جيفارا فقد كان نبا القبض على والده "حيث أسس لجنة مساندة للجمهورية الأسبانية عام1937" من الأمور المؤثرة فى حياته حيث جعله يحس بمعنى الافتقاد وبمعنى القهر الذي تمارسه السلطة اي سلطة على البشر حيث تحرمه من احتياجاته وتحد من حريته لكي لا يطالب بحقوقه.ولنتوقف عند احد المشاهد فى حياة تشي ففي المرحلة الثانوية ذهب جيفارا فى احد المرات منضما إلى مظاهرة غاضبة استهدفت احد النوادي الفاخرة التي يتردد عليها أغنياء الأرجنتين " نادي جوكي " ولقد كون جيفارا وجه نظر سابقة عن هذا النادي بأنه نادي المتخمين المستغلين!، وعندما وجد جيفارا المتظاهرين انضم اليهم مرددا " فليسقط المتخمين بالمال فليسقط المتخمين بالمال " التقط حجارة واخذ يقذف بها واجهات المحل الزجاجية مرددا اذهبوا إلى الولايات المتحدة أيها الخنازير.
وكانت رحلته في بعض أنحاء أمريكا اللاتينية مرتحلا على دراجة بخارية اضافة كبيرة و متكأ للتعرف على قسوة الحياة التي تحييها شعوب أمريكا الاتنية، يحدثنا جيفارا قائلا "عندما يتعرف الفقير على ظروفه الجديدة تولد داخله عدوانية يصعب إخفاءها – عدوانية تجاه هؤلاء الذين لا يردعون أنفسهم عن ظلم الآخرين، يقدم جيفارا في "احلامي لا تعرف حدودا" تحليل لمجمل الأوضاع في أمريكا اللاتينية وأوضاع سكانها الفقراء وما يتعرضون له من ظروف معيشية يحاصرهم فيها المرض والعوز والفقر وعبر هذه الظروف يصل إلى تحليل مفاده إن حل هذه المشكلات لن يتم بالحلول الفردية مبيننا حالة الاغتراب التي يعيشها العمال في معظم البلدان حيث يعيشون في ظل نظام إنتاج شبه عبودي لا يمنحهم سوى ما يكفيهم لان يبقون على قيد الحياة فحسب " عندما يجد الإنسان حياته بلا مستقبل بلا أفق يعيش دوما خائفا من ما هو آت لأنه لا يستطيع تأمين سبل المعيشة إلى أيام عدة قادمة ذلك المستقبل الذي سوف يظل قاتما في ظل تلك الظروف " ويضيف فى توصيفه لحالة العمال فيقول " في حياة شغيلة كل بلدان العالم أولئك الذين فقدوا أحلامهم في المستقبل الاتي تكمن المأساة "
يلتحق جيفارا بكلية الطب ويصيغ مفهوما جديدا لتغيير المجتمع عبر صياغة مفهوم "الطب الثوري "والتي كانت من أهم كتاباته، يحدثنا جيفارا عن ذلك فيقول" أريد إن أمارس مهنة الطب لكني أرى ضرورة التغيير، التغيير الحقيقي الذي يكفل القضاء على مأسي البشر وعلى أسباب المرض وهذا الأمر لن يحققه الطب وحده، "- اعتقد ان ثروات هذه البلاد من المعادن ومن الأرض الخصبة يجب ان تخدم جميع الناس لا ان تخدم بعض العائلات الغنية فقط، أو الشركات الأمريكية فهؤلاء يشكلون دوما سرطانا لا يمكن القضاء عليه إلا باستئصالة النهائي".
لقد كانت روح جيفارا مثقلة بالربو ومثقلة بالمسؤولية أمام الفقراء وجموع الكادحين ولعل عبارته "أينما كان الظلم فهذا وطني" توضح تلك الروح الإنسانية المحبة للبشر و العطاء، وفى خضم هذا كله أعطى جيفارا الأهمية الكبرى لمفاهيم الثورة وتنظيم الجماهير لانتزاع حقوقهم وأعلى من شأن احتياجاتهم واكد على انه لا معنى لاي كيان أو نظام اجتماعي لا يلبي احتياجات البشر لتنتهي أنظمة اجتماعية وتأتي أنظمة جديدة كبديل لهذا البناء الاجتماعي والطبقي السائد، ففي عبارة له يقول " دعونا نبدأ في محو كل مفاهيمنا القديمة "، لقد كان إيمان جيفارا بالجماهير من عمال وفلاحين وفقراء هو الأرضية الأساسية لنضاله من اجل تحريرهم، فنجده يقول " يجب ان نذهب بعقل فضولي وروح متواضعة لننهل من هذا المعين العظيم للحكمة الذي هو الشعب "".
اعتبر جيفارا أمريكا اللاتينية وطنا واحدا تتشابه فيه الظروف وتشترك في المعاناة من الفقر والاستغلال والاستعمار، لقد رأى جيفار الموت يزحف على العمال ورأى الفقر متجسدا في المرض والجوع ورأى الظلم متمثلا في أصحاب المزارع والمناجم والمستعمرين، رأى جيفارا مساحات واسعة من الكرة الأرضية عانت لقرون من السيطرة الاستعمارية وتوالت على دولها الانقلابات وتقاسمتها الدول الاستعمارية بقيادة أمريكا .
مجمل هذه الأوضاع هي التي كونت شخصية جيفارا وبلورت رؤيته الثورية وجعلته يتخذ طريقه النضالي بعد ذلك في بلدان عديدة مستخدما تكتيك حرب العصابات وتعبئة الجماهير للسير في طريق الاحتجاج المساند لتلك البؤر الثورية فى البلاد المستعمرة من اجل تحريرها .
يتخرج عام 1953 وبعد عودته إلى "يوينس ايرس" تتم دعوته للخدمة العسكرية ولكنه لم يؤدها لعدم مناسبته لها، وفى العام نفسه يزور العديد من دول أمريكا اللاتنية، ويبدأ فى التعرف على بعض المجموعات اليسارية ويتناقش معها في بوليفيا، وغواتيمالا.بعدها يذهب إلى غواتيمالا في عام 1954 لينضمم إلى صفوف الثوار هناك ولكن سرعان ما تم مواجهة الثوار من نظام " كاستيلو أرماس" بمعاونة الولايات المتحدة التي لعبت دورا في القضاء على الثورة، حيث أرغموا "اربنس" على التنازل عن السلطة وقام هذا التحالف الرجعى بإدارة البلاد بعد ذلك ومنعوا النشاط العلني للحزب الشيوعي وضيقوا الخناق على نشاط عماله ولقد تم أدراج اسم جيفارا ضمن العديدين من الأسماء التي رصدتها المخابرات الأمريكية على اعتبار أنهم أشخاص غير مرغوب فيهم وتم القبض على العديد منهم ولكن جيفارا استطاع عبر السفير الارجنتيني بغواتيمالا إلى الاختباء في مقر السفارة ليسافر منها إلى المكسيك ويقابل راول اخو فيدل كاسترو لينضم إلى فرقتهم الثورية لتبدأ رحلته النضالية في كوبا منذ 1954حتى سقوط الديكتاتور "باتيستا" في 1959 حيث يتولى بعد ذلك مهام عدة في الحكومة الكوبية.
يتحدث ارنستو إلى فيدل كاسترو في أول لقاء بينهم " طالما ان القهر موجود فسيكون هناك من يناضل ضده لقد التقت أحلام تشي مع كاسترو " واضعين برنامج إذا ما نجحت الثورة، حيث سيقومون بإقرار عقد اجتماعي جديد يقضي بتطبيق إصلاح زراعي يعيد توزيع الاراضي لمن يزرعها ووضع قوانين تحمى العمال وكان يحلم كلا منهما بتوفير المرافق من كهرباء وغيرها من المرافق إضافة إلى توفير خدمات التامين الاجتماعي والصحي وتوفير السكن لتكون الثورة ملكا للشعب ويساندها الكوبين، وكان جيفارا شديد الأيمان بضرورة تصفية الاستغلال باراضي أمريكا اللاتينية كان يحلم بأمريكا حرة وكان يود ان يبذل قصارى جهده وكل ما بملكة في سبيل هذا الهدف قائلا " أنا على استعداد للقتال ضد الطغاة في كل مكان"
لعل أحلام جيفار ورؤيته الثورية هي التي أعطته هذا الخلود الذي جعله رمزا لكل المناضلين فهو قائد حرب العصابات والثوري الذي يود دفع القهر عن كل المقهورين فى كل مكان أليس هو القائل "أينما كان الظلم فهناك وطني " أليس هو المؤمن بان التعساء في العالم هم سر تغييره، يرتحل جيفارا في نحاء أمريكا اللاتنية ويذهب لإفريقيا واسيا ويلعب ليس دورا كثوري ومحارب فحسب ولكن دورا على المستوى الدولي كمؤمن بالاميمية والدفاع عن كل الشعوب المضهدة، رحل جيفارا ولكنه ظل رمزا الملايين التواقين للعدل والحرية ، رحل تاركا ميراثا كبيرا من المعارك والمواقف والأفكار ذات الملامح الثورية ، ترك جيفارا المتجسد كرمز وكأسطورة والذي لن يستطيع احد تشويهه، قتل "السي اي أيه" جيفارا في بوليفيا ولكنه لم يستطع قتل افكاره الأفكار، لقد كانت معظم المنظمات المسلحة الثورية في العالم تهتدي بخطى التجربة الجيفارية وبأفكار ذلك الثائر حتى ان البعض يرى أن جزءا من التراث الذي رآكم صعودا لليسار من جديد في أمريكا الاتنية كان جزءا منها الأفكار الجيفارية، كما كانت هناك علاقة جدلية بينها وبين حركة المقاومة العالمية والعربية سواء في الجزائر وفلسطين أو مصر أو الكونغو، لقد تركت الجيفارية بحسابات متفاوتة أثارها على هذه الحركة فقد تميزت الجيفارية بمنهج انساني صرف وتضامن أممي وثورية رومانسية تعلو عن الانتهازية أو الموائمات السياسية لقد كان نقاء التجربة الثورية لجيفارا لا يناظرها اى من التجارب الاشتراكية أو الحركات التحررية الأخرى رغم الملاحظات النقدية عليها، لقد رفض جيفارا البيروقراطية وأعلن موقفا واضحا منها وهاجمها هجوما عنيفا ورفض مظاهر الوصاية التي يفرضها الاتحاد السوفيتي مع بعض الدول حديثة التحرر من الاستعمار ونقد ممارسات الأحزاب الشيوعية في بوليفيا والاتحاد السوفيتي وكوبا ورفض الموقف السوفيتي تجاة الصين، لقد ظل جيفارا الأكثر اتساقا مع المواقف الثورية ذات الطابع الانساني بعيدا عن الحسابات السياسية الضيقة ومنطق فرض النفوذ لذا بقى هو المثال والرمز لجميع الحالمين بعالم مغاير تنتزع الشعوب فيه حقوقها عبر مواجهة العنصرية والاستغلال والهيمنة.
أخطأ جيفارا بلا شك عندما ظن ان البؤر الثورية (مجموعات حرب العصابات ) فحسب هي القادرة على تغيير الأوضاع في بوليفيا والكونغو من دون حركة جماهيرية تساند تلك البؤر ومن دون الاخذ فى الاعتبار ظروفها الخاصة ومدى نضج الظروف الثورية الموضوعية فيها ..لقد أثبتت الأحداث خطأ نظرية تصدير الثورة التي كان يتبناها ولكن ظلت روحه الثورية وأيمانه بالعمل الثوري نبراسا لكل الثوريين.
حصاد خمسة عشر عاما من الترحال والنضال قضاها جيفارا متنقلا من بلد إلى اخر رافضا طوال هذه السنوات نموذج الاشتراكية السلطوية وممارسات البيروقراطية متجها إلى خلق نموذج جيفارى ان صح التعبير يكون هدفه الإنسان. كانت تجاربه تعتمد في أحيان كثيرة على التجربة الحدسية، قائد ذو نزعة إنسانية زاهدا في الحياة يحارب الاستغلال والاستعمار ويحارب في ذات الوقت البيروقراطية والتربح على حساب الشعوب.
ترك جيفارا نموذجا اشتراكيا ذا نزعة إنسانية من اجل الإنسان الجديد الذي بشر به، بالطبع لم يترك جيفارا ملامح مشروعة واضحة تماما ولكن أعطانا بعضا من الملامح بشان دور الفن والوعي والتعليم في بناء الاشتراكية، لقد أوضح لنا أيضا دور الحزب والطليعة الثورية في حركة التحرر وكذالك تحدث كثيرا عن التضامن الاممي رافضا في ذات الوقت ان تتحول الماركسية إلى دوجما أو تمارس معها شكلا من إشكال العبادة للنصوص وعبر النضالات المتكررة يبدو جيفارا الرجل الأكثر شجاعة ونقاء هكذا كان جيفار بفكرة وممارساته يمزج الأفكار الماركسية اللينينية والمأوية معا ويقترب من ثورية تروتسكي في فكرة الثورة الدائمة ، رغم انه رفض ممارسات التروتسكيين في كوبا وممارساتهم التخريبية إلا انه رأى من غير الصحيح الحجب على أفكارهم.
الثورة والكفاح المسلح كطريق اختاره جيفارا جعله النموذج الأكثر نبلا لقد أثرت تلك الأفكار على الحركة الاجتماعية وحركات التحرر الوطني وتحركات الشباب المناهضة للاستعمار والحرب فخلق علاقة جدلية بين عقد الستينيات والسبعينيات والأفكار الجيفارية و حركة التحرر الوطني في القارات الثلاث (أفريقيا واسيا وأمريكا الاتينية) خلقت موجة مواجهة للهيمنة والتحالف الاستعماري يمكن وصف هذة الموجه بالحلف المقاوم والذي انجذب إلية الكثير من شباب العالم والفئات الاجتماعية والطبقات التي تعاني القهر والاستغلال منجذبين إلى جيفارا وتجربته النضالية حتى ان مقولاته وشعاراته أصبحت نبراسا يتبعه المناضلون لمقاومة الواقع المرير. مئات من الزعماء والمناضلين الذين خاضوا نضالا عنيدا مع الإمبريالية والاستغلال لابد انهم مروا يوما على خطى جيفارا وأفكاره ونضالا ته واليوم برغم اي تشويه يتعرض له جيفارا ورغم متاجرة الرأسمالية وتحويله إلى سلعة نجد الشباب في العالم وليس مصر فحسب يبحث عن جيفارا كنموذج انساني مناضلا من اجل عالم أكثر إنسانية وعدلا.
الإنسان الذي نسعى إليه
يتحدث جيفارا عن الإنسان النموذج الذي لابد ان يكون موجودا ليس إنسان القرن التاسع عشر أو العشرين بل هو إنسان القرن الواحد وعشرون بذلك فقد قمنا بجلب ثمينا للماركسية اللينينية ويضيف جيفارا ان الجماهير الكبرى التي ينمو وعيها والإمكانيات المادية لتنمية جميع أعضائها تنمية كاملة يجعل عملنا مثمرا أكثر ويتحدث عن الفن والثقافة مشددا على ضرورة توسيع حقل الثقافة وامتلاك إمكانيات التعبير ليخلق المجتمع فنانين استثنائيين ،يبين جيفارا ان خلق مثل هذا الإنسان لا يتطلب الحرية وإشباع الحاجات فحسب وإنما يتطلب وقتا طويلا يستطيع المجتمع ان يفرز خلاله الثوريين الذين سيشيدون الإنسان الجديد بصوت الشعب الحقيقي ويلقى جيفارا العبء الأكبر والمستقبل على جيل الشباب فى كوبا لخلق ذلك الإنسان المتحرر من عيوب الماضي، ويحمل جيفارا كذلك مسؤولة كبيرة على عاتق الحزب الشيوعي في بناء الاشتراكية.
حول مفهوم الحزب
فى معرض حديث جيفارا عن كتاب الحزب الماركسي اللينيني لكاسترو يبين لنا مفهوما عن الحزب الشيوعي " قائلا انه أفراد جمعتهم وحدة الأفكار مشكلين جماعة لإحياء المفاهيم الماركسية ولإتمام الرسالة التاريخية للطبقة العاملة، ولقد افرد جيفارا شروط البناء الحزبي كتواصل الحزب مع الجماهير بشكل دائم وممارسة النقد والنقد الذاتي مؤكدا ان الطليعة الثورية للحزب الشيوعي لابد ان تكون الطبقة العاملة والتي تقوم بدور عظيم لخدمة مهام البناء كما يوضح أهمية وجود قيادة تمتلك الوعي الذي يساعدها فى تحديد متى تتقدم لخلق أوضاع جديدة فى حالة نضوج الأوضاع الاجتماعية والظرف الذاتي لها والظرف الموضوعي وكيف تضبط حركتها فى حاله التقهقر الاجتماعي ليحافظ الحزب الشيوعي على كوادرة لمعاودة النضال فى موجة أخرى من موجات الحركة والمواجهة الطبقية.
ولقد حددت الجيفارية بشكل واضح موقع الطبقات من النضال السياسي لتنفيذ مهام الديمقراطية الوطنية والتنمية ومهام التغيير الثوري والبناء الاشتراكي حيث أوضح الدور المتخاذل للبرجوازية التى تقف فى حيرة بين الانضمام إلى صفوف الإمبريالية أو صفوف القوى الوطنية والتي تحسم أمرها بانضمامها إلى صفوف الإمبريالية والتي تحفظ بذلك بقائها ونفوذها وسلطتها حيث لا تريد البراجوزية تغيير نمط الإنتاج الراسمالى السائد فى المجتمع والذي سياتى حتما ضدها .
وفى مقالة كتبها تشى عام 1960 حول الثورة الكوبية والظروف على الصعيد الدولي والمحلي ابرز لنا موقف البرجوازية التى شاركت بعض منها فى الثورة أو على الأقل لم تتخذ موقفا عدائيا واضحا " سعت البرجوازية للبحث عن حلول تتيح عن طريق التفاوض استبدال نموذج باتيستا بعناصر أخرى للإشراف على الثورة – ولم يكن عجيبا ان تتخذ بعض القوى موقف الحياد " وأكد على ان البرجوزية لن تستطيع ان تتخذ موقف الصمت تجاه الثورة وأنها ستختار إن تنضم إلى الإمبريالية في النهاية موضحا موقف البرجوازية المعادي للانتفاضة الشعبية ذاكرا أنها اذا خيرت بين الانتفاضة الشعبية والانضمام للامبرالية ستنضم إلى الصفوف التى تضمن مصالحها من القوى الامبرالية والرأسمالية والاحتكارات ،و يذكر في ذات المقالة " ان البرجوازية لا تتردد في التحالف مع الامبرالية والإقطاع ضد الشعب وضد الثورة ".
الكوادر
ولقد حمل تشي الكوادر مهاما ودورا كبيرا داخل العملية النضالية موضحا انه لابد و ان يعطوا المثال فى التفاني والتضحية والحمية فى العمل ليمكن مواجهة الأعداء الطبقين الذين نزعت ملكيتهم فأولئك أعوان الاستعمار والقوى المستغلة التى صودرت مزارعها ومناجمها عند قيام الثورة لأنها سوف تسعى مرة أخرى بشكل دائم إلى محاولة أعادة سرقة موارد كوبا مرة أخرى وتحدث عن كيفية تربية الكادر الحزبي ليمارس دورة الثوري فى مهام البناء الملقاة على عاتقة ويرى جيفارا في مقالة بعنوان " داخل الثورة " نشر عام 1962 ان بناء الكادر الثوري لا يتم الا في خلال العمل اليومي بشكل منظم يضمن تقدمه الايدلوجى وتكوينية السياسي و ان الكادر ليس ذلك العضو الذي يتمتع ببناء سياسي رفيع او فهم ايدلوجي وتحليل للواقع فحسب وانما هو الذى يمتلك ذلك إضافة إلى المسؤولية الشديدة والانضباط فى أفعالة وتصرفاته وفي ممارساته مع الجماهير ويؤكد جيفارا ان حركة الجماهير داخل الحزب الثوري وخلال التقاء الحزب وتواصله المستمر مع الجماهير ستفرز أفضل الكوادر – مركزا على الدور الديناميكي الذي لابد ان يلعبه الكادر الثوري حيث يفترض ان يكون فى حالة تعاون خلاق ومثمر مع الجماهير والرفاق داخل الحزب .
وحمل جيفارا الطليعة الثورية للحزب الشيوعي الجهد الأول " يجب ان يقوم القادة بدورهم من دون انتظار لمكافأة مادية – ان الثوري الحقيقي ينقاد لمشاعر كريمة ويستحيل وجود ثوري أصيل من دون هذه الصفة ويضيف " يجب أن ترتفع طلائعنا الثورية إلى المثالية بحبها للشعب والقضايا المقدسة "
وفى خطابة الذي ألقاه فى اجتماع مع شبيبة الحزب الشيوعي الكوبي فى عام 1962 أكد أن الطليعة الثورية والشبيبة هما التنظيم الذي تتطلبهم الثورة للقيام بمهامها لما تتوافر داخلها من القدرة على البذل والعطاء وتقديم الجهد والتضحية في الدفاع عن الثورة عبر التنظيم الجيد الذي يحقق تحويل الأفكار والمبادرات إلى واقع ملموس ذاكر ا" ان الأفكار بلا تنظيم تفقد فعاليتها بعد لحظة الوثبة الأولى وتسقط شيئيا فشيئيا فى الروتين وفي النزعة التوافقية وينتهي بها الأمر إلى إن تصير مجرد ذكرى "
وأكد أيضا على عوامل وشروط للنهوض بالعمل الحزبي للطليعة الثورية ولشبيبة الحزب الشيوعي كوجود حالة من الجدل والحوار الديمقراطي لتبادل التجارب والأفكار بصورة مستمرة.
ويضيف جيفارا " يجب على الشباب الشيوعي ان يكون ذا حس مرهف بالواجب نحو المجتمع ومع أمثالنا من البشر ومع الناس فى العالم كله اين كان مبعث هذا الظلم يجب ان يتمرد على كل ما هو ظالم ". ولا ينسى جيفارا فى كلمتة التأكيد على الموقف الثابت من الأيمان والممارسة للبروليتارية الأممية والتضامن اللا محدود في سبيل عالم أكثر عدلا وحرية.
ويستشهد جيفار ببعض من عبارات " فيدل كاسترو " عن الماركسية " من قال ان الماركسية هي انعدم المشاعر الإنسانية الرفاقية – واحترام الرفاق – ان حب الإنسان هو الذي أوجد الماركسية فحب الإنسان والإنسانية والرغبة فى محاربة البؤس والظلم والعذاب والاستثمار الذي تعانيه الإنسانية هو الذي ولد الماركسية فى ذهن كارل ماركس "
ويوضح جيفارا ان الشيوعي الحقيقي هو الذي انضم للحزب الشيوعي ليكون كائنا إنسانيا حقا يترجم أفكاره من اجل الجماهير من عمال وفلاحين وفقراء من اجل محاربة الفقر والبؤس والاستغلال ومن اجل مناهضة الاستعمار والهيمنة وليخلق عالم بديل ويمضى فى الطريق لإشباع حاجات البشر وتمكينهم من إنسانيتهم ونفى الظلم عنهم عبر حركتهم الجدلية مع الحزب الثوري للمضي فى طريق التغيير الجذري الذي يضمن مشاركة الجماهير في الإنتاج والقرار والسلطة وخيرات الوطن.

التضامن الاممى في
فكر جيفارا
بلا شك ان جيفارا من أهم من رسخ مفاهيم التضامن الاممى والفكرة الأممية عمليا فقد كان يمارس هذا الفكر الأمميى بحسه المتدفق لتحرير كافة البشر من الاستغلال ولخلق عالم يبنية الفقراء والكادحين بأيديهم لذا كان جيفارا الأبرز و أهم الشخصيات التي رسخت هذا المبدأ، عشق الترحال بعثا عن الثورة وتفجيرا لها مهما تعاظمت المصاعب وحتى حين تستحيل الاماني ، حتى ان الحزب الشيوعي السوفيتي اعتبرة رجل من طراز خاص ،كما لا يمكن إنكار دور جيفارا فى عقد مؤتمر الثلاث قارات والذي عبر عن حركة التحرر المتصاعدة فى أفريقيا واسيا وأمريكا اللاتينية .
رحل جيفارا من الأرجنتين الى كوبا و ذهب الى بوليفيا وتشيلي والكونغو وكولومبيا وغوايتمالا ومصر والجزائر وحاول تدعيم أواصل التعاون مع كل حركات التحرر الوطني والجبهات والقوى التي تواجه الاستعمار بجميع أشكاله واكد جيفارا على الدور الاممي الذي لابد ان تلعبة اي قوى ثورية حيث يقول " اذا فقدنا حماستنا بعد ان تحقق المهام الملحة على النطاق المحلي واذا نسينا الأممية البروليتارية – كفة الثورة عن ان تكون محركا ونغرق في خمول صريح يستفيد منه أعداؤنا الامبراليون ، ان البروليتارية الأممية واجب .
يوكد جيفارا على البعد الاممي من منطلق الضرورة ومن قبل الضرورة من منطلق يؤمن بالإنسان – حيث يقول – يجب ان نناضل كل يوم ليتبدء هذا الحب الانساني فى وقائع ملموسة .
كان يرى جيفارا ان انطلاق شرارة الثورة فى بلد ما ، ما هي إلا خطوة لتحرير البشرية جمعاء وان نضال شعب ماء هو سهم موجة الى القوى الاستعمارية التي تستغل الشعوب
يقول جيفارا فى مقالة "فيتناميين أو ثلاثة ذلك هو الشعار " – ان عملنا كله صرخة حرب ضد الامبرالية ونداء مدو لوحدة الشعوب ضد العدو الكبير للجنس البشري " حينما نتأمل عبارات جيفارا انني أحس على وجهي بألم كل صفحة توجه على مظلوم في الدنيا أينما وجد الظلم فهذا هو وطني نعي جيدا كيف كان جيفارا منتميا لشيء واحد هو الإنسان - تبني الماركسية وامن بالاشتراكية العلمية مدافعا عن البشر وعشق الترحال من اجل الجماهير المستغلة مؤمنا بها محاربا من اجلها طامحا دوما بان تكون تلك الجماهير قادرة على تحرير نفسها مكن نيل الاستغلال وان تدفع المقصلة عن رقبتها لتضعها على روس القوى المستغلة والاستعمار
ببساطة يعلن جيفارا عن انتمائتة قائلا " انني انتمى إلى الجموع التي دفعت قهرها هرما – أنا انتمى إلى الجياع ومن سيقاتل يؤكد جيفارا موقفة الاممى أيضا فى مقالة له ألقيت فى هافانا سنة 1962 فى ذكرى استشهاد احد مناضلى كوبا حيث يقول " مادام فى أمريكا أو ربما اى مكان أخر شر ينبض قهرة وخطا يجب تقويمة فان الثورة لن تتوقف، ان عليها ان تتابع مسيرتها إلى الإمام وان تتعرف بعمق على جميع المشاكل وأعمال الاضطهاد فى هذا العالم الذي نعيش فيه ان عليها ان تحس بألم الشعوب التي رفعت راية الحرية ضد عسف القوى الاستعمارية هناك أيضا فى أفريقيا واسيا وكل مكان يمتشق فية شعبا السلاح ويحفز للنضال ويردد القادة الوطنين فيه شعارات الحرية ضد الظلم الاستعماري .
"ويضيف المسؤولية الملقاة على قوى التحرير " ان شعبنا واجه الامتحان الذي واجه شعبا لا يمكن ان يقف لا مباليا أمام اى ظلم فى اى مكان فى العالم ويطلق جيفارا الأمل الثوري فى تحرير الشعوب ويؤكد على الطابع التقدمي لحركة التاريخ وان تعطلت أو خسرت الشعوب في نضالها بعض المعارك كما حدث مع " باتريس لو لومبا "ولكنة يؤكد فى ذات الوقت "استحالة وقف تقدم الشعوب "
وبعد انتصار الثورة وتحديدا فى مقالة عن فيتنام يقول جيفارا "كل شعب يباشر نضاله يبدأ كذلك فى حفر قبر للإمبريالية ويجب ان ينال منا كل مساعدة وكل أعجاب "
هكذا كان مؤمنا جيفارا بعالمية الثورة مساندا لكافة القوى التحررية وكافة الشعوب التي تواجه الحلف الاستعماري فنجدة يتجول فى مقولاتة ما بين الجزائر والكنغو والصين وفيتنام وكوريا والجزائر مساندا موجة التحرر الوطني وراسما خط تكون فيه قوى التحرر نقاط ممتدة ومتصلة المواجهة الخط الاستعماري بقيادة أمريكا وحلفائها .
موجها نقد لأمريكا والدول الرأسمالية التي تسعى دوما للسيطرة على الأسواق فى المؤتمر العالمي للتجارة والتنمية بجنيف والذي عقد فى 23 مارس 1964 أشار جيفارا فى نهاية كلمته " ستنصرف جهودنا إلى وحدة بلدان العالم النامية لتكون جبهة موحدة إننا نضع أمالنا كلها فى أنجاح هذا المؤتمر وسننضم بحرارة إلى الفقراء فى هذا العالم واضعين قوانا الضعيفة كلها فى خدمة انتصارها.
وفى خطابة أمام الأمم المتحدة فى الدورة التاسعة عشر يوجه جيفارا التحية لكل الشعوب المناضلة وجنوب أفريقيا والصومال والشعوب العربية فى فلسطين وعدن وعمان وجميع الشعوب التي تكافح الامبرالية، وفى ذات الخطاب يهاجم الولايات المتحدة الأمريكية والقوى والاستعمارية ونهجها الاستعماري فيتحدث قائلا " وتتدخل قوات الولايات المتحدة تدخلا ملموسا فى قمع الشعوب – فنزويلا وكولومبيا وجواتيمالا التي تناضل فى سبيل حريتها وتمارس الشركات الأمريكية التي حملت فيها جميع أنواع الضغوط لزيادة التغلغل المباشر.
وفى مقولة له أيضا يؤكد على ليس هناك ثمة شعوب ضعيفة إذا وجد التضامن الاممى الحقيقي ويؤكد انه لا عزل للشعوب التي تناضل لتكون جبهة واحدة ضد الامبرالية ويتحدث جيفارا قائلا " لا يوجد شعب ضعيف – فى أمريكا – لأنة جزء من عائلة تعددها مائتين مليون طفل يتألمون من البؤس ذاته ويحسون بمشاعر ذاتها ويعادون العدو ذاتة ويحظون بتضامن من جميع الشرفاء فى العالم. وكانت فكرة الأممية دوما محط تركيز من جيفارا فلم يخلو خطاب أو مقال من مقالاتة من طرح الموقف الاممى، لقد طرح تشي فى خطابة حول الحزب الماركسي أراء متعلقة بمسؤوليات ووجبات الحزب الشيوعي والتي كانت الأممية احد أركان هذه المهام والمسؤوليات فيتحدث قائلا " لا يمكن أن يقتصر عملنا على أطار أمريكا والبلدان الاشتراكية – يجب ان نمارس الأممية البروليتارية الحقيقية – مؤكدا هنا على أن اى إهانة أو اعتداء على دولة ما لابد أن يوضع كهم لكافة الشيوعيين ويضيف جيفارا "" ان اى فعل يتنافى مع كرامة الإنسان وسعادته فى اى مكان فى العالم – لابد أن نكون مهتمين به.

* البحث جزء من كتاب بنفس العنوان صدر عن دار العالمية للنشر فى كانون الاول 2008
المصادر:
الإنسان والاشتراكية في كوبا مقاله لتشي جيفارا نشرت فى 1967.
الطب الثوري مقالة ألقاها تشي جيفارا 19 أغسطس 1960 للميليشيا الكوبية-ترجمه دينا ابو المعارف .
ومقالات أخرى لتشى "ضد البيروقراطية " "جيش الشعب"
بعد انتصار الثورة...........ارنستو تشى جيفارا – ترجمة فؤاد أيوب- دار الفارابي
احلامى لا تعرف حدود ...... روس فلوف – - دار الفارابي
جيفارا سيرته وكتاباته وحياته .... مجموعة مقالات نشرت فى جريدة الغرانما جريدة الحزب الشيوعي الكوبي ترجمها حسن فخر سنة 1968- دار الطليعة بيروت.