هوراكي موراكي وحكايته.. رقص قديم رقص حديث

هوراكي موراكي وحكايته.. رقص قديم رقص حديث

عبدالكريم الزيباري
هاروكي موراكامي المرشَّح الأقوى أمام لجنة نوبل، روايته التي بعنوان (رقص.. رقص.. رقص) كتبها عام 1988، وترجمت في 1994 إلى الإنكليزية، وإلى العربية 2011عام من إصدارات المركز الثقافي العربي في بيروت بترجمة أنور الشامي الذي أضفى شيئا من لغته على النص الياباني كمثل (ظلمات بعضها فوق بعض/ ص102).

وعن الرجل المقنَّع الذي لا تدركه الأبصار. الرقص في العنوان رمز الاستجابة لمتطلبات الحياة الجديدة، رقصة اليابان نجحت في تحقيق التوازن بتطعيم القديم بالجديد، رغم النقد اللاذع من موراكامي للاغتراب والغزو الثقافي الغربي، كتهكَّم بطل الرواية كاتب التقارير بتسمية عمله الإعلامي جرف الثلج الثقافي، وتهكمه بحالات الانقياد الجبري باعتبارها تحسينات في الاستهلاك تغرقنا في دوَّامة دائرية كمتاهة تمتد إلى ما لا نهاية. البطل مأخوذ بفكرة (العالم مليء بطرق إضاعة الوقت/ ص42). ومن هذه الطرق مشاهدة الأفلام حتى امتلكَ البطلُ الحاسة السادسة سينمائياً، يقول عن أحد الأفلام (نَمَطي، يمكنني أنْ أحكي الفيلم من دون مشاهدته/ ص91)
والحكاية النمطية التقليدية التي تتكرر في الواقع والسرد والسينما، اختصرها الشاعر الجاهلي الأعشى الكبير(عُلِّقْتُهَا عَرَضاً، وَعُلِّقَتْ رَجُلاً/ غَيرِي، وَعُلِّقَ أُخرَى غَيرَهَا الرَّجلُ). أخذته أمراةٌ غريبة إلى فندق الدولفين، ثم هجرته دون كلمة، وطلقته زوجته، وكات صديقه في ظروف غامضة، ولثلاث سنوات لم يقم بأي عمل(إذا بحالة جمود أعمق من أيِّ شيء خبرته في حياتي، تغمرني..على مدى ستة أشهر ظللت حبيس الشقة/ ص14). وهناك راوٍ مساعد(الرجل المقنَّع هو الذي أخبرني بذلك حينما قال: المرأة غادرت بمفردها بعد، بطريقةٍ ما كان الرجل المقنَّع يعلم بذلك. علمَ انَّهُ كان لِزاماً عليها أنْ تغادر/ص10). في مصر القديمة: نوادٍ للسباحة، كليوباترا تشبه جودي فوستر. الرجل المقنع يقرأ المستقبل (الحرب قادمة، لا احتمال آخر، احفظ كلماتنا لا يمكنني أنْ أثقَ بالناس، لن يفعلوا أيَّ شيءٍ مفيد، في كل مرة سوف يقتل بعضهم بعضاً/ ص110). الراوي يعتزل العالم من حوله في شقةٍ صغيرة، يموت قطه وبعد دفنهِ (وفكرت، هذا كل ما في الأمر، إذاً حان وقت العودة إلى المجتمع/ص17). (جثة أخرى: القط، كيكي، ماي، ديك نورث، والآن جوتاندا/ص467) (السيد لديه رد فعل نفسي سلبي إزاء أيِّ شيءٍ له علاقة بالسلطة/ص219) (بعدما بددت الكثير من الورق والحبر بنفسي، من أكون أنا حتى أشكو من التبديد؟ إننا نعيش في مجتمع رأسمالي متقدِّم على أية حال، التبديد هو اسم اللعبة، بل هل فضيلتها العظمى/ص19) بدأ يعمل في الصحافة بالقطعة، خاصةً النسوية، ويجري المقابلات، اكتشف اسم التي التقاها في فندق الدولفين: كيكي. (أيادٍ سوداء وراء التطوير العمراني) عنوان المقال الذي يبحث عنه بطل الراوية لأنَّه يتعلق بمصير صاحب فندق الدولفين القديم، الذي ابتلعته شركة عالمية، إذا كان التطوير شرَّاً، فماذا يكون التدمير؟ هذه فلسفة جديدة للخير والشر بمقياس مواءمة العصر، فمدير الفندق القديم لم يستطع مسايرة روح العصر، لذا كان يجب أن يختفي، لتظهر بناية فندق الدولفين العملاقة، أيْ أنَّ التطوير الذي يصبُّ في مصلحة الفرد ولزيادة ثراء أفراد محددين، غالباً ما يكونون مسئولين فاسدين، فليس من المعقول لعشرة مسافرين في مركبٍ بحريٍّ واحد ومتهرِّئ، يمتلك أحدهم 99% من الطعام والشراب، ولا يقوم بأي جهدٍ حقيقيٍّ، بينما التسعة الآخرين يقتسمون 1% من بقية الطعام والشراب، وعليهم تقع كافة الواجبات كالتجديف وصيانة المركب باستمرار، ومواجهة كل المخاطر من عواصف وهيجان البحر وقراصنته ووحوش وعليهم توفير كل وسائل الراحة لذلك الفرد الكسول ذي الكرش الكبير. زار وصديقه المصور ثلاثين مطعماً (نأخذ قضمتين فقط لمعرفة الطعم، ثم نترك باقي الوجبة كما هي، تحسينات في الاستهلاك/ ص26) (كنتُ أردد عبارات الحكمة بأنَّ التبديد صار هو أعلى الفضائل التي يمكم للمرء أنْ يبلغها في المجتمع الرأسمالي المتقدم، إنَّ مجرد شراء اليابان لطائرات الفانتوم من أمريكا وتضييعها لكميات هائلة من الوقود يعطي دفعة قوية لعجلة الاقتصاد العالمي وهذه الدفعة ترفع الرأسمالية نحو مزيد من القوة. وإذا تمَّ إنهاء كل أشكال التبديد، فسيحلُّ هلع جماعي وسينهار الاقتصاد العالمي. إنَّ التبديد هو وقود التناقضات والتناقضات تنشِّط الاقتصاد والاقتصاد النشط ينتج المزيد من التبديد.. إنَّ جيلنا ليس مثلكم أنتم الشباب، إننا لا نفهم مثل هذه التعقيدات التي لديكم/ ص30). ثم يقرأ سيرة جاك لندن. ثم فاغراً فاه أمام فندق الدولفين تلك البناية العتيقة المتهرئة، وقد (تحول إلى سيمفونية من الزجاج والصلب تمزج الفن بالمعمار وترتفع في السماء متلألئة لستة وعشرين طابقاً/ص32). ثم يلتقي(شخصية فندقية لديها خمس وعشرون ابتسامة مختلفة.. الهادئة الودودة غير العابئة/ ص37). لماذا يحمل الفندق الجديد، اسم الفندق القديم الأشبه بسلة مهملات؟ أين العلامة التجارية؟ من هو صاحب المشروع؟ أين اختفى صاحب الفندق القديم؟ والثقافة الأمريكية تسللت إلى حياة اليابانيين (بار صغير في بناية من خمسة طوابق، أول ما قابلني لدى الباب هو صوت دافئ لإحدى التسجيلات القديمة لعازف الساكسفون الأمريكي جيري موليجان/ ص55). كان يقرأ رواية كافكا (المحاكمة)، بعد ساعات يستجوبونه بسبب مقتل ماي ووجد في حقيبتها بطاقته التعريفية ص227. طرق التحقيق بالاعتماد إلى (الإكراه النفسي الذي يعتاش على شعور الإنسان بعدم الاستقرار، من دون أن يترك ندبات مرئية، في مكان بعيد عن ضوء النهار، ومليء بالطعام السيء، يتعرق جسمك بشكلٍ لا يمكنك التحكم فيه/ص239). (كنتُ أشعرُ بالغيرة من يوكي، كانت في الثالثة عشرةَ من عمرها، وكل شيء يبدو لها رائعاً بما في ذلك المآسي/ص245). كانت ترجمتها مربكة، وهنا تناص مع (قال أولريش: أنتِ رائعة يا كلاريسا، كلُّ شيءٍ عندك هو نفسُ الشيء) روبرت موزيل- الرجل الذي لا خِصَالَ له- ترجمة فاضل العزاوي- دار الجمل- كولونيا- 2003- ص277. (كانت يوكي تظل حبيسة البيت طوال النهار، خوفاً من أن يمسك بها موظف الانضباط المكلف بمتابعة التلاميذ المغيبين عن مدارسهم/ ص290). الشرطة تتحرى عن شركة دعارة سرية (لن يكون باستطاعتهم أن يضعوا أيديهم على أيَّة شخص/372) الصواب على أيِّ شخص. البطل يتحفَّظ على المعلومات خوفاً على صديقهِ جوتاندا والذي يشكُّ في أنَّه قتلَ كيكي أيضاً. (كلُّ شيء مفتت، مثل الحلم، القصة يمكن أنْ تأخذ هذا الطريق أو ذاك، ثم لا تذهب إلى أيِّ مكان/ص458) رغم أنَّ الرواية تنتهي في غرفة فندق الدولفين الجديد، لكن البطل يظل مسكوناً مهووسا بالفندق القديم، رغم أنَّ صديقته تظل تكرر (الناس لا يختفون بهذه السهولة) لكن الأحداث أثبتت عكس ذلك. يقرر البطل التوقف عن جرف الثلج الثقافي (كان الوقت قد حان لأنْ أكتب بعض الأشياء من أجلي أنا كنوعٍ من التغيير، بعيداً عن مواعيد التسليم، شيئاً لنفسي، ليست رواية أو أي شيء، ولكن شيءْ لنفسي/ ص496). هذه كانت بداية كلُّ من الصحفي همنغواي، والصحفي ماركيز، وارسكين كالدويل، وجاك لندن وغيرهم. غرفة الرجل المقنع مليئة بكتب عن الخراف، وهو يرتـــــدي جلد خروف. وإذا كان كلُّ قديمٍ حديثا فى عصره، فلماذا يشعر الإنسان الحديث بالاغتراب؟ برتراند راسل في كتابهِ انتصار السعادة: يعجب من إنسانٍ بصحة جيدة ولديه ما يكفيه من الطعام، ورغم ذلك يشعر بالتعاسة، وهو حديث في البخاري (مَنْ أَصْبَحَ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ طَعَامُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا).