جعفر أبو التمن يقود حملة لمقاطعة شركة الكهرباء الأجنبية 1932

جعفر أبو التمن يقود حملة لمقاطعة شركة الكهرباء الأجنبية 1932

د. محمد حسين الزبيدي
منحت الحكومة العثمانية محمود الشابندر امتياز تنوير بغداد بالكهرباء وتاسيس مصلحة للتراموي لنقل الركاب، كان ذلك بتاريخ 12 اذار 1912 وقد شكل محمود الشابندر شركة لهذا الغرض وصادقت وزارة التجارة العثمانية على امتيازها في سنة 1914 . ولكن اعلان الحرب العالمية الاولى في ذلك الوقت عطل تنفيذ القرار.

ولما تشكل الحكم الوطني في العراق طالب صاحب الامتياز من الحكومة العراقية اقرار الامتياز فوافق مجلس الوزراء في 27 تشرين الاول 1921 على اعتبار الامتياز الممنوح للشركة قانونيا وطلب مجلس الوزراء من وزارة التجارة درس المسائل واقتراح تعديل الامتياز المذكور بصورة تتفق مع المصلحة العامة.
وعلى هذا الاساس اعيد النظر في امتياز محمود الشابندر ودامت المفاوضات والمشاورات حوالي سبع سنوات ولكن الطرفان لم يتفقا على صيغة معينة وعلى هذا تقرر احالة الموضوع الى وزارة المستعمرات البريطانية لتقول كلمتها الاخيرة .
وقد نظمت وزارة المستعمرات مقاولة اخيرة ولما عرضت على مجلس الوزراء العراقي اصابها بعض التعديل وكان اهم ما جاء فيها انها تستمر لمدة(50) سنة من تاريخ صدور القانون الخاص بها، وعند انقضاء مدة الامتياز تصبح جميع المؤسسات والماكنات ملكا للحكومة بلا بدل، كما نصت على شراء الشركة الجديدة مشروع الكهرباء الذي اقامته السلطات البريطانية في بغداد بعد الاحتلال بمبلغ 25 مليون باون ، كما حددت اجور الوحدة الكهربائية بـ28 فلسا كحد اعلى وان تكون وزارة الاشغال والمواصلات العراقية شريكة مع الشركة في الارباح.
وقد وقعت هذه الاتفاقية من قبل الحكومة العراقية والشركة في 2 حزيران 1928 وعرضتها على المجلس النيابي في 20 ايلول 1928 لمناقشتها .
وقد اعترض جعفر ابو التمن مع عدد من النواب على استمرار الاتفاقية لمدة خمسين سنة من سنة 1928 وطالب باستمرارها للمدة المذكورة من سنة 1912 وكذلك اعترض على تحديد الحد الاعلى بـ(28 فلسا) وطالب بتوزيع الامتياز القديم على النواب للمقارنة بينه وبين الامتياز الجديد . وقد ايده في ذلك نائب بغداد محمود رامز وقد رد عليه عبد المحسن شلاش وزير الاشغال والمواصلات بان جعل مدة الامتياز من تاريخ عقده هي تحت البحث،اما الاجور فانها حد اعلى للسعر وهو احتياط نظرا لما يحتمل ان يصيب الشركة من خسارة اثناء المدة وليس المفروض ان تتقاضى الاسعار في الحد الاعلى كما اعتبر ذلك للترغيب في ادخال رؤوس الاموال الى الشركة ، كما اوضح الوزير ان للحكومة الحق خلال خمس سنين ان تعيد النظر في هذه الاجور.
وقد وضع جعفر ابو التمن امام مجلس النواب اقتراحين :-
اولهما : ان لايزيد سعر الوحدة المستهلكة عن 20 فلساً للاستهلاك الشخصي ولا يزيد عن نصف ذلك للاستهلاك الصناعي والبلديات والجوامع والدواوين الحكومية والمدارس والمستشفيات .
وثانيهما:- تخصيص الارباح لامانة العاصمة بدلا من الحكومة
ولكن اقتراحاته لم تلقَ الموافقة من المجلس ولما عرضت لائحة الامتياز للتصويت وافق عليها 58 نائباً وخالفها 9 نواب بينهم جعفر ابو التمن وتغيب 20 نائباً عن الجلسة.
باع محمود الشابندر امتيازه الى شركة انكليزية بلجيكية وكان اول عمل قامت به الشركة الجديدة هو التخلص من مشروع (الترامواي) باعتباره يستنزف جزءاً كبيراً من ارباحها التي تحصل عليها من التنوير الكهربائي فطلبت من الوزارة العراقية الموافقة على رفع مشروع الترامواي وادعت ان شوارع بغداد ضيقة لا تسمح بمد خطوط السكك عليها..
فوافقت وزارة نوري السعيد الاولى على طلب الشركة وعرضت التعديل على المجلس النيابي في 1931 فوافق على هذا التعديل بالرغم من ان اللجنة الاقتصادية في المجلس دفعت تقريراً طالبت فيه بتخفيض الحد الاعلى لاجور الوحدة الكهربائية في مقابل رفع مشروع الترامواي الذي يتطلب مصاريف باهضة، وعلى هذا بقيت الشركة مقتصرة على التنوير فقط وصارت تستوفي 28 فلساً عن كل وحدة كهربائية..
كان ما تاخذه شركة الكهرباء عن اجور الوحدة الكهربائية مرتفعا بالنسبة لمستوى المعيشة ومعدل دخل الفرد في ذلك الوقت وعليه فقد شعر المواطنون في بغداد بارتفاع هذه الاجور خلال الازمة الاقتصادية التي تعرض لها العالم في سنة 1929-1930.واستمرت لسنوات عدة وقد تعرض لها العراق شأنه شأن بقية الاقطار الاخرى ، فسادت البطالة وهبطت اسعار المحاصيل الزراعية هبوطا كبيرا، وارتبك وضعه المالي الامر الذي اضطر الحكومات المتعاقبة الى تنزيل بعض الرسوم وتخفيض الكثير من الضرائب والاجور لتخفيض تلك الازمة .
انتشرت الدعوة لتخفيض اسعار الوحدة الكهربائية اسوة ببقية البضائع بناء على ما يعانيه المواطنون من ضيق بسبب الازمة الاقتصادية . وقد لاقت هذه الدعوة ترحيباً وتجاوباً حاراً بين الاوساط العمالية التي شعرت اكثر من غيرها بوطأة هذه الاسعار في هذه الازمة الاقتصادية . فسارعت جمعيات العمال الى تبني الدعوة لاسيما وان الاحزاب السياسية لم تكن بوضع يمكنها من اخذ زمام المبادرة فالحزب الوطني قد اصابه الضعف بسبب اعتزال معتمده جعفر ابي التمن ، وحزب الاخاء الوطني قد اصابه التصدع بسبب التناقض الذي وقع بين الشعارات التي رفعها حينما تآخى مع الحزب الوطني بتعديل معاهدة 1930 وحل البرلمان الذي ابرمها، وخلو منهاج الوزارة التي تالفت في 10 اذار 1933 من هذه الشعارات ما اثار انقسامات بين صفوفه، اما حزب العهد فهو حزب ضم عدداً من محترفي السياسة فلم يكن بوضع يسمح له ان يتبنى هذه الدعوة .
اخذت نقابات اتحاد العمال تعقد الاجتماعات لجمعيات العمال لدراسة هذه القضية مطالبة الشركة بتخفيض اجور الوحدة الكهربائية وقد استفادت النقابة من المادة (46)من الامتياز الممنوح لشركة الكهرباء والذي يخول الحكومة المطالبة بتعديل الحد الاعلى من الاسعار بعد اليوم العاشر من تشرين الاول 1933 اي بعد مرور خمس سنوات وكانت نتيجة هذه الاجتماعات ان وجه محمد صالح القزاز المعتمد العام لنقابة اتحاد العمال كتابا الى وزير الاقتصاد والمواصلات ووزير الداخلية ومدير شركة التنوير والكهرباء في بغداد في 3 تشرين الاول 1933 بين فيه ان شركة التنوير الكهربائي لاتزال تتقاضى الاجور الباهضة التي لاتتناسب وحالة الشعب الراهنة بالرغم من كثرة الطلبات التي قدمت اليها وطالب الكتاب من وزير الاقتصاد والمواصلات بذل الجهود لارغام الشركة على تنزيل اثمان الوحدات الكهربائية التي تتقاضاها ، واعلام النقابة بما توصلت اليه الوزارة في هذا السبيل لكي تقوم النقابة وبقية جمعيات العمال والاهلين ، ان لم تنزل الشركة عند رغبتهم الى تكوين راي عام لمقاطعتها وارغامها على الاستجابة لطلب الاهلين وتنزيل ما تتقاضاه الى درجة تتفق وقلة الكسب الحالي .
وفي 11 تشرين الاول 1933 دعت نقابة اتحاد العمال ممثلي الجمعيات والاصناف وارباب المهن لعقد مؤتمر عام وتأليف مجلس النقابة الاعلى وتحديد موعد للقيام بتكوين راي عام لمقاطعة الكهرباء في بغداد ان لم تخفض الشركة السعر الى درجة يرتاح لها الاهلون وقد اسفر هذا المؤتمر عن انتخاب مجلس للنقابة برئاسة محمد صالح القزاز كمعتمد عام ، واخذ المجلس الاعلى يواصل اجتماعاته ، فقرر في 31 تشرين الاول 1933 القيام ببث الدعاية لتكوين راي عام للمقاطعة ، ووضع هذا القرار موضع التنفيذ فشرع يدعو مختاري محلات بغداد وارباب المصالح لتأليف لجان فرعية تقوم بالدعاية لهذه الفكرة .
ووزع المجلس في 4 تشرين الثاني 1933 ، منشورات تحث الاهلين على الاستعداد والتهيؤ للمقاطعة وقد بدأ اصحاب المقاهي والفنادق والمطاعم بشراء المصابيح النفطية واللوكسات والفوانيس استعداداً لتنفيذ هذه الدعوة.
اسهمت الصحافة في ترويج فكرة المقاطعة ومساندتها وفي مقدمتها جريدة الاهالي التي كانت تعير قضايا العمال اهمية كبيرة ومما كتبته في هذا الخصوص تقول:
« لقد ظهرت النتائج السيئة لاعطاء المشاريع ذات النفع العام الى الشركات ، ومثال ذلك شركة الكهرباء الاجنبية التي تقوم بتنوير بغداد ، فقد كثر الاستياء من فداحة ما تستوفيه من اجور على وحدات الكهرباء، ولم تفعل الحكومة شيئاً يؤدي الى تحاشي هذه الشركة الازمة الاقتصادية. واعتبرت الجريدة تهاون الحكومة هو الذي دفع الشركة الى عدم اهتمامها لمطاليب جمعيات العمال.
وكذلك كتبت جريدة الاستقلال تحث الناس على مقاطعة الكهرباء حتى تستجيب الشركة الى طلبات الشعب، واعتبرت المقاطعة واجباً وطنياً ومشروعاً لانه يثار بذلك الى كرامته ومصلحته من شركة الكهرباء التي امتصت دماءه وهزأت منه. ودعت الشعب لتحديد موعد بدء المقاطعة .
اظهر الشعب العراقي استجابة كبيرة لهذه الدعوة وكان في مقدمتهم جعفر ابو التمن فقد قاطع الكهرباء قبل ان تعلن النقابة المقاطعة، فارسل كتابا الى مدير شركة التنوير والكهرباء لمدينة بغداد اعلن فيه استياءه من اصرار الشركة على عدم النزول عند رغبة المستهلكين للقوة الكهربائية في داره ومحله التجاري الى ان تستجيب الشركة لمطاليب الشعب . وصادف في الفترة ان زاره محمد الطريحي مع صادق كمونه الى داره لاداء القسم الحزبي وكان قد اضرب عن استعمال الكهرباء وكان يستخدم مروحة نفطية لمقاومة حر الصيف وكانت هذه المروحة تنفث من دخانها ما لايطاق وكان لعمل جعفر ابي التمن هذا اثر كبير فقد اقتدى به كثير من المواطنين لما له من منزلة اجتماعية في نفوسهم وما يعتقدونه من اخلاصه .
وكذلك تلقت الصحف برقيات عدة يذكر فيها موقعوها انهم قرروا مقاطعة شركة الكهرباء الاجنبية اقتداء بجعفر ابي التمن وتنفيذاً لقرارات المجلس الاعلى لنقابة اتحاد العمال.
استاءت الشركة من كتاب جعفر ابو التمن فردت عليه بكتاب خالٍ من المجاملة والذوق قالت فيه :
ان الشركة تأسف على قيامكم بهذا العمل الذي افسحتم به مجال المقاطعة وما كانت تظن بكم ان تقوموا بمثل هذا العمل .
ونتيجة للضغط الشعبي الشديد واستعدادات اهالي بغداد للمقاطعة حاولت الشركة اجراء تخفيضات طفيفة حسب الصلاحيات المخولة لها . ولكن نقابة اتحاد العمال رفضت هذه التخفيضات لانها غير مجدية وطلبت حضور مديرالشركة العام الى بغداد من لندن ليشرف على سير المفاوضات .
ارسلت الشركة الى مديرها العام تطلب حضوره الى بغداد فجاء المدير العام ولكنه لم يظهر استعداد الشركة لتخفيض اجور الكهرباء وظهر عدم جديته في المفاوضة اذ اعلنت الشركة انها تأسف لعدم استطاعتها في وضعيتها الحالية اجراء أي تخفيض في اسعار القوة الكهربائية فادى ذلك الى ضغط شعبي على المجلس الاعلى للنقابة بتحديد موعد البدء بالمقاطعة .
حاولت حكومة جميل المدفعي الاولى معالجة هذه القضية فاصدرت بيانا تضمن كشفا باجور الكهرباء في البلدان الاخرى المجاورة بمستوى اعلى من مستوى الاجور في بغداد واشارت الى ان الحكومة ما زالت تفاوض الشركة حول الاسعار وتأمل ان تتوصل الى اتفاق مرضي في القريب العاجل وهاجمت الحكومة في بيانها المطالبين بتخفيض الاجور ووصفتهم بانهم اشخاص اصحاب مصالح شخصية ومدفوعين بغايات خاصة، وحذرت الاهلين الانخداع بهم والسير ورائهم وهددت الحكومة ايضا بانها سوف تتخذ جميع الاجراءات والتدابير لحفظ النظام .
احدث هذا البيان ردود فعل كبيرة لدى الاهلين وقوبل باستياء شديد في الاوساط التي دعت للمقاطعة . فاصدر المجلس الاعلى لنقابة اتحاد العمال بياناً اعلنت فيه ان الاسعار التي نشرتها الحكومة غير صحيحة ومختلقة وان المؤسسات التي تتولى التنوير في البلدان الاخرى هي شركات اهلية في حين ان شركة الكهرباء في بغداد اجنبية وان بيان الحكومة هو دفاع عن شركة الكهرباء بينما يقضي واجب الحكومة ان تقف بمؤازرة الشعب في المطالبة بحقه او ان تكون محايدة على الاقل ، وان الاسعار التي نشرتها الحكومة هي اجور تستوفى على اساس وجود (الترامواي ) بجانب الكهرباء بينما شركة كهرباء بغداد معفوة منه
امام هذا الوضع حدد المجلس الاعلى لنقابة اتحاد العمال يوم 5 كانون الاول 1933 موعداً لبدء المقاطعة في بيان اصدره . اشار فيه الى التطورات التي صاحبت القضية ومعاناة الاهالي من ارتفاع الاسعار التي تستوفيها الشركة واصرارها وتعنتها امام المحاولات التي بذلت لتخفيضها بالرغم من ان الاسعار في البلدان المجاورة بل والالوية المجاورة اقل منها في بغداد وبالرغم من ان الحكومة تساهلت مع الشركة بحيث اعفتها من انشاء الترامواي لما يسبب لها من اضرار.
وفي الختام خاطب البيان الاهالي بقوله :
لقد قمتم منذ بدء الدعوة الى المقاطعة بما يسجل لكم بمداد الفخر والاعجاب.. والان نأمل منكم ان تكونوا كالبنيان المرصوص في العاصمة حيث الامة لا تستطيع ان ترجع حقاً اغتصبه الاجنبي الا بالتأزر والتضامن وهؤلاء اخواننا السوريون ، لما وجدوا انفسهم مغبونين من شركة الكهرباء لم يروا سلاحا اقوى من المقاطعة فثابروا عليها الى ان نزلت الشركة عند مطاليبهم .
وحدد المجلس مطاليبه بتخفيض سعر الوحدة الكهربائية بمبلغ لايزيد عن 14 فلساً واعفاء الاهلين في بغداد من اجرة مقياس الكهرباء العائد للشركة وان توضع التأمينات التي تاخذها الشركة من الاهلين في احد المصارف وتصرف فوائدها على الجمعيات الخيرية كافة.
وبعد نشر هذا البيان تلقى المجلس الاعلى لنقابة اتحاد العمال التأييد المطلق من ارباب المهن والاصناف وبعض النوادي والمؤسسات والشخصيات السياسية والنواب وعمت المقاطعة الفنادق والمقاهي.
حاولت الشركة ان تثني عزمهم عن المقاطعة باغرائهم باجراء بعض التنزيلات الخاصة بهم فقط..
اما الاحزاب السياسية فقد قاطع الحزب الوطني ونشر بيانا في جريدة الثبات اعلن فيه رأيه في ضرورة المقاطعة واوضح ان رأيه بانه لا يختلف عن رأي الجمهور المستمر بالشكوى من فداحة الاجور واستبداد الشركة الاجنبية بمقدرات المستهلكين واعلن الحزب استنكاره لتهاون المسؤولين وتجاهلهم في معالجة الموضوع .
وكذلك قاطع حزب الاخاء الوطني ولكن حزب العهد لم يؤيد عملية المقاطعة.
وقفت اكثرية الصحف البغدادية الى جانب المقاطعة واستمرت في حث الاهلين على القيام بها وكانت جريدة الاهالي في طليعة الجرائد حيث واكبت عملية المقاطعة يوماً بيوم . وكانت تؤرخها في صدر صفحتها الاولى بقولها المقاطعة في يومها الاول .....المقاطعة في يومها الثاني.....وهكذا في جميع ايام المقاطعة
وبعد ان استفحل الامر واشتدت المقاطعة حاولت الحكومة ان تتدخل بعد ان وقفت موقف المتفرج فاصدرت في 7 كانون الاول 1933 بيانا اعلنت فيه اتفاقها مع الشركة على تخفيض الاجور من 28 فلساً الى 26فلساً كما سعرت الوحدة الكهربائية بـ12فلساً بالنسبة للمحلات التي يزيد استهلاكها عن 50 وحدة شهرياً ولكن مجلس النقابة استهان بهذا التخفيض ودعا الاهالي الى الاستمرار في المقاطعة باعتبار انه تخفيض لا يعتد به لان البيوت والمحلات التجارية الصغيرة لا تنتفع من هذا التخفيض انتفاعا جزئياً لانها لا تستهلك وحدات كثيرة .
مضي مجلس نقابة اتحاد العمال يواصل مساعيه لحث الاهلين على المقاطعة فاستجابوا اليها استجابة تامة فخلت مقاهي بغداد ونواحيها وفنادقها وعدد كبير من دورها من المصابيح الكهربائية ووضعت مكانها المصابيح النفطية واللوكسات والشموع .
استاءت الحكومة من هذه العملية وموقف الصحافة فيها فاستدعى ملاحظ المطبوعات في 7 كانون الاول الى مكتبه الصحفيين وانذرهم وهددهم بانه بعد ان ذاعت الحكومة تخفيض اثمان الوحدات الكهربائية فانها تعتبر قضية الكهرباء انتهت وسوف تعطل اية صحيفة تكتب حول المقاطعة ، باعتبار ذلك اخلال في الامن .
لقد اعتبرت جريدة الاهالي هذا الانذار اهانة للصحافة واعترضت على موقف الحكومة الذي يعتبر دعوة الاهلين الى مقاطعة شركة الكهرباء الاجنبة اخلالاً بالامن العام. ولا تعتبر تعنت الشركة وعدم اهتمامها بطلبات الاهلين اجحافاً بحق المستهلكين الكثيرين الذين اتخذوا جميع السبل لان تخفض الشركة قيم الوحدات الى حد منصف فلم تفعل .
حاولت الحكومة ان تقاوم عملية المقاطعة هذه فاوعزت الى مديرية الاوقاف العامة ان تزود المساجد والتكايا بالمصابيح الكهربائية بدلا من اللوكسات والمصابيح الزيتية كما اوعزت الى امانة العاصمة الى تنوير بعض الشوارع الجديدة التي لم تكن منارة من قبل . تعويضاً لما اصاب الشركة من خسائر بسبب المقاطعة .
وقد لاقت اجراءات الحكومة هذه مقاومة عنيفة ، فقد احتج الخطباء في المساجد والجوامع ونظم المصلون مضابط تطالب بعدم استعمال الكهرباء في المساجد .
لم تجد نفعاً اجراءات الحكومة واستمرت المقاطعة فلجأت الحكومة الى استعمال العنف فطلب وزير الداخلية (ناجي شوكت) من متصرف بغداد القبض على محمد صالح القزاز وفي 25 كانون الاول 1933 القى القبض عليه وعلى ثلاثة من زملائه وغلق النقابة .
واحالتهم الى محكمة الجزاء فحكم عليهم بوضعهم تحت الرقابة لمدة ستة اشهر فارسلوا تحت الحراسة الى السليمانية ومكثوا هناك ثلاثة اشهر ثم صدر قرار محكمة التمييز بتخفيض العقوبة الى ثلاثة اشهر . فسمح لهم باختيار المكان الذي يريدونه عدا المكان الذي ترى الحكومة محذوراً من بقائهم فيه فاختاروا بعقوبة وبقوا فيها الى نهاية شهر اذار حين سمح لهم بالعودة الى بغداد .
وقد جرى تخفيض ثان بمبلغ فلسين ، كما توقفت الشركة من استيفاء المائة فلس من الذين لا يصرفون اقل من المبلغ المذكور شهرياً.