80عاماً على إستقلال العراق

80عاماً على إستقلال العراق

علي أبو الطحين
نحتفل هذه الأيام بالذكرى الثمانين لإستقلال العراق في الثالث من تشرين الأول من عام ١٩٣٢، حين دخل العراق رسمياً عصبة الأمم كدولة مستقلة. وكان العراق أول دولة عربية تنال إستقلالها من الإحتلال الأجنبي بعد أن رزخ لقرون طويلة تحت نير سلطة حكم الغرباء منذ غزو المغول وحتى الأحتلال االبريطاني.

وبهذه المناسبة، أعتبر يوم الخميس السادس من تشرين الأول ١٩٣٢ عطلة رسمية، ونظمت الأحتفالات في أنحاء العاصمة، وأقدمت الوفود على البلاط الملكي للتهنئة، وأقيمت في المساء حفلة كبيرة في حديقة المجيدية في باب المعظم ألقى فيها الملك فيصل الأول خطاباً بالمناسبة. وقد أسهبت جريدة الأوقات البغدادية في اليوم التالي في وصف ذلك اليوم العظيم في تاريخ العراق المعاصر.

الأحتفالات في بغداد
ظهرت العاصمة بغداد منذ صباح الخميس بأحلى حلتها وبأجلى مظاهر الزينة. فقد عطلت الدوائر الرسمية والبنوك والمحلات التجارية ورفعت الأعلام العراقية على كافة المباني. وكانت علائم الفرح والسرور لهذا اليوم التاريخي السعيد باديتين على محيا الجميع.
وفي الساعة الثامنة والنصف صباحاً أتجهت فرق كشافة العاصمة الى البلاط الملكي العامر لتقديم التهاني للذات الملكية. وكان أول المهنئين لجلالة الملك المعظم، الوزراء والمدراء العامون والأعيان والأشراف والتجار من وطنيين وأجانب والمحامون والأطباء وأرباب الصحف المحلية والأجنبية، ثم تقدمت وفود الألوية يتقدم كل وفد منها سعادة متصرف اللواء المختص.
ودامت مراسم التهنئة حتى الساعة الثانية عشرة ظهراً. وكان هتاف طلاب المدارس والكشافة بحياة جلالة الملك يتخلل مراسم عرض التهاني اذ كانوا يدخلون من احدى ابواب البلاط وبعد الهتاف بحياة الملك يخرجون من الباب الأخر.
وكانت جماهير غفيرة من طبقات الشعب تعرب عن سرورها العظيم بهذا اليوم التاريخي بأقامة مظاهرات الأفراح في الشارع العام. وعندما وصلوا بالقرب من محل المصور أرشاك أفندي وشاهدوا صورة حضرة صاحب الجلالة في محل التصوير المذكور ازداد حماسهم واخذوا يهتفون عالياً بحياة سيد البلاد وحاولوا انتزاع التصوير لحملها أمام المتظاهرين.
وفي المساء انيرت المدينة والمآذن بالانوار الكهربائية الساطعة وأقيمت حفلة ساهرة في حديقة الامانة الواقعة في باب المعظم. اشتركت فيها كافة أجواق العاصمة من شرقية وافرنجية وخصص ريعها لمنفعة جمعية طيارة بغداد وقد بثت انغام الموسيقى بالراديو.

حفلة الشاي في حديقة الامانة
أقامت أمانة العاصمة في الساعة الخامسة بعد ظهر ذلك اليوم حفلة شاي فخمة للغاية في حديقة المجيدية الواقعة في باب المعظم إبتهاجا بألغاء الانتداب ودخول العراق عصبة الأمم شرفها صاحب الجلالة الملك علي وأصحاب المعالي الوزراء الحاليين والسابقين والمستشارين والأعيان والنواب وكبار موظفي الدولة وأعضاء الهيئات الدبلوماسية.
وما وافت الساعة الخامسة حتى ازدحمت الحديقة على رحبها بالمدعوين وكانت موسيقى الجيش العراقي تصدح بانغامها الشجية. وكانت الحديقة مزدانة بالاعلام العراقية وبالمصابيح الكهربائية الملونة ونصبت أمانة العاصمة قوسين من أقواس النصر في باب الحديقة. ونصبت لأول مرة الميكروفونات ومكبرات الصوت في أنحاء الحديقة.
وفي تمام الساعة الخامسة والنصف علا الهتاف والتصفيق في الشوارع المزدحمة بالجماهير ايذاناً بتشريف صاحب الجلالة الملك المفدى فهرع وكيل رئيس الوزراء وأرباب المعالي الوزراء لاستقبال جلالته من باب الحديقة وعندما وصل جلالته منتصف الحديقة صدحت الموسيقى بالسلام الملكي فوقف الجميع اجلالاً واحتراماً لسيد البلاد.
ثم تصدر جلالته المكان المعد لجلوسه وعلى يمينه جلالة الملك علي وعن يساره فخامة رئيس الوزراء وبعد أن أستراح جلالته بضع دقائق نهض وسط الهتاف المتواصل والقى الخطبة الملكية والتي بثت بالراديو الى سائر أقطار العالم. وكان المدعوون يسمعون خطبة جلالته بمكبرات الصوت من كافة أنحاء الحديقة.

الخطبة الملكية
أشكر الله وأهني نفسي وشعبي على هذا اليوم الذي فيه نفضنا غبار الذل وفزنا بعد جدال سياسي دام ما ينوف عن احدى عشر سنة بالاماني الكبرى التي كنا نصبوا اليها وهي الغاء الانتداب واعتراف الامم بنا وباننا أمة حرة ذات سيادة تامة وأرى نفسي سعيداً ان اصرح بأن هذا الفوز لم يكن ثمرة جهد شخص واشخاص بل هو محصول سعي الأمة باجمعها حيث كانت في أثناء هذا الجهاد مثالا للصبر والحكمة وطول الاناة. ولم أر منها طول مدة هذا الكفاح سوى المعاضدة والتباعد عن وضع حجر عثرة في السبيل الذي سرت عليه لبلوغ هذا اليوم السعيد. هذا اليوم الذي أخذنا فيه مقعدنا بين الامم. فلقد كان أفراد الشعب على اختلاف أحزابهم وعقائدهم يشدون أزري بجميع ما لديهم من قوة وكنت أرى من يتقلد زمام الامر يكد في الكفاح تحت ضغط المسؤولية بكل اخلاص وامانة.
وأما من يقف موقف المعارض فقد كان لا يبغي من وراء موقفه الا التشجيع والعمل لخير البلاد. واما الشعب فقد كان منتبهاً يلقي وراء المسؤول والمعارض نظرات التنقيد على ما من يحيد منهم عن الطريق السوي. ففطنة الشعب واخلاص رجاله وتظافرهم في ما فيه نجاح البلاد كل ذلك مما جعلنا ولله الحمد نصل الى ما وصلنا اليه الان من تبوئنا مقعداً في جمعية الامم يخفق علمنا بها المحبوب مع أعلامها جنباً لجنب.
أعزائي ! لقد قطعنا هذه المرحلة الشاقة المحفوفة بالمخاطر وها نحن الان على أبواب عهد جديد تتولى فيها بلادي المسؤولية التامة عن تدوير شؤونها وادارة مقدراتها. فاذا كان في مقدور البعض ان يتخذ من الوضع عذرا في الماضي عندما يتأخر عن القيام بالواجب فقد أصبحنا اليوم أحراراً طلقين وقد أصبح مجال العمل فسيحاً أمام الجميع فمن تقاعد فلا عذر له بعد اليوم. وليعلم جميع أفراد الشعب بان مستقبل الأجيال القادمة وكرامتها منوطة بما نقوم به في السنوات القادمة من الاعمال. وليعلموا أيضاً بان الامم التي دخلنا في مصافها سوف ترقب أعمالنا فاما ستحكم علينا باننا غير صالحين لنكون أقراناً لها او سيتحقق حسن ظنها باننا احفاد اولئك الامجاد الذين قاموا مدنية استنار العالم بضوئها المنير الى هذا اليوم.
فالى التسابق في مضمار الرقي والتقدم أدعو جميع ابناء شعبي وليس ذلك على ماهو مشتهر عنهم من النباهة والذكاء بعسير.
بني وطني علينا أن نضاعف الجهود في كافة أعمالنا وان نتذكر دائماً أن أمامنا وجائب خطيرة لم تنل بعد قسطها الوافر من العناية فيجب أن تتوجه مساعي الجميع الى تحقيق القيام بتلك الوجائب وفي مقدمتها اعداد قوة تحمي ذمارنا وتجعل امتنا موفورة الكرامة محترمة الجانب ثم القيام بمشاريع عظيمة للري وانشاء ما تحتاجه البلاد من خطوط حديدية وطرق مواصلات اخرى ونشر المعارف بين أفراد الامة عامة وتوسيع المؤسسات الصحية في جميع انحاء القطر اذ لا استقلال بدون قوة وعلم وصحة وثروة. سيكون كل ذلك بحوله تعالى وتتكاتف أفراد الامة واتحادهم ونبذهم كل حزازة أو انانية شخصية وتوجيه وجهة كل منهم نجو غاية مشتركة ومقدسة وهي خدمة الوطن.
فعلى كل فرد من أفراد الشعب ان يسعى جهده لتحقيق تلك الغاية السامية ومن تخلف عن تلبية هذا النداء فلا وطنية صحيحة له.
أعزائي ستروني كما كنت سائراً بعون الله وتوفيقه بدون وجل او تردد مستهدفاً تلك الغاية وطالباً من كل فرد من أبناء شعبي القيام بما يترتب عليه للوصول اليها واني لعلى ثقة تامة بانهم سيعاضدونني بكل اخلاص وسستضاعف همتهم وجهودهم في سبيل رقينا انشاء الله الى أبعد مدى من العمران والحضارة والله ولي التوفيق.
وقبل أن أختم كلمتي هذه، أرى من واجب الاعتراف بالجميل ان اعلن للملأ ابتهاجي وامتناني العظيمين للمعاونات الثمينة التي نلناها من جانب صاحب الجلالة الانبراطورية الملك جورج وحكومته وشعبه العظيم. وممن وجد في هذه المملكة في الحاضر والماضي من رجاله تلك المعاونات التي أؤمل ان تدوم في المستقبل باخلاص متقابل كما انني أعلن شكري للامم المجاورة لنا ولحكوماتها على ما أظهروه نحونا من نوايا حميدة وولاء قويم وأؤمل أكيداً أننا سنبقى وأياهم جيراناً أصدقاء وبالنهاية فانني اشكر رجال جميع الدول الممثلة في عصبة الامم والتي رحبت بنا وأدخلتنا في حظرتها وأؤكد للعالم بانه لا هدف لنا الا السلم وخدمة البشرية والسلام عليكم ورحمة الله.
وبعد ان انتهى جلالته من القاء الخطبة اديرت كؤوس الشاي واطباق الحلويات على المدعوين. وغادر جلالته الحديقة وسط الهتاف والتصفيق الذي بلغ عنان السماء. وانفرط عقد المدعوين وكلهم يلهجون بالدعاء لجلالة الملك الذي له الفضل الاكبر في تحقيق امنية هذه البلاد في الحرية والاستقلال.
وكانت مؤسسة ماتسون للتصوير في القدس قد أرسلت الى بغداد طاقم من المصورين لتسجيل الأحتفالات بالعديد من صور الفوتوغرافية الرائعة لذلك اليوم الأغر، كما في الصور المرفقة.