حسين علي الحمداني
التخطيط هو أحد أسباب تقدم الأمم، ولا يمكن أن يكون التخطيط ناجحا ما لم تتوفر له بيانات دقيقة تشكل قاعدة عريضة يمكن الاستناد إليها في صياغة الخطط. ويعرف الجميع بأن العراق ظل عقودا طويلة لا يعتمد في خططه التنموية على مراكز البحوث والدراسات
لأسباب عديدة في مقدمتها عدم وجود هذه المراكز أصلا من جهة، ومن جهة ثانية إن وجدت، فهي غير قادرة على تقديم المعلومات الواقعية الصحيحة وبالتالي كانت ما تسمى بخطط التنمية التي هي عبارة عن اجتهادات غير مدروسة تتعرض لانتكاسات كبيرة نتيجة عوامل كثيرة في مقدمتها استنزاف موارد البلد على التسليح والتصنيع العسكري بعيدا عن الخطط التنموية الصحيحة. وبعد التغيير الكبير في العراق بزوال النظام الشمولي وانفتاح العراق اقتصاديا على مختلف دول العالم باتت لمراكز البحوث والدراسات أهمية كبيرة في توجيه خطط التنمية بالشكل السليم والصحيح ووفق متطلبات الواقع العراقي وتقديم المعلومات الصحيحة التي من شأنها النهوض بالبلد نحو الأفضل. وتأتي أهمية مراكز البحوث والدراسات من خلال توجيه البحث العلمي لخدمة القضايا التنموية في البلد، مثل تأهيل الكوادر المحلية عملياً كباحثين ومساعدي باحثين، واستقطاب النخبة من الباحثين وتشجيعهم، وكذلك جذب التمويل الخارجي للأبحاث من خلال تسويق الإمكانيات البحثية والتشجيع على الاستثمار، وأيضاً مد جسور التعاون مع المؤسسات المحلية والدولية على هيئة عقود واستشارات بحثية وخدمات فنية. والعراق مقبل في نهاية تشرين الأول القادم على إنجاز عملية التعداد العام للسكان وما يشمله هذا التعداد من توفير قاعدة معلومات واسعة وكبيرة عن واقع الحياة في العراق من خلال المسوحات الكبيرة التي أنجزتها فرق التعداد منذ عام تقريبا. وتضاهي نتائج هذا التعداد في أهميتها الكثير من الدراسات النظرية والخطط المستوردة التي طالما طالعناها في الكثير من الصحف والمجلات المحكمة والتي لمسنا من خلالها عدم الواقعية في التشخيص والمعالجات. حيث إن واحدة من أبرز المخرجات الأولية لهذا التعداد سنكتشف حاجة العراق بصورة عامة إلى أن تركز خطط التنمية في الوقت الحاضر على مرفقين مهمين الأول قطاع التربية والتعليم الذي يعاني كثيرا في ميدان البنى التحتية من حيث عدد المدارس خاصة في مراكز المدن (الحضر) حيث نجد بأن هذه المدارس مكتظة وبأكثر من دوام وبعضها ثلاثي الدوام مما يربك سير العملية التربوية برمتها من حيث ضياع الوقت والجهد من جهة واستهلاك بناية المدرسة ومقاعدها الدراسية من جهة ثانية، ناهيك عن المشاكل الصحية الأخرى.
حيث يمكننا أن نكتشف من خلال الواقع بأن المناطق الحضرية تحظى بمدرسة واحدة لكل ألف عائلة وهذه نسبة كبيرة جدا بعكس الريف حيث نجد أن هذه النسبة تنخفض لتصل إلى 25 عائلة بمدرسة، وبالتأكيد هنالك أسباب مقنعة لهذا التفاوت في مقدمتها الكثافة السكانية من جهة وحملات بناء المدارس في العقود الماضية ركزت على الريف أكثر من مناطق الحضر، إضافة إلى توفر المساحات الكافية للبناء بعكس المدن الكبيرة والمتوسطة والتي لا تتوفر فيها الأرض بشكل يؤمن بناء مدارس جديدة. الجانب الثاني هو الجانب الصحي الذي يشتمل على محاور عدة في مقدمتها المراكز الصحية حيث تبدو عملية توزيعها جغرافيا هي الأخرى تعاني من خلل كبير حيث يمكن أن نحدد بأن لكل 50 ألف نسمة مركزا صحيا واحدا في مناطق الحضر أي مراكز المدن، وهذا يؤشر خللا كبيرا جدا خاصة في ظل الكثير من المشاكل الصحية التي تعاني منها المدينة العراقية منها مشاكل البيئة وتخسفات المجاري، بل وانعدامها في الكثير من المدن والضواحي، وتجمع النفايات في الأزقة لأيام معدودة دون إيجاد معالجات لها، وهذا ينعكس سلبا على الواقع الصحي، وهذه الظاهرة موجودة حتى في العاصمة بغداد.
لذا نجد بأن نتائج هذا التعداد المقبل تحتاج إلى دراسة واستنباط بعيدا عن الأرقام المشوهة التي أعتدنا سماعها في السنوات والعقود الماضية فالجميع يعرف بأن الغاية من التعداد ليست معرفة سكان العراق فقط، بل هي عملية مسح شاملة لمجمل الحياة في البلد، هذه التقارير التي عجزت مراكز البحوث والدراسات في البلد من الوصول إليها لأن هذه الدراسات لم تكن ميدانية بل مكتبية اعتمدت على استمارات قد تملأ عشوائيا وبالتالي نتائجها تكون غير واقعية.
وبالتأكيد فان نتائج التعداد هو الأكثر دقة خاصة وان من نفذ وسينفذ هذا التعداد جهاز مختص ولديه الخبرة الكافية في هذا الميدان.
ومن الناحية الاقتصادية ستكون واحدة من مخرجات التعداد العام معرفة عدد المنشآت الصناعية والمشاريع الزراعية سواء أكانت حكومية أم ضمن القطاع الخاص ومدى فعاليتها في دورة الاقتصاد العراقي.
وخلاصة القول إن التعداد العام للسكان والمساكن والمباني والحيازات الزراعية هو الأرضية الصلبة التي يمكن أن ننطلق منها في وضع خطط كفيلة قادرة على منح البلد قفزة كبيرة في مجالات حيوية ومهمة في مقدمتها الجانب الاقتصادي من حيث معرفة عدد العاطلين عن العمل ونسبتهم من سكان العراق، ومعدلات النمو السكاني ومقارنته بمستوى الخدمات والمنشآت سواء الصحية أو التربوية وغيرها من الأمور التي نحتاجها لتطوير بلدنا.