عبد المجيد الشاوي.. وزيراً ظريفاً ومسؤولا عفيفاً (1852-1927)

عبد المجيد الشاوي.. وزيراً ظريفاً ومسؤولا عفيفاً (1852-1927)

د. حميد مجيد هدو
من الشخصيات التي لم تعط حقها في التدوين وذكر سيرتها وابراز معالم شخصيتها هو الشخصية البغدادية الفكهة عبد المجيد الشاوي الذي يتداول الناس نكاته وظرفه ومقالبه.

ولد هذا الظريف الاديب في بغداد من عائلة معروفة جل ابنائها من الزعماء والامراء والفضلاء والادباء والمشايخ وقد ذكرته بعض المصادر واصفة اياه بالوزير المتندر والاديب المتأدب والشاعر المقل والكاتب الجرئ والمفكر الحر.
اختلف المؤرخون في تاريخ ولادته فبعضهم اثبته سنة 1862 وما اثبتناه هو ان عبد المجيد فتح عيونه على مجلس ابيه اليومي يصغي ويتعلم فافاد منه الكثير من حواد الايام وما جرى على الناس من ماس في الازمنة السابقة وما حدث في المجتمع من احداث وكذلك افاد الكثير من مجالس اعيان بغداد التي كان يحضر الكثير منها ويسمع ما يدور فيها من احاديث اجتماعية وادبية اصبحت بمرور الايام تؤلف خزينا معرفيا لا يستهان به خلقت منه شخصية بغدادية متميزة هذا اضافة الى ما تعلمه في الكتاتيب ثم من علماء عصره وادباء زمانه امثال على الخوجة، وعبد الحميد الشاوي.
ساهم في تحرير جريدة الزوراء في العهد العثماني ولما اشتهر وعرف بين اوساط المجتمع البغدادي. صدر امر تعيينه عضوا في مجلس (المبعوثان) باسطنبول ممثلا عن العمارة احدى مدن العراق الجنوبية.
استمرت عضويته لدورتين (1912-1918)، وفي سنوات الاحتلال البريطاني للعراق شغل منصب رئيس بلدية كرخ بغداد عام (1919) وظل في هذا المنصب حتى تالفت الوزارة النقيبية الاولى في 27/10/1920 بامر من البريطانيين وبحكم صلته بالسيد عبد الرحمن النقيب الذي اختاره المحتل رئيسا للوزراء. عينه النقيب وزيرا بلا وزارة اي وزير دولة مع آخرين في وزارته الاولى التي لم تدم طويلا.
وظلت صلاته قوية مع عبد الرحمن النقيب وحضوره مجلسه باستمرار في الحضرة الكيلانية.
ومن نكات الشاوي الظريفة التي تروى عنه، انه مرة ساله احد زملائه من وزارة الدولة الذين لم تسند لهم حقيبة معينة عن السر في ان راتب وزير الدولة يساوي نصف راتب الوزير الذي يشارك في حقيبة وزارة معينة. فكان جواب الشاوي للسائل: انه مطابق لحكم الشرع الشريف (وللذكر مثل حظ الانثيين).
وبعد تولي فيصل بن الحسين حكم العراق اختير عبد المجيد الشاوي متصرفا للواء الدليم (محافظة الانبار) سنة 1922، وفي عام 1924 انتخب نائبا في البرلمان العراقي ممثلا للواء الكوت ثم نائبا عن لواء الدليم (1925). وفي عام 1927 اختير عضوا في مجلس الاعيان وهي السنة التي رحل فيها عن هذه الدنيا بسبب المرض الذي الم به.
اشتهر المترجم له بسرعة البديهة والظرف والنقد اللاذع والاشارة البليغة والتوفد الذهني وحضور النكتة. يروي اخباره يوسف غنيمة وامين الريحاني وحسين حاتم الكرخي وغيرهم. وانني اعتمدت في هذه الدراسة على ما دونته اقلامهم عن هذه الشخصية المتميزة وما تناقلته الاجيال والرجال الذين عاشوا في زمانه وتعلقوا باخباره.
يروى انه ذات مرة وفي المجلس النيابي جرى التصويت على قضية من القضايا فكانت الاغلبية قد صوتت بالموافقة فلما جاء دوره كان جوابه (منافق) بينما الاخرون قالوا (موافق).
ومرة جاءه موظف مفصول من وظيفته مستعطفا اياه طالبا ان يتوسط له عند الوزير الذي فصله من الخدمة في وزارة المالية فلما تحدث مع الوزير بشان اعادة هذا الموظف المفصول اجابه الوزير بعدم الموافقة، لان قرار الفصل قد اتخذ بحقه بسبب رشوة قد اتهم بها فما كان من (الشاوي) وهو الناقد اللاذع الا ان قال للوزير: يا معالي الوزير يفصل هذا الموظف بسبب الرشوة؟؟ اذن ارجوك الاسراع باعادة تعيينه في وظيفته الصغيرة لئلا يعلموا به فيعينوه وزيراً!!
ويروي امين الريحاني في كتابه ملوك العرب ان الشاوي كان احد اربعة ممن يكفرونهم في العراق وهم: الزهاوي والرصافي وكاظم الدجيلي ومترجمنا، ويصف عبد المجيد الشاوي بانه من القلائل الذين يعطون المنصب اضعاف ما ياخذون منه فيخلصون الخدمة، يعدلون ويصلحون ولا يكون جزاؤهم غير جزاء من لايعدل ولا يصلح بل اقل، يبذلون من قواهم ومواهبهم خيرها ويخرجون من دار الحكومة والفقر بشيعهم الى البيت النزاهة ترافقهم وتلزمهم دائما.
وفي رواية لأمين الريحاني انه يشبه عبد المجيد الشاوي بالسياسي الفرنسي كليمن في صورته وذكائه المتاجج وسلوكه المتواضع الشاذ وقد تكون صورة الاسد في وجه الشاوي اظهر من صورة النمر – على حد تعبير الريحاني – إلا انه في صوته لا يزمجو
وفي اجتماع مع امين الريحاني في احدى حفلات الملك فيصل الاول ان قال للضيف الريحاني : (انت ابن المعري وانا ابن الخيام والاثنان اخوة ليس في الانساب اشرف من هذا النسب:
واذا انتسبت وقلت اني واحد من خلقه فكفى بذاك تنسباً
اراد المعري بقوله من خلق الله ونحن فكرا ومبدءاً من خلقه اي من خلق المعري، فقال احد الحضور ولكن المعري كان متقشفا الى حد النسك، فاجاب عبد المجيد الشاوي على الفور: لزوم ما لايلزم ونحن كذلك ننقشف الى حد الاضطرار.
فقال آخر: والمعري يذم بنت الحان، فاجاب الشاوي الذي امسى نقطة الدار: والخيام يمدحها وهي تستحق الاثنين الذي ينقص المعري يكمله الخيام هما خير الرسل رسولان صادقان كريمان سويان – فبأي الاء ربكما تكذبان – وقد برهن الشاوي بذلك في تلك الجلسة على انه اتباع الاثنين الصادقين.
كان الشاوي ينظم قليلا من الشعر ولم يكن شاعرا بالمعنى الاجمالي الدقيق ولكن ينظم عفو الخاطر فتأتي ابياته متوازنة رقيقة، لانه صاحب حس شعري مرهف وكان يفضل الكلمة المقولة على الكلمة المكتوبة مثل سقراط.
كانت له وجهات نظر تختلف عما يتداوله المؤرخون والخطباء والوعاظ امثال: الرق وحرية المرأة وحروب المسلمين ولا اريد ان ادخل في صميم هذه الحوادث والاحداث وله رأي خاص بواقع المسلمين اليوم وما آل اليه من تراجع وتخلف عن ركب الامم المتحضرة والمتقدمة وما هي الاسباب والمسببات وطريقة معالجتها.