لويس ماسنيون

لويس ماسنيون

باسم عبد الحميد حمودي
يعتبر لويس ماسينيون من أكبر مستشرقي فرنسا وأشهرهم، وقد شغل عدة مناصب مهمة كمستشار وزارة المستعمرات الفرنسية في شؤون شمال أفريقيا، وكذلك الراعي الروحي للجمعيات التبشيرية الفرنسية في مصر.

تعلّم لويس العربية والتركية والفارسية والألمانية والإنكليزية وعني بالآثار القديمة، وشارك في التنقيب عنها في العراق (1907 – 1908) حيث أدى ذلك إلى اكتشاف قصر الأخيضر. درس في الجامعة المصرية القديمة (1913) وخدم في الجيش الفرنسي خمس سنوات خلال الحرب العالمية الأولى. استهواه التصوف الإسلامي فدرس الحلاج دراسة مستفيضة ونشر ديوان الحلاج مع ترجمته إلى الفرنسية وكذلك مصطلحات الصوفية وأخبار الحلاج والطواسين، كما كتب عن ابن سبعين الصوفي الأندلسي، وعن سلمان الفارسي.
تولى لويس تحرير مجلة الدراسات الإسلامية وأصدر بالفرنسية حوليات العالم الإسلامي حتى عام 1954.
درس ماسينيون حياة الحسين بن منصور الحلاج دراسة مستفيضة وله فضل كبير في إعادة اكتشاف ذلك المتصوف الإسلامي. سأورد هنا الصلاة الأخيرة أو صلاة السجن من كتاب الطواسين الذي حققه ماسينيون وصدر عام 1913 في باريس باللغتين العربية والفرنسية.
يذكر ماسينيون أنه قد تعرض للتوقيف من قبل السلطات العثمانية في أيار 1908 واتهم بالجاسوسية وسجن وهدّد بالموت.
عندما حكم عليه بالاعدام من قبل ضابط عثماني عن الصورة العرفانية التي احاطت به وسط محنته حتى أطلق سراحه بسعي من علي الآلوسي ومحمود شكري الآلوسي فارتحل إلى فرنسا بعد جولة له في قصر الاخيضر وبغداد ومدافنها ليكتب في ذلك ويؤرخ للفلسفات العراقية القديمة ومجمل العقائد التي احتضنتها هذه الأرض عبر التاريخ ويكون كتابه (العهد) عن الحلاج نموذجاً لاستنطاق التاريخ الفكري عبر دراسة مستفيضة للبلدانيات وتأتي رسائل ماسنيون للاب الكرملي لتحمل اجابات قصيرة عن اشكالات معتقدية يفسرها ويحللها عبر تجواله الفكري في معتقدات متعددة منها إيمان طائفة من الهنود بالحلاج باعتباره شخصية من الشخصيات التي اعتمد عليها الشيخ عادل بن مسافر وعلاقة ذلك بتفاصيل حياة تلك الطائفة المعتقدية.
ويذكر أيضاً نوعاً من الرؤيا الروحية حيث يقول: رأيت ناراً داخلية تحاكمني وتحرق قلبي وكأنني أمام حضور إلهي لا يمكن التعبير عنه، حضور خلاق يوقف إدانتي بصلوات أشخاص غير مرئيين، زوار لسجني، التمعت أسماؤهم فجأة في مخيلتي، ولأول مرة أصبح قادراً على الصلاة وكانت تلك الصلاة باللغة العربية. حين أفرج عنه بفضل عائلة من العلماء العرب المسلمين في بغداد توسطت له، قرّر أن يلتزم بدراسة الإسلام عميقاً وجدياً. من الأفكار المهمة التي آمن بها ماسينيون كانت فكرة البَدَليّة: وتفهم كشفاعة الأنبياء والمُخلصين ومثالها الحلاج الذي درسه ماسينيون بعمق وأنجز أطروحة الدكتوراه عنه عام 1914، وقد أظهر فيها تطور المراحل في حياة المتصوف عبر التوبة ونكران الذات والتطهر، إلى نوع من تجربة الاتحاد في ذات الله. وقد طبّق على الحلاج فكرة البدلية وهو يرى أن حياة الحلاج وشفاعة موته من أجل أمته تمتد إلى ما بعد إعدامه. واعتبر أن موت الحلاج نوع من الألم البطولي تحمله من أجل الآخرين، منتمياً بذلك إلى سلسلة البدائل أو الشواهد
ولا يقف ماسنيون عند هذه الفكرة بل يتعداها إلى بحوث أخرى حول وحدة الأديان وتشابه منطلقاتها ووقوف متعصبين ضد آخرين من أديان أخرى فيما تحمل مناقشات ماسنيون مع الكرملي جوانب من صور فيللوجية وعمرانية ما يجعلنا نفكر من جديد بضرورة دراسة الصورة الثقافية للعراق مطلع القرن العشرين كتدبير عقلاني مؤثر على مجمل الصورة الفكرية للشرق العربي حيث وجد على الساحة الكثير من المفكرين العراقيين ذوي الاطروحات الفكرية التنويرية الذين أخذوا لا بالهوس التجديدي لمجرد التجديد بل بدراسة الظاهرة الفكرية والعمرانية والمادة التاريخية المتوافق عليها لا كمسلمات بل كمواد تستثير الباحث وتجعله متشككاً بداية قبل ان يصل إلى اليقين المعرفي.
ان هذه الرسائل تعد ذخيرة مضافة للباحث في مختلف الصعد الفكرية والعمرانية واللغوية والمعتقدية وهي جديرة بالقراءة والفحص وامعان النظر من جديد في مجمل الظواهر التي سادت مطلع القرن العشرين وصولا إلى يومنا هذا