البوتقة لآرثر ميلر على مسرح ليليان

البوتقة لآرثر ميلر على مسرح ليليان

الكاتب: ريتشارد ادمز
ترجمة: عدنان توفيق
منذ ظهور مسرحية البوتقة على البرودواي عام 1953، عدّت المسرحية عملا موازيا لحملة مكارثي لاصطياد السحرة السياسيينpolitical witch – hunts of McCarthy era وقد استخدم ميلر الهيستيريا الدينية في مطاردة الساحرات في مدينة سالم.

ولاية ماسوشستس عام 1690 لالقاء الاضواء على العملية الشهيرة في الاستماع للافادات الذي مارسته لجنة النشاطات الامريكية، في نهاية الأربعينيات وبداية الخمسينيات، ميلر كتب مسرحيته في ذروة الرعب الاحمر Red Scare وكانت القائمة السوداء تمزق حياة خيرة المفكرين والكتاب والفنانين الامريكان، موظف في وزارة الخارجية الجير هيس كان قد ادين باداء اليمين الكاذبة، والعالم الفيزيائي كلاوس فوكس من مشروع منهاتن وإيثل وجوليوس روزنبيرغ قد ادينوا بتهمة التجسس، حكم على فوكس بالسجن لاربعة عشر عاما، وبصورة مثيرة للرعب تم اعدام ال روزنبيرغ في التاسع عشر من حزيران عام 1953، وكانت مسرحية البوتقة قد قدمت للمرة الاولى في كانون الثاني 1953، نتيجة لهذا التطهير الذي كانت تشرف عليه الحكومة الامريكية، تم اعتقال مئات من المواطنين الامريكان وفقد اكثر من عشرة الاف منهم وظائفهم، الاثار العميقة للمكارثية فحصت ودرست من قبل العديد من الباحثين، ولكن مع وضع هذه المسرحية في سياقها الصحيح، فانه يجدر بنا ان نتذكر بان استوديوهات هوليوود نظمت القائمة السوداء في ضد المشتبه بهم بانهم شيوعيون في تشرين الثاني 1947 وهي عملية اطلق عليها (تطهير صناعة الافلام الامريكية من الشيوعيين) كانت القائمة السوداء تضم ما لا يقل عن ثلثمائة كاتب سيناريو وممثل ومخرج ومؤلفين موسيقيين، وانهيت خدماتهم فورا، وشملت العملية فنانين بارزين كامثال ادوارد روبنسن وليليان هيلمان وشارلي شابلنوالروائي الشهير داشيل هاميت والمخرج العبقري ادوارد ديمتريك وميلر نفسه مع مئات من عباقرة السينما والمسرح والرواية، ومن اعماق الخيانات والسلوك الجبان والترهيب التي سادت هذه الفترة، خرجت مسرحية البوتقة، ورغم ان ابطال المسرحية يحملون اسماء الشخصيات التأريخية التي عاشت في مدينة سالم بين عامي 1692 و1693 فان العديد منها هي اسماء من ابتكار المؤلف، اعتمد ميلر في سرده لاحداث المسرحية على الاحداث التأريخية التي راح ضحيتها عشرين من الابرياء اعدموا بتهمة تعاطي السحر، وقد منح ميلر نفسه حرية التصرف مع تلك الاحداث التي اشتهرت فيما بعد بـ محاكمات سحرة سالم، وفي الحقيقة هناك نظريات مختلفة حول ما حدث في الحقيقة في هذه المدينة في العقد الاخير من القرن السابع عشر، احدى التفاسير المثيرة ترى في المحاكمات انعكاسا للخلافات حول الملكية داخل مجتمع نائي كان يخوض صراعا عنيفا للسيطرة على الاراضي والغابات المحيطة بالمدينة، كانت سالم مدينة خصبة للتناقضات والصراعات مع وثائق عديدة تثبت حدوث محاكمات مختلفة اقيمت بتهم القذف والتشهير، وبصورة خاصة بين الجيران المختلفين حول ملكية الاراضي، نظرية اخرى ترى في تلك المحاكمات تعبيرا عن التوتر الناشئ بين الريف والمدينة، بين اؤلئك الذين يبغون انشاء تجمعات سكانية تضاهي المجتمعات البريطانية، ولكنها تواجه قيم دينية تفرضها سلطات دينية، مجتمع اشبه بمجتمع كالفيني في مدينة جنيف، اقيمت على الاراضي الامريكية، بينما يرى مؤرخون بان محاكمات سالم كانت معركة علنية بين مختلف الطوائف الدينية، بينما يرى مؤرخ اخر بانها كانت دليلا على النهضة الدينية، التي استبقت الصحوة الكبرى الاولى التي شخصها جونثان ادواردز حيث كان الجيل الثالث من سكان نيو انكلند يسعون لمعالجة مشكلة تراجع الحماس الديني والالتزام تجاه المور وهم طائفة متزمتة من البيوريتان، وما يرتبط بهذه النظرية، الادعاء بان المحاكمات انما كانت تمرينا في تحديد الذات، بينما كانت العلاقات مع سكان انكلند تضعف بمرور الزمن بعد انتهاء فترة حكم كرومويل وعودة الملكية مع كل ما جلبته من عواطف كاثوليكية، بالنسبة للذين يعرفون هذا التاريخ، سيدركون مدى ثراء ميلر بالنصوص الثانوية،كل واحدة من هذه النظريات تجد بعض التعبير في بعض تفاصيل السرد، مثل عنصر لشخصية او لاشارة محورية، ولم يكن هدف ميلر كتابة مسرحية تاريخية ولكنه استفاد من الاحداث التاريخية إلى اقصى مدى لتسليط الاضواء على احداث معاصرة لم تكن ارتباطاتها مع المسرحية بخافية على احد، بيل فورهيز انتج و اخرج المسرحية وادى دور البطولة فيها، دور جون بروكتور، المزارع، يصل ذروة الاداء في مشهد المحاكمة، ونشاهد الصراع المتواقت بين السذاجة والشكوك، بين الخر افة والعقل، السجن العقلي الذي تفرضه العقيدة الدينية، والتجريبية المعززة بالحس العام، إلى جانب الرغبة العميقة في الانتقام والعدوات العلنية، مثل محنة المتهمون زورا وهم يواجهون الية غير مرنة، فور هيز قرر بحكمة ادخال مشهد المقابلة في الغابة على ضوء القمر بين ابيجيل (وتؤدي الدور جسيكا نيوفيلد) وجون بروكتر ويؤدي فورهيز الدور، وهو مشهد كان يحدف باستمرار من انتاج النسخ الماضية، ابيجيل، المراهقة تعشق بروكتور فتقوم باتهام زوجته بتهمة ممارسة السحر، بروكتور يمنحها فرصة للاعتراف بان تهمتها مزيفة ولكنه يفشل في اقناعها، حتى المسرحية بالنهاية المأساوية لابرياء لا يعروفون حقا ما هو السحر، ولكن عليهم ان يدفعوا ثمن اخطاء مجتمع يتحكم فيه النفاق اكثر من اي شيء اخر.

عن مجلة: الاشتراكية الدولية