أولاً: إيقاف تداول أسهم شركة ما مدرجة في سوق العراق للأوراق المالية أمر إعتيادي إستكمالاً لحالات إجرائية أو إستحقاقات قانونية، وفترة التوقف مسألة وقتبة، كلما كانت أقل فهي أصلح، وهي محددة بتعليمات هيئة الأوراق المالية أقصاها فترة لاتزيد على أربعة شهور
من تاريخ انعقاد إجتماع الهيئة العامة للشركة في حالة إتخاذها قراراً بزيادة رأسمال شركتها. وبالإمكان زيادة المدة شهراً أو شهرين آخرين لأسباب مبررة.
قد تقرر سلطات السوق – لغرض حماية المستثمرين – إيقاف تداول أسهم شركة ما لمدة لاتزيد على خمسة أيام أو عشرة أيام أو أية مدة إضافية توافق عليها هيئة الأوراق المالية تبعاً لصلاحياتها الممنوحة لها بموجب القانون المؤقت لأسواق الأوراق المالية رقم (74) لسنة 2004، لكن الملاحظ أن هذا الإيقاف القسري الذي سمح به القانون لم يكن لغرض حماية المستثمرين وإنما إستخدم بديلاً لعقوبة ُتفرض على إدارات الشركات المقصرة في أداء واجباتها، فوقع العقاب على أداء السوق مع إلحاق ضرر بالمستثمرين، لأننا نعلم، كقاعدة، إن نشاط التعامل في سوق المال يعتمد على عدد الأسهم المتداولة، وبالتالي عدد الشركات المدرجة أسهمها فيه، فكلما زاد عدد الشركات المتداولة أسهمها نشط أداء السوق وأرتفع عدد الصفقات وحجم التداول وعدد المتعاملين، وإذا قلّ – كما في حالتنا – ضعف أداء السوق.
يشمل ما ورد أعلاه مدة إيقاف أسهم الشركة عن التداول لأسباب إجرائية إعتيادية التي كلما قلت فهو الأفضل. وعلى الرغم من أن أقصى فترة حددتها تعليمات الهيئة لاتزيد على أربعة شهور، نجد أن أسهم عدد من الشركات المتوقفة عن التداول لأسباب إجرائية لن تعود إليه إلا بعد فترة قد تزيد على السنة منها على سبيل المثال أسهم شركات (كركوك الإنشائية المتوقفة منذ 24/5/2009) و (الثرثار للإنتاج الزراعي المتوقفة منذ 21/6/2009) و (الصناعات الغذائية المتوقفة منذ 15/9/2009). من دون أن نعلم أسباب هذه الحالة، وهل هي مبررة أم تقصير، وإن كانت تقصيراً فهل إتخذت إجراءات فعالة وحاسمة لغرض منع تكرارها من قبل شركات أخرى؟
ثانياً: حالما يتوقف تداول أسهم شركة ما مدرج السوق يمتنع (مركز الإيداع العراقي) عن قبول إيداعها لديه من دون سبب أو مبرر قانوني، فالذي نعرفه أنه مادامت أسهم الشركة مدرجة في السوق فإن على مركز الإيداع قبول إيداعها لديه، وإن أمتناعه يتم فقد في حالة إلغاء الإدراج وليس إيقاف التداول، وإن الإيداع خلال فترة لا يؤذي أحداً، بل العكس هو الصحيح، إذ لا علاقة بين إيقاف تداول السهم وإيداعه في المركز وحتى تفعيله. فالمركز عادة يقبل إيداع أسهم الشركة المدرجة حديثاً والتداول بها لم يبدأ بعد، بل لا يفتح التداول ما لم يكن هناك عدد لا بأس به من الأسهم المودعة مسبقاً، كما إن المركز يدعو المتعاملين الى إيداع أسهم الشركة المتوقفة عن التداول قبل أيام عدة من عودتها إليه، أي أنه يقبل الإيداع في الفترة التي يكون فيها السهم خارج التداول.
فلماذا هذا التحكم والإصرار على حصر وقت فترة الإيداع في زاوية ضيقة مما يثير الشكوك؟ وكأن المقصود هو حرمان عدد من المستثمرين من الإيداع المبكر وتأخيره لصالح غيرهم الذين سيتاح لهم المجال لبيع أسهمهم في الجلسات الأولى لعودتها الى التداول التي تكون أسعارها عادة أعلى من أسعارها في الجلسات التالية، خاصة إن الدعوة لإيداع الأسهم لا تنشر في نشرة التداول اليومية للسوق وإنما تاريخ عودتها الى التداول الذي بينه وبين تاريخ النشر فترة قصيرة جداً إن لم تكن معدومة، كحالة عودة أسهم شركات (الأعمال الهندسية) و (صناعة الكارتون) و(مصرف بغداد) و(ألعاب الكرخ) و (الصناعات الخفيفة) و (الهلال الصناعية) على سبيل المثال، مع الأخذ بنظر الحسبان بأن نشرة التداول اليومية ُتقرأ في يوم العمل التالي، فإن صح ما أوردناه يكون سوقنا محافظاً على خلله المزمن بفقدانه لأحد خواصه أو واجباته المتعلقة بتنظيم وتسهيل التعامل العادل حسبما ورد في القانون المؤقت أعلاه ومنح الفرص للجميع وبالتساوي من دون محاباة أو تحيز. فمن تمكن من المستثمرين والوسطاء أو عن طريقهم من تفعيل أسهم شركاته قبل غيره أصبح بمقدوره عرضها للبيع في الجلسات الأولى من دون غيره الذين قد يكون عددهم وعدد أسهمهم كبيراً لكن إجراءات السوق جعلت حظهم تعساً.
ثالثاً: إذا راجعنا وضعية أسهم عدد من الشركات التي عادت الى التداول في السوق مؤخراً والتي بّينها الكشف أدنا، نكتشف أو نستنتج منها عدداً من الأمور المفيدة تعزز ماسبق طرحه:
1- الصفة الغالبة هي تأخر عودة السهم الى التداول، عدا سهم شركة (المعمورة العقارية) تأخرت عودة أسهم الشركات الخمس الأخرى عن مدة الأربعة شهور المحددة بموجب تعليمات هيئة الأوراق المالية. فمدة تأخر عودة سهم شركة (الهلال الصناعية) مثلاً زادت على ثمانية شهور، وكذا حالة الشركات الأربع الاخرى، ناهيك عن حالات شركات أخرى لم ترد في الكشف. ولما كان التأخير حالة سلبية تضعف السوق فلابد من التحري لمعرفة أسبابه والعمل على تلافيها.
2- فيما عدا سعر سهم شركة (المعمورة العقارية) الذي قلّ في الجلسة الأولى عن كلفته، فإن أسعار أسهم الشركات الأخرى في الكشف قد زادت في الجلسة الأولى عن كلفتها الناجمة عن شراء السهم قبل إيقافه عن التداول، لكن الأسعار في الجلسات التالية تراجعت عند الجميع بما فيها سعر سهم الشركة أعلاه عدا سعر سهم شركة (الأعمال الهندسية) الذي كان مرتفعاً بنسبة 70% عن كلفته في الجلسة الأولى وإرتفع مرة أخرى بنحو 10% في كل جلسة من الجلستين التاليتين، لكنه أخذ بالتراجع في كل جلسة من الجلسات الثلاث التالية بنسبة زهاء 10% بين سعر كل جلسة وأخرى، ثم قفز في الجلسة السابعة الى نسبة قرابة 10% عما كان عليه في الجلسة السابقة ليعود ويستقر بعدها، الأمر الذي يوحي بحدث غامض أو تداول مفتعل.
3- إذا تابعنا سعر سهم شركة (الصناعات الخفيفة) نجده قد عاد الى التداول بسعر يزيد على الكلفة بمقدار 12%، وإستمر بالتراجع ليبلغ إنخفاضه في الجلسة السابعة بعد العودة بنحو 50% عما كان عليه في الجلسة الأولى، أي إن المستثمر الذي كان قد إشترى السهم قبل إيقافه عن التداول فَقَد نصف أمواله المستثمرة فيه بعد مرور عشرة أيام من عودته إلى التداول، وكأن مستثمرنا المتعامل في السوق مقامر منكود الخط لعدم تمكنه من بيع أسهمه في الجلسة الأولى عندما كان سعر السهم مربحاً. هذا وإن إختيارنا لسعر الجلسة السابعة لعودة السهم إلى التداول ولفقدان المستثمر زهاء نصف أمواله المستثمرة فيه بعد مرور عشرة أيام من عودته الى التداول، هو من الحالات المجازية. فنسبة إرتفاع أو إنخفاض سعر السهم في الجلسة الواحدة حددتها سلطات السوق بما لايزيد على 10%، ففي غياب هذا التحديد فإن من الممكن أو المحتمل أن ينخفض سعر السهم في الجلسة الأولى نفسها إلى ما وصل إليه في الجلسة السابعة إذا كان المعروض أكثر من الطلب، ويكون فقدان المستثمر لقرابة نصف أمواله قد تم في جلسة واحدة هي الجلسة الأولى لعودة السهم الى التداول وليس بعد مرور عشرة أيام. فتدرج الإنخفاض جلسة بعد أخرى جعل خسارة البائعين متدرجة، إذ كلما تأخر البيع لعدد من الجلسات تكون الخسارة أشد، وبالطبع فإن حالة شركة (الصناعات الخفيفة) تنطبق على عدد غير قليل من أسهم الشركات الأخرى المتداولة في السوق وأسهم جميع الشركات الأخرى الواردة في الكشف عدا شركة (الأعمال الهندسية).
نستنتج من هذا إن من تمكن من البيع في الجلسة الأولى فاز، ومن تأخر في البيع لجلسات عدة تالية أصابته خسارة جسيمة، وقد يكون تأخره بسبب إجراءات السوق غير العادلة ما يتطلب وضع آلية ناجحة تتيح لجميع المتعاملين التداول في الجلسة الأولى.
4- لا شك أن بيع الأسهم في الجلسة الأولى بعد عودتها الى التداول بسعر مجزٍ أوحتى بالكلفة غير مضمون في الوقت الحاضر لقلة الطلب أو إنعدامه، ولا ُيقنع هذا مالك السهم الذي يروم بيعه وُحرم من تداوله في الجلسات الأولى بسبب إجراءات مركز الإيداع، فهو لا يدرك أن من شبه المستحيل بيع سهمه في تلك الجلسات لعدم وجود من يشتريه، وأن ماجرى من تداول بعدد أسهم قليلة في كل جلسة، مما قد يكون مفتعلاً، هو لمجرد تحريك السعر، لكنه يعتقد أن تأخره في بيع سهمه بسعر واطئ قد تصل خسارته الى نحو نصف كلفته هو بسبب إجراءات مركز الإيداع التي أخرت تداول سهمه في السوق. في حين لا يراوده هذا الشعور عندما يتحمل الخسارة نفسها وسهمه مفعلاً ومشتركاً في التداول منذ الجلسة الأولى والذي لم يشتره أحد إلا بنصف كلفته مثلاً، فهو في هذه الحالة يعزو هذه الخسارة الجسيمة الى حظه غير الموفق والوقت غير المناسب للبيع، لأن سهمه خاض غمار العرض والطلب لجلسات عدة من دون جدوى ولا دخل لإجراءات السوق في هذا الشأن.
إن عدم الإلتزام بمبدأ العدالة والمساواة بين المتعاملين في السوق الذي فرضه القانون يجلب النقمة على إدارتها، في حين نجدهم في أي سوق مال نظيف ملتزم يعزون خسارتهم الى العرض والطلب فحسب.
5- لو ضربنا مثلاً بسهم شركة (صناعة الكارتون) نجده قد عاد إلى التداول يوم 19/5/2010 أي بعد قرابة ستة شهور من تاريخ إجتماع الهيئة العامة لشركته الواقع في 24/11/2009، وقد أعلن في نشرة التداول اليومية للسوق يوم الثلاثاء 18/5/2010 عن عودة السهم إلى التداول في اليوم التالي. وصدرت النشرة صباح يوم التداول فهرع المتعاملون لطلب تفعيل أسهمهم في الشركة المذكورة التي سبق أن إكتتبوا بها وسجلت في مركز الإيداع إنتظاراً لطلبات أصحابها لتفعيلها ليتسنى لهم بيعها في الجلسة الأولى. والغريب الذي علمته مما هو غير وارد في تعليمات السوق أن هكذا تفعيل يحتاج إلى يومي عمل، ما يدل على أن آلية السوق في هذا المجال لازالت يدوية، وعلى الرغم من كون التداول ألكتروني إلا إن نظام العمل بقي يدوياً، فحُرم المتعاملون من بيع أسهمهم في أول جلسة أو التي تليها وباعوها بسعر واطئ أو خاسر، في حين يوجد من هو محظوظ تمكن من البيع بالسعر العالي.
فما دامت إجراءات السوق بطيئة والإيداع والتفعيل لا يتم إلا قبل أيام من تاريخ عودة السهم إلى التداول فلماذا هذا الإستعجال في إعادته؟ فهو قد كان خارج التداول لمدة ستة شهور أو أكثر فليتأخر إسبوعاً أو إسبوعين آخرين لحين إستيعاب السوق لطلبات الجميع بالإيداع والتفعيل ليحصلوا على ُفرص متساوية مع تفادي إلحاق الأذى بأحد.
رابعاً: إن الإمتناع عن قبول إيداع أسهم الشركات المدرجة بحجة توقفها عن التداول ليس له مبرر أو سند قانوني. وإذا كان لابد من ذلك فينبغي عدم مخالفة القانون وأن تكون الإجراءات عادلة لا تؤذي شريحة من المتعاملين في السوق. ففي حالة عودة سهم شركة ما إلى التداول بعد زيادة رأسمالها مثلاً ُُيعلن اولاً في نشرة السوق اليومية وعلى لوحة الإعلانات الرئيسة عن موعد قبول إيداع أسهم الشركة وطلبات تفعيل أسهم الزيادة المكتتب بها من قبل المساهمين والجمهور، وبعد تفعيلها جميعها أو القسم الأعظم منها ُيعلن مرة أخرى في النشرة وعلى اللوحة عن موعد فتح التداول قبل ما لا يقل عن ثلاث جلسات، وأن ُتشفـع
هذه الإجراءات بتوجيه نداءات عن طريق مكبر الصوت إلى جمهور المتعاملين الحاضرين في قاعة التداول للسوق مرات عدة في اليوم لكل جلسة، ونأمل أن تتسم إجراءات السوق بخلوها من الغموض وعدم تسببها بحدوث الأزمات أو المفاجآت.
خامساً: ندعو سلطات السوق إلى ممارسة أعمالها وسلطاتها وفق أحكام القانون المؤقت لأسواق الأوراق المالية التي تقضي بتنظيم وتسهيل التعامل في السوق بشكل عادل وبما يعزز مصالح عموم المستثمرين (لا بعضهم). ونأمل إن يكون ما تردده هيئة الأوراق المالية دوماً بأن أنشطة السوق تتسم بالشفافية والإفصاح والكفاءة والعدالة بين المتعاملين في أسواق المال، وحمايتهم من الإحتيال والغش والخداع وإستعمال أساليب الإستغلال... الخ، هو من الحقائق الملموسة على أرض الواقع لا مجرد أقوال.