تاريخ الحزب الشيوعي العراقي في كتاب جديد

تاريخ الحزب الشيوعي العراقي في كتاب جديد

عرض: رفعة عبد الرزاق محمد
لاريب ان الدراسات الاكاديمية العليا التي تناولت تاريخنا الحديث، وما تيسر منها للنشر والذيوع قدمت للمكتبة التاريخية العراقية فوائد كبيرة. ولعل السبب في تميز هذه الدراسات عن الكتب الاخرى يكمن بمستلزمات انجازها وخضوعها الى منهج علمي صارم، يستمد قوته من الاساتذة المشرفين على تلك الاطاريح، واغلبهم لهم باع طويل في الدراسات التاريخية والاكاديمية.

ومن مستلزمات البحث فيها الوقوف على الوثائق المتفرقة في مراكز حفظ الوثائق وغيرها، كما ان لقاءات طالب الدراسات العليا بعدد من كان في قلب الاحداث التاريخية، يضيف الى بحثه اهمية وحيوية، فضلا عن الحيادية التامة المفروضة على الباحثين،واغلبهم من الشباب الواعد ممن لم يدرك تلك الاحداث او صناعها.
ومن تلك الدراسات التي صدرت قبل ايام،كتاب (الحزب الشيوعي العراقي، من اعدام فهد حتى ثورة تموز 1958)، وهو في الاصل رسالة الماجستير المقدمة الى قسم التاريخ في كلية الاداب في جامعة بغداد، من قبل السيد سيف عدنان القيسي. وربما جاء هذا الكتاب اكمالا لرسالة الدكتوراه التي قدمت قبل سنوات عن تاريخ الحزب الشيوعي العراقي منذ تاسيسه حتى عام 1949. اعتمد الباحث على مصادر متنوعة، منها ملفات وزارة الداخلية ودوائره الامنية (الشرطة العامة، التحقيقات الجنائية، الامن العامة) ووثائق عدد من الوزارات الاخرى، واغلب ماكتب عن هذه الفترة المهمة من تاريخ العراق الحديث من وثائق الاحزاب السياسية والاطاريح الجامعية والمطبوعات الحكومية وكتب المذكرات الشخصية والكتب العامة، اضافة الى الدوريات المختلفة الصادرة في فترة البحث، واللقاءات التي اجراها الباحث مع عدد من الشخصيات السياسية والحزبية المشاركة باحداث تلك الفترة او العارفة باسرارها وحيثياتها. ثم ألحق الكتاب بمجموعة نادرة من صور الشخصيات الشيوعية الرائدة.
تناول الفصل الاول من الكتاب بدايات الفكر الاشتراكي في العراق وبواكير التنظيم الشيوعي حتى وصول الشهيد يوسف سلمان يوسف الشهير بفهد الى قيادة الحزب الشيوعي العراقي، واستعراض مواقف الحزب في اثناء الحرب العالمية الثانية، وصلته بالحركة الشيوعية العالمية، وعقد الكونفرنس الاول للحزب عام 1944 ثم مؤتمره الاول في السنة التالية. كما تضمن هذا الفصل مواقف الحزب بعد انتهاء الحرب ومشاركته في انتفاضة 1948، وانتهى بالهزة العنيفة التي واحهها الحزب باعتقال قياداته واعدام زعيم الحزب وعدد من رفاقه في شباط 1949.
اما الفصل الثاني، فقد درس مسيرة الحزب الجديدة، بعد اعدام فهد ورفاقه، وتغير قياداته لعدة مرات، وما ادى ذلك الى تشرذم الحزب، او تفرد بعض قياداته، واستمرار ملاحقة السلطة له واعتقال اعضائه وتقديمهم للمحاكمة، ورغم هذا، لم يفت في عضد الحزب فأستمرت انشطته الوطنية والمهنية، ودعمه للاحزاب الوطنية الاخرى في الجولات الانتخابية، وايمانه بمبدأ الجبهة الوطنية، لقد كرس الفصل الثاني من الكتاب مسيرة الحزب بين عامي 1949 و1953 باعتقال قيادته الجديدة، ومواقفه من القضايا الوطنية. كما تضمن واقع السجناء الشيوعيين في السجون والمعتقلات ولاسيما سجن نقرة السلمان وانشقاق جماعة راية الشغيلة ودوره في انتفاضة 1952.
وفي الفصل الثالث تناول الباحث نشاط الحزب من عام 1953 حتى عام 1955، عندما تولى الشهيد سلام عادل قيادة الحزب. فتحدث عن قياداته وحادثتي سجن الكوت وسجن بغداد عام 1953 ومشاركاته الفاعلة في الاضرابات العمالية وانتفاضات الفلاحين العديدة، ومواقفه من سائر الاحداث السياسية التي وقعت في فترة هذا الفصل.
وفي الفصل الرابع والاخير، فصل الباحث الحديث عن قيادة الرفيق حسين الرضي (سلام عادل) وتوحيد الفصائل الشيوعية وصدور جريدة مركزية سرية جديدة للحزب باسم (اتحاد الشعب)، وتضمن الحزب مواقف الحزب من التطورات الداخلية والخارجية من عام 1956 حتى قيام ثورة الرابع عشر من تموز 1958 كاحداث السويس عام 1956 وانتفاضة النجف والحي، وموقفه من الوزارات الاخيرة في العهد الملكي. كما تضمن علاقة الحزب بتنظيم الضباط الاحرار والاستعداد للثورة.
واخيرا، كتب الاستاذ المشرف على الرسالة الجامعية التي تالف منها الكتاب المعروض في هذه السطور (الدكتور اسامة الدوري) في مقدمته:
علي الاعتراف هنا ان الكتابة عن هذا الموضوع يعد امرا شائكا ومعقدا، لانه لايروق للبعض حتى في زمن رفعت فيه بيارق الديمقراطية، متناسين ان للحزب الشيوعي العراقي دورا مهما وليس هامشيا في الحركة الوطنية العراقية وان الكتابة عن تلك المرحلة من تاريخ الحزب الشيوعي يمثل صفحة من صفحات تاريخ العراق المعاصر لايمكن اغفالها او اهمالها، كما تفرضها منهجية البحث العلمي، ومن هنا تكمن اهمية الدراسة التثي قدمها الباحث القدير سيف عدنان واصراره على مواصلة الكتابة عن هذا الموضوع. وعلى الرغم من كل السيوف التي رفعت بوجهه فقد حمل قرطاسه وقلمه باحثا عن الحقيقة وما يمليه عليه منهج البحث التاريخي اذ كان يجوب مدن العراق المختلفة واحياء بغداد الملتهبة بالحرب الطائفية البغيضة باحثا عن شيوعي لفه زمن النسيان ليأخذ منه توضيحا اويسد فراغا في بناء موضوعه. سألت سيفا في بداية اشرافي العلمي على رسالته، هل انت شيوعي؟ فاجاب بالنفي وكرر نفيه عندما سألته ان كان يكره مباديء الحزب الشيوعي وتاريخه. وكان هدفي من سؤالي التثبت من اني اشرف على رسالة علمية اكاديمية لاتلفها الاهواء والامزجة...