عبد الهادي الجلبي جذب العقول الوطنية وناصر الحركة الديمقراطية

عبد الهادي الجلبي جذب العقول الوطنية وناصر الحركة الديمقراطية

شهاب أحمد الحميد
باحث ومتخصص في الصحافة العمالية
يبدو أن الزميل الباحث الصحفي سعيد عبدالهادي سكرتير تحرير جريدة المؤتمر ، كانت لديه دراسة عن السيرة الذاتية للدكتور احمد عبدالهادي الجلبي رئيس المؤتمر الوطني العراقي وفي حينها طلب مني اعداد دراسة او بحث عن عبدالهادي الجلبي في اواسط العام 2005

فاجبته بشيء من عجالة ببعض النكات والتندرات التي كانت تفيض على لسان المفكر المرحوم عبدالفتاح ابراهيم وهي محط اعتزاز في ذكرياته الحسنة وانعكاس لعلاقاته الاجتماعية مع رموز وفئات المجتمع العراقي. على هذا فقد تصدرت تلك الرواية المقال او الدراسة التي نشرت في العدد 988 بتاريخ 13 كانون اول 2005 تحت عنوان الدكتور الجلبي.. سيرة موجزة على النحو الاتي: (ولد احمد عبدالهادي - ابو الهاشم - عام 1944 ، وقد روى لنا احد الاصدقاء نقلا عن المفكر العراقي عبدالفتاح ابراهيم وكان مساهما في شركة يديرها عبدالهادي الجلبي (ان الحاج جاء في احد الايام مضطربا وجهه وحين سالناه اجاب: ما اعرف اشاكول اليوم رزق ابني رشدي بولد، ورزقت انا ايضا بولد) والمولود المعني هو الدكتور احمد الجلبي) وبالنظر لانقطاعي عن متابعة الصحف اليومية، الا ما ينشر عن مقالات او دراسات عن المرحوم عبدالفتاح فقد كلفت اولادي بجلب كل ما ينشر عنه ويقع تحت انظارهم وهكذا فعل احد اولادي الذي جلب لي في مطلع 2007 هذا المقال الذي وجده (بالانترنيت). وبودي ان اوضح بعض الملاحظات لما من شأنه ان يضيف شيئا جديدا ، جديرا بالاهتمام سواء بالنسبة للمفكر عبدالفتاح ابراهيم او بالنسبة للسياسي احمد عبدالهادي الجلبي باعتبار الاخير عرابا للمشروع الديمقراطي في العراق ، في حين ان الاول صاحب مشروع الشعبية الديمقراطية ودولة القانون الذي طرحه في العراق منذ مطلع ثلاثينيات القرن العشرين على اسس الحداثة العصرية لبناء المجتمع المدني بطريقة اللاعنف،، حيث لم يتحمل سنام الجمل العربي وزر هذا المشروع الذي ضاقت به ذرعا تخوم الارض العربية (من المحيط محيط الهادر حتى الخليج الثائر!) فابتلعته رمال الجزيرة ومياه الخليج العربي بفذلكة مكافحة الشيوعية على الطريقة الهندية!
منذ ذلك الحين (ضاع الجمل بما حمل) حسبما يقال بالامثال التي تضرب ولا تقاس ، ولكن بعد ثلاثة عقود من النظام الدكتاتوري الشمولي ظهرت امتعة (الجمل العربي) وقديما قيل ان الحاجة ام الاختراع وتلك هي القضية؟! ربما .. وربما كان الاخ سعيد عبد الهادي يستطيع ان يستطلع الراي فيها، عندما استهل (سيرته الموجزة للدكتور احمد الجلبي) بتلك القضية التي تلملمت فصول احداثها الادراماتيكية عبر قراءات لعدد من الكتب الصادرة خارج العراق ، الى جانب مواقف الشخصيات التي مازالت تعيش في الدول الاوربية، وما افرزته الاحداث بعد التاسع من نيسان 2003 التي لا يتسع المجال لذكرها بمثل هذه العجالة ، ومن المؤكد سوف نتناولها بشكل وثائقي مفصل بعدما توضحت الصورة من قريبا وبعيدا.
ما بودي الاشارة اليه ان مواليد الدكتور احمد الجلبي لم تكن حسب حكاية عبدالفتاح ابراهيم في سنة 1944، انما في مطلع الخمسينيات حيث تأسست شركة الجوت العراقية التي كان على رأس مجلس ادارتها المرحوم عبدالهادي الجلبي، ومديرها المفوض نصرت الفارسي ، اما المدير التنفيذي لادارتها فكان المرحوم عبدالفتاح ابراهيم الذي حدثني عن ذلك، وكان يمتلك سبعمائة سهم فقط من رأسمال الشركة المذكورة التي كانت اول مشروع عراقي ذات صفة صناعية - زراعية من نوعه في العراق وما يزال المعمل في منطقة الطوبجي الى الغرب من مطاحن السلام وبستان عبدالهادي الجلبي اللذان شكلا المدخل لمدينة الهادي (مدينة الحرية في الوقت الحاضر) وفيها قصره الفسيح منذ اربعينيات القرن الماضي ، الذي كان يرتاده الوصي عبدالاله والملك فيصل الثاني الى جانب العديد ممن يلتقيهم الملك من شباب الكاظمية وشيوخها، ربما كان الدكتور احمد جلبي اصغرهم سنا في ذلك الوقت كونه من مواليد عام 1952 حسب الرواية التي اوردها ( المفكر العراقي عبدالفتاح ابراهيم) في معرض احاديثه (معي) اذ انه في عام 1944 كان منشغلا مع المرحوم عبدالجبار الجلبي بتأسيس عدد من مؤسسات المجتمع المدني في مقدمتها جمعية (الرابطة الديمقراطية) الثقافية ومجلة الرابطة ورابطة مكافحة الامية، ورابطة الدفاع عن حقوق المرأة ، ولجنة الرابطة للتاليف والنشر والترجمة الى جانب العديد من الهيأت الرابطية الاخرى التي كان من ابرزها مطبعة الرابطة، غير ان عبدالفتاح اثر تصفية الحريات الديمقراطية في العراق بعد اتفاقية (جبر - بيغن) وغلق حزب الاتحاد الوطني الذي كان يترأسه ، اتجه (للتجارة والصناعة) للعمل مع عبدالهادي الجلبي في شركة الجوت العراقية وليس كما يذكر الفنان يوسف العاني بان عبدالفتاح اشتغل في شركة الزيوت النباتية لصاحبها محمد حديد - يومذاك - تلك هي مجرد الموحة الفت نظر الباحثين اليها كونها ترددت على قلم (العاني) لمرتين الاولى بجريدة العراق، والمرة الثانية في جريدة المدى في العام 2003.
خيط السياسة.. وجنب المال
مع انه لا تربط اسرة الجلبي بعائلة عبدالفتاح ابراهيم غير ظلال خيوط السياسة التي لم يوثق (جنب المال) عراها بين الاسرتين (الكاظمية - والكيلانية) منذ ان جرى تعيين السيد ابراهيم والد عبدالفتاح مديرا لاوقاف الكاظمية عام 1924 فان تعرف على ال الجلبي الذين يمتازون بثراء معروف يوم كانت منازلهم تحيط بساحة حضرة الامامين الكاظمين، وتجارتهم بكل انواعها كانت تملأ ساحة (باب المراد) من رأس دربونة الاستربادي الى رأس دربونة محلة (الفضوة) التي تدخل منها مواكب العزاء الحسينية الى منطقة علاوي الكاظمية وحتى خان الدجاج الملاصق لسور الامام من الجهة الجنوبية المؤدي الى محلة (السميلات) وتحولت معظم تلك البيوتات الى فضاءات واسعة حتى تتصل بجسر الامامين في الوقت الحاضر.
بستان الجلبي.. يستضيف حركة انصار السلام
لكن من المؤكد بان عبدالفتاح ابراهيم استطاع ان يمد العديد من جسور التواصل على الطريق الديمقراطي مع عبدالهادي الجلبي الوزير المناصر لجريدة الاهالي في الخط الاول والمدافع عن منهج الديمقراطية الليبرالية الذي تشكل راس النفيضة الاولى فيه من وزير العدل (محمد زكي البصري) الى جانب (نصرت الفارسي) كذلك (عبدالهادي الجلبي) والد احمد الجلبي الذي امسك بخيط (اللعبة السياسية) في العراق بعد الالفية الثالثة، بعدما تم العثور على (راس الشليلة) في ادارة العملية الديمقراطية العراقية على يد العديد من المضحين الانقياء بتوجهاتكم الديمقراطية ذات البعد الاخلاقي ، والاصالة العراقية منذ مطلع خمسينيات القرن الماضي امثال الرفيق سليم الجلبي ، والدكتور الطبيب (احمد الجلبي) من المؤسسي في الاوائل لحركة انصار السلام في العراق التي عقد مؤتمرها الاول ببستان الجلبي على ضفاف دجلة عام 1956.
عائلة احمد الجلبي ، على جدار الزمن تبقي العديد من الحكايات المعاصرة في جانبها الغث او السمين وتتناهى في الخواطر، واخرى طالما ترددت على لسان عبدالفتاح ابراهيم على مسامعي فان الامانة التاريخية تستلزم وضعها في هذا البحث التاريخي لكي لا تجتزئ الحوادث، وتشوه الاحداث عن غير قصد، وبخاصة ما ينسب لاناس تاريخيين ومفكرين وضعوا بصماتهم على شرفات المستقبل للانسانية في اوطانهم على هذا سأضعها حسب التسلسل الزمني للاحداث.
الانتخابات النيابية لعام 1954
في اطار الانتخابات النيابية لعام 1954 في الكاظمية حدثت مشادة كلامية بين مشجعي الانتخابات للمرشحين ممن يعبرون عن الحكومة واخرون عن احزاب المعارضة للجبهة الوطنية الى قرب المركز الانتخابي في منطقة ام النومي، التي تعتبر معقلا للشيوعيين في العهد الملكي وتسمى شارع موسكو وكان عبدالهادي الجلبي يعتبر من الفريق المحسوب على الحكومة حيث يقيم الولائم في داره للناخبين وان ولده رشدي في مقدمة المرشحين.. فقد حدثت مشاجرة كلامية بين الفريقين سقط نتيجتها احد الشباب المتحمسين قتيلا في اثناء تلك الانتخابات نتيجة اطلاق النار من قبل قوى الامن المشرفة على المركز الانتخابي فحمل المعارضين الشهيد القتيل وساروا به بتظاهرة استنكار عارمة طافت شوارع الكاظمية ، فاغلقت الاسواق والمحال ابوابها في مدينة الكاظمية، مما ادى الى الغاء الانتخابات لكثرة الحوادث التي رافقتها في مناطق اخرى من انحاء بغداد.
ورباط الكلام ، ان اتهم (فرحان هدب) باطلاق النار وهو من القريبين الى عبدالهادي الجلبي ومن ابناء عشيرة الطائي والقي القبض عليه وصدر الحكم المؤبد عليه في حينه، وفي سنة 1956 لمناسبة تتويج الملك فيصل الثاني صدر العفو عنه، واطلق سراحه من السجن بارادة ملكية.
بعد ثورة 14 تموز 1958 وسقوط العرش الملكي في العراق كان حامد قاسم شقيق الزعيم عبدالكريم قاسم وكيلا في تجارة الحبوب مع عبدالهادي الجلبي، وكانت مشاريعه الخاصة تسير بشكل نظامي تبعا لهياكلها الادارية.. غير انه كان يقيم في لبنان، ويتنقل بين لندن والاردن كما كان يشاع ، وان داره في الاعظمية اصبح مقرا للسفارة الهندية ببغداد.. ما بودي ان اذكره هنا نقلا عن المرحوم عبدالفتاح ابراهيم (بان زوجة نوري السعيد طلبت من عبدالهادي الجلبي ان يشتري منها (المحبس) الوحيد الذي تملكه لكي تدفع ثمنه تعويضا للمغنية العراقية (لا اتذكر اسمها) التي اقامت الدعوى على نوري السعيد في لندن لكي تبرئ ذمته.. وقد دفع عبدالهادي الجلبي ثمن (المحبس) دون ان يتسلمه من زوجت الباشا.