حسن عبد الله.. جو شعري يلف نثرية القول العادي والحكم القصيرة

حسن عبد الله.. جو شعري يلف نثرية القول العادي والحكم القصيرة

جورج جحا
يكتب الشاعر والكاتب اللبناني حسن عبد الله في مجموعته الاخيرة “ظل الوردة.. شعر وتأمل” كلاما يعبق بالشعر حتى حيث يكون كلاما عاديا او جملا بسيطة يطلقها المؤلف في شكل “قصائد” قصيرة.
ولعل “القصيدة” الاولى تمثل نموذجا ناجحا وجميلا لكثير مما جاء في الكتاب من حيث اضفاء جو شعري على الكلام الذي يبدو عاديا بل تقريريا إلى حد ما لكنه حافل بالفكري والشعوري في صورة هادئة.

حسن عبد الله مختصرا ما يدفع الإنسان إلى الكتابة بل إلى اعمال الفكر والشعور بحثا عما يمكن ان نصفه بأنه سر الحياة “هناك شيء تمسك به الحياة/ وتخفيه وراء ظهرها/ ولن اتوقف عن الكتابة/ حتى اعرف: ما هو!”
ويتميز ما جاء في الكتاب اجمالا بغوص في عالم الفكر وفي النفس البشرية وما فيها من غياهب تضم اسرارنا الراسخة والخروج من ذلك بحقائق يمكن ان نصفها بأنها حكم تأتي في كلام عميق لكنه بعيد عن التعقيد.
يقول “الحقيقة تقيم/ في النصف المظلم من الإنسان/ والترهات في النصف المضيء.”
جاءت المجموعة في 172 صفحة متوسطة القطع وصدرت عن دار الساقي في بيروت. ولحسن عبد الله ثلاثة كتب شعرية سابقة وكتب قصصية وشعرية للاطفال منها مجموعة شعرية بعنوان “فرح”.
ويبرع الشاعر في خلق صور حية متحركة وبقدر من الغرابة كما في قوله “وقفوا تحت شجرة الجوز/ وراحوا يتحدثون عن عاصفة آتية/ فتساقطت اوراق الشجرة/ من شدة الخوف!”
ويرسم احيانا صورا تبدو متحركة بسرعة وحدّة كما في قوله “مضمومة الاجنحة/ تندفع عصافير الدوري/ من شجرة الجوز الى شجرة التين/ كأن هناك/ من يراشق بها.”
وتأتي الصورة احيانا معبرة عن بعض حقائق الحياة وعن الاوهام او المخاوف التي تسيطر على الإنسان كما تعبر عن الحقائق الشاملة النهائية وفي رأسها الموت. يقول “في البرية التي اخاف فيها من الذئب/ شاهدت ذئبا ميتا.”
ويحملنا إلى ما يشبه عالم الشاعر تي. اس. اليوت في حديثه عن الربيع فصل الجمال والموت. يقول حسن عبد الله “الحياة لديها الكثير لتفعله في الربيع/ والموت كذلك.” ويضيف في هذا المجال قوله “لا تنشط اللذائذ في فصل من الفصول/ مثلما تنشط في فصل الربيع/ والآلام كذلك.” وفي حديث عن وحدة كونية شاملة يكاد يذكرنا بالميكروكوزم والماكروكوزم ووحدة الحياة عند الرومانتيكيين والقول ان حبة الرمل هي الكرة الارضية مصغرة ونقطة الماء تختصر بحار العالم وكما عند بعض المتصوفة ايضا. يقول “حبة البلوط/ هي في نهاية المطاف/ شجرة بلوط معلبة/ غيمة السماء هي موجة البحر/ موجة البحر هي غيمة السماء/ عجبا/ تحدث الاشياء/ كأنما لا يحدث اي شيء.”
وفي رومانسية حديثة يفرضها علينا عالمنا الحديث وما يفسده من الطبيعة وحياتنا يقول في حنين إلى عالم افل وولى “كم احنّ إلى تلك الازمنة/تلك الازمنة الهادئة النظيفة/ ازمنة ما قبل الاشياء التي تشع/ والاشياء التي تهدر/ والاشياء التي ترسل الدخان/ تلك الازمنة الصغيرة كحدائق/ حيث الإنسان البسيط/ فيما الآلهة المتعددة الوظائف/ تصدح كطيور الوروار/ في سماوات العالم.”
والحياة عند الشاعر هي آلام متواصلة في مختلف اشكالها وما حياتنا الجميلة الا تلك اللحظات من النسيان المبارك التي تفصل بين ألم وألم آخر.
يقول “نحن نعيش في نسيان متواصل/ لما حدث لنا من آلام/ بما في ذلك ألم اضراسنا/ وفي نسيان متواصل/ للآلام التي لم تحدث بعد/ الهدنة المعطاة بين هذا وذاك/ هي ما نسميه من حين لاخر/ حياتنا الجميلة!”
وعلى غرار رومانتيكية الشاعر الفرنسي ألفريد دي موسيه ومن بعده الشاعر اللبناني الياس ابي شبكة في قوله “كل نفس لم تحترق لا تنير” يحملنا حسن عبد الله إلى عالم الالم وأثره في المعرفة.
قال “الآلام/ اهم مصدر من مصادر المعرفة/ الالم ضوء/ المؤلم في الالم/ هو شعورنا احيانا/ بأنه عقاب على ذنب/ لا نعتقد اننا اقترفناه.”
وأتعس الناس عند الشاعر “هم اولئك الذين يعيش الماضي المؤلم/ اكثر من عمره الطبيعي/ في ذاكرتهم.”
انها دعوة من الشاعر إلى النسيان اذا استطعنا اليه سبيلا.
الالم سبيل إلى المعرفة الا ان المعرفة ليست دائما نعمة. يقول الشاعر “ينبغي ان نحمد الله/ على الكثير مما نجهل/ مثلما نحمده/ على الكثير مما نعرف.”