محمود أمين العالم..المهنة: مفكر.. .. مناضل.. فيلسوف

محمود أمين العالم..المهنة: مفكر.. .. مناضل.. فيلسوف

د. رفعت السعيد
امتلكت مصر كثيراً من الفلاسفة المبدعين، وعاش في رحابها كثير من المناضلين السياسيين، لكن أحداً غير محمود أمين العالم لم يفعلها في مصر.. أن يجمع بين جسارة التفلسف المتقن، وإبداع النضال المتفاني.. ولهذا استحق هذه الصفحات، بل هو يستحق أكثر.. وأكثر..

في رحاب هذا العطر الدافئ المتدفق من مآذن القاهرة القديمة، وبين حواري وأزقة هذه المساحة التي تتأرج فيها أسماء تتركب أحرفها من العبق المصري الأصالة... مثل الكحكيين، والباطنية والقربية والسكرية وحيضان الموصلي ودرب المحروق، بينما تضيئها مصابيح من الأسماء اللامعة : الأزهر، الحسين، الرفاعي، المؤيد، في هذه الرحاب عاش ثلاثين عاما هي بالنسبة له «سفر التكوين» الأول، والأكثر حسما.. المصرية الحميمة المصممة على الاستحمام الدائم بطمي النيل ومائه المعطر، التدين المغموص بالسماحة الشعبية والعشق الصوفي، إعمال العقل النابع من حوارات حصيفة ومتقنة مع عشرات من مثقفي جيل يسبقه، لكننا بهذا نسبق الزمن بل نسابقه، فلنعد مع الفتى الصغير وهو يتجه في حماس خائف الى كتاب الشيخ السعدني في مدخل حارة السكرية عند بوابة المتولي، وعلى يدي الشيخ السعدني أو بالدقة مع لسعات عصاته الطويلة المدي حفظ الفتى كثيرا من القرآن، ثم قفز به الى المدرسة الرضوانية الأولية بالقربية، ومنها الى مدرسة النحاسين الابتدائية بالقرب من ميدان بيت القاضي بجوار مسجد الحسين (لم يكن الأمر سهلا، فالأب فقير، ذات صباح أوقفه أمام باب المدرسة، أخرج من «عبه» كيسا من الدمور تدحرجت منه قطع من النقود، عدها ثم عاود العد، وجدها لا تكفي، تركه على باب المدرسة وأسرع الخطى ليقترض ما تبقي لاكتمال مصروفات المدرسة من قريب له هو الشيخ منير الدمشقي صاحب المكتبة المنيرية) ويتواصل الفتى مع الدراسة عامآً، عامين ثم يقف الفقر حاجزا بينه وبين التعلم، يرضخ للأمر الواقع، وترضخ الأسرة كذلك، فقد فصلته المدرسة نهائيا لعجزه عن سداد المصروفات، صحبته أمه الى زوج أختها الشيخ منير الدمشقي وكان يمتلك مطبعة ومكتبة، وتقرر أن يتدرب الفتى ليصبح «مطبعجي»، إنها أوامر الفقر التي لا مفر منها.
يحكي هو عن هذه التجربة «كان هدف أمي أن أتعلم صنعة بدلا من مكثي في البيت، وفي بضعة أسابيع استطعت أن أتعلم جزءا كبيرا من صندوق الحروف، تركيب الجمل والعبارات، وربطها بالخيط مع الجمل الاخرى، وأبني صفحة كاملة من الرصاص، على أني في أغلب الأوقات كنت أعمل مساعدا للعدد البسيط من العمال الذين كانوا يعملون في المطبعة، لا في الأعمال الطباعية أساسا وإنما في الخدمات الصغيرة كإحضار الشاي وشراء السجاير لهم الى غير ذلك»0
(التكوين- مجلة الهلال - اذار 1993)
شفاء جلالة الملك
وثمة أشياء غريبة تحدث لتغيير مسار الأشياء ، ومسار حياة البشر إنها «المصادفة» البحتة التي منحت مصر الفيلسوف المناضل محمود العالم بدلا من الأسطي محمود أمين المطبعجي0
ويحكي هو «لم تطل غيبتي عن المدرسة إذ سرعان ما جاء خطاب رسمي منها يدعوني الى العودة معفي من أداء المصروفات! وكان السر وراء ذلك أن الملك فؤاد كان مريضاً آنذاك وشفي. فتقرر منح المجانية للمتفوقين في سنوات الدراسة الابتدائية» (المرجع السابق).
هكذا عاد لنا محمود كي يكمل مشواره نحونا. انها المصادفة البحتة. فهل هي مصادفة أن يعد رسالة الماجستير عن «المصادفة»؟
لكنه ما أن أمسك الخيط مرة اخرى حتى تشبث به بكلتا يديه، فما لبث أن حصل على جائزة من وزارة المعارف، ثم استطاع شوقي الأخ الأكبر أن ينتزع له مجانية (أو نصف مصروفات ــ لم يعد هو يتذكر على أيهما كان الأمر) بواسطة وساطة لنجيب الهلالى. ثم عندما تأرجحت دراسته الجامعية بين الانقطاع والتواصل، نزعت أخته عائشة بضع قطع من الحلي الذهبية هي كل ما امتلكت لتمنحها له كي يكمل دراسته، لكنه توظف.. ودرس، وبهذا اجتاز حاجز الفقر الذي طارده بشكل وكأنه متعمد ليمنعه من مواصلة دراسته.
مكونات التكوين
إذا أردتم أن تعرفوا من هو محمود العالم.. تجولوا بأقدام عارية، بعد أن تتوضأوا في مسجد المؤيد.. في كل حواري هذه المساحة القاهرية العريقة التي عاشها وتعايش مع مفرداتها. ثم تسلقوا شباكاً من شبابيك جامع المؤيد حيث اعتاد أن يصعد ليذاكر دروسه، وافتحوا المصحف ورتلوا بعضاً من القرآن، ثم استحضروا كتباً لنيتشه، وشروحاً لعبدالرحمن بدوي وتوفيق الطويل، ثم كتاب «لينين المادية والنقد التجريبي» وعدداً من كتب انجلز.
(عندما تجاسر ونشر رسالته لنيل درجة الماجيستير تشرين الثاني 1969) كتب في مقدمته لها «على أني أحب أن أعترف بشيء، لم أستطع أن أصرح به كاملاً في البحث عندما تقدمت به لنيل درجة علمية من الجامعة آنذاك، لقد بدأت هذا البحث غارقاً حتى أذني في الفكر المثالي، هادفاً لاتخاذ «المصادفة» معولاً لتقويض الموضوعية العلمية، وهذا ما اعترفت به في بداية البحث، أما ما لم أعترف به فهو أني خلال البحث، بل في مرحلة متقدمة منه.. التقيت بكتاب «المادية والنقد التجريبي» لمؤلفه لينين، الذي قادني بدوره الى كتاب «جدل الطبيعة» لانجلز، وكان هذا حدثاً فكرياً في حياتي، قلب تصوراتي الفلسفية رأساً على عقب فأمسكت بالمعول نفسه ورحت أقوض به الفكر المثالى الذي كان يستغرقني تماماً. واقتضاني هذا سنوات اخرى أخذت فيها أنسج البحث منذ البداية على نول موضوعي جديد. بل رحت أجدد كذلك حياتي الفكرية عامة، وأبدأ مرحلة جديدة من الحياة).. امزجوا هذا كله مع لويس عوض وآرائه النقدية للاشتراكية لتحاولوا أن تتعرفوا على مكونات هذا التكوين.. لكن ذلك كله لا يعطي سوى قليل من حقيقة الحقيقة.
الأب.. الابن.. والابن .. الآخر
فهنا يكمن الجوهر... «كان أبي من رجال الدين. وكان من أتباع الشيخ محمود خطاب مؤسس الجمعية الشرعية.. وكان أبي على صداقة حميمة بالشيخ محمود خطاب.. فكان يذهب اليه عصر كل يوم في مسجده الذي بناه في حارة في المغربلين بعد نهاية شارع الخيامية.. كنت أذهب مع أبي أحياناً. كنا ننتظر الشيخ عند أسفل السلالم الداخلية لبيته الذي كان ملحقاً بالمسجد، ويقبل الشيخ في عباءته الفضفاضة وجلاله المضيء الفريد الى مجلسه من ساحة المسجد، ويتحلق حوله مريدوه. وكان للشيخ محمود خطاب مهابة ما أزال استشعرها حتى اليوم. ما أزال استشعر صفاء وجهه وشفافية نفسه».
(التكوين. الهلال. اذار 1993)
والأخ. أزهري. كفيف. هو الشيخ أحمد. كان له فضل استدراج محمود الى ساحة التعرف على العلوم الشرعية والتراث القديم بشكل عام منذ السنوات المبكرة. الأزهري الكفيف كان حريصاً على أن ينقل كل كتبه الدراسية الى طريقة «برايل» وكان بحاجة الى من يمليه. أو يقرأ له «ولقد ظللت أمليه منذ أن استطعت القراءة حتى سن المراهقة. خائضاً في مختلف كتب التفسير، والحديث، وأصول الدين، وعلم الكلام، واللغة الى غير ذلك، أفهم بعض المعاني ويغيب عني أغلبها، ولكني أعيش عطر ثقافة عريقة لايزال رحيقها الغامض يغمر نفسي» (المرجع السابق).. أما الابن الآخر فهو «شوقي» الذي كان نعم الأخ والأب والعائل. وكان أزهرياً هو أيضاً، لكنه تمرد على الأزهر وبينما لايزال في الابتدائية الأزهرية ألف كتاباً ينتقد فيه الأزهر ورجاله أسماه «الأزهر فوق المشرحة» ففصل من الأزهر لكنه شق طريقه في مجال الكتابة والأدب واللغة، وتحمل عبء الدعوة لإنشاء مجمع اللغة العربية. وعندما تأسس عين موظفاً فيه، ثم أصبح عضواً بالمجمع. وكانت مكتبة شوقي الزاخرة هي المنهل الذي عاش محمود في غماره زمناً طويلاً، وكان شوقي صديقاً حميماً للأستاذ كامل كيلاني الذي كان يسمى آنذاك نقيب الأدباء، وكان داعية عالى الصوت للاهتمام بأدب الطفل والتأليف المتعدد الجوانب لهم.. وبادر هو فكتب المئات من الكتب للأطفال ما بين قصص وتاريخ وعلوم وجغرافيا وغيرها.. وإذا كان شوقي يصطحب أخاه الأصغر معه فقد اتخذ منه كيلاني معياراً أو مقياساً ليقيس به مدى تفهم الأطفال لما يكتب، ومدي قدرتهم على استيعابه، ومدي استجاباتهم له. رويداً رويداً أصبح «المقياس» شريكاً في جلسات الكبار.. بل والكبار جداً. لينبهر ويواصل الانبهار بمحاورات ومناظرات وجدل راقي المستوى في مختلف مناحي المعرفة.. وهكذا كتب على الفتى أن يسبق سنه. فالشيخ أحمد يفرض عليه قراءة الشروح والمتون في الشريعة والفقه واللغويات، والشيخ (السابق) شوقي يصطحبه الى جلسات الكبار ليمتع نفسه بحواراتهم.
مكونات اخرى
لكن تكوين عقلية كعقلية محمود العالم تحتاج الى ما هو أكثر.. وهكذا تتكشف أشياء غريبة.. هوايات غريبة. لعب الشطرنج الذي تحول معه الى عشق.. وهام بالشعر، هل قرأتم بعضاً من شعره؟ له أشعار كثيرة جداً. منها ملحمة بدأت برسالة الى الله.. يارب ياخالق للنار والعدم وخالق الشيخ للجنات والنعم، طرقت بابك ياربي وقد أثمت كفي كما بعت في سوق الضلال دمي كم أتمني على محمود العالم أن يتجاسر فيجمع أشعاره أو حتى بعض منها في ديوان.. فهي في نهاية الأمر ليست ملكاً خاصاً له.. ومع الشعر كانت الموسيقي الكلاسيكية في جماعة الجرامفون بالجامعة (هناك التقي مع طالبة من قسم اللغة الانجليزية هي سميرة الكيلاني. وفي عام 1952 تزوجا).
ومن الشعر والشطرنج والعلوم الشرعية ومناقشات الصحاب الكبار.. الى الفلسفة سريعاً رغم أنه كان موزع الجهد بين الدراسة والعمل.
وفي محطة الفلسفة اصطدم بقطار لا يرحم د. عبدالرحمن بدوي.. واستمعوا له «في المرحلة الجامعية كنت أتراوح فكرياً بين نيتشوية ووجودية عبدالرحمن بدوي، واشتراكية لويس عوض «لكن الفتى لم يمتثل لأي منهما. فعقله النشط أخضع كل شيء للانتقاد المرير. ونواصل الاستماع اليه» والغريب أنني كنت أرى في وجودية عبدالرحمن بدوي ــ خاصة بعد أن طبع رسالته عن الزمان الوجودي ــ أنها وجودية مغدورة ــ ذلك لأنه صبها في قوالب ومقولات تجمد في رأيي آنذاك طبيعتها الوجودية.. وكان موقفي مشابها من اشتراكية لويس عوض. كنت أراها اشتراكية ملتبسة غير علمية (الهلال ايار 1993).
وأنقذه ــ لبعض الوقت أستاذه د. يوسف مراد بمنهجه التكاملي وبعدها انغمس في جمعية «علم النفس التكاملي» التي جعلت من نفسها جسراً «بين مثالىتي وماركسيتي» كما يقول هو (أدب ونقد.. تشرين الاول 1992).
الى الجامعة.. خارج الجامعة
عاش الجامعة موزع القلب.. طالب، موظف، قارئ، يستمع للموسيقى ينسج أشعاراً، يلعب الشطرنج، يغازل السياسية ثم ينغمس فيها، يشاكس حتى طه حسين في سلسلة مقالات مريرة وحادة ومتفجرة كتبها هو وعبدالعظيم أنيس طبعت في كتاب «في الثقافة المصرية».. وتبدت له إمكانات الاستقرار. إذ حصل على درجة الماجيستير وعين مدرساً مساعداً لمادة المنطق وفلسفة العلوم. واستقر رأيه على أن يعد رسالة الدكتورة حول موضوع «الضرورة» باعتبارها الوجه الآخر للمصادفة. كان النجم يتألق.. حصل على جائزة الشيخ مصطفى عبدالرازق للفلسفة. وأصبح برصيده الفكري ومشاغباته الحوارية ونشاطه السياسي و الثقافي واحداً من فرسان الجامعة الذين مزجوا المحاورات الفلسفية بالحديث عن الوطن، الديمقراطية والدكتاتورية العسكرية، حرية الرأي، فهل يمكن.. أن يستمر؟.. بمعايير الزمن الناصري لم يكن الأمر ممكنا.. وطرد من الجامعة.. ونستمع اليه في عصر يوم من أيام صيف 1954 استدعيت لمقابلة د. يحيي الخشاب عميد الكلية، وجدت معه د. لويس عوض أبلغنا د. الخشاب بحزن عميق وتأثر صادق قرار فصلنا من الجامعة، وأتذكر الآن الطريق الذي أخذنا نقطعه بتمهل لويس عوض وأنا من كلية الآداب حتى ميدان الجيزة.. ما تكلمنا كثيرا، لا شك أن حزنا ذاتيا كان يملأ قلبينا، كنت أحس شخصيا بأن حلمي بالمشروع الفلسفي أخذ يتلاشي، وأشعر بتهديد غامض لمستقبل ابنتي الوليدة، ولكني أتذكر أننا ونحن نفترق.. قلنا معا شيئا واحدا، واتفقنا عليه معا بوضوح وحسم: لن نغيب أبدا عن هذه الساحة التي نمضي نحوها، ساحة شعبنا، بلادنا، ساحة مصر كلها، سنواصل فيها الرسالة التي يؤمن بها كل منا (الهلال - مايو 1993).
وقد وفي بوعده
فقد واصل الفيلسوف حلمه الفلسفي في ساحة النضال الطبقي، دون أن يتخلى عن طاقاته الفلسفية بل وطموحاته الفلسفية.
وتتوالى مراحل عدة.. لعل الكثيرين يعرفونها.. ولعل البعض لا يعرفها، لكن التعرف التفصيلي عليها يبقى أمانة واجبة السداد في عنق صاحبها.. من أجل أن تعرف الأجيال القادمة كيف عالج الفيلسوف متاهات الفعل السياسي.. والنضال الصعب المراس.. سنورد كلمات، مجرد كلمات كل منها تعني عرقا وجهدا وفكرا ونضالا.. وعذابا وما هو أكثر من العذاب، الانضمام لمنظمة النواة (لماذا النواة)؟ سألت، الإجابة: لأنها كانت تدعو لوحدة الشيوعيين وتمصير الحزب، أصبح قائدا للنواة، خاض معركة توحيد الشيوعيين، الحزب الشيوعي المصري الموحد «أصبح أحد قادته» ثم الحزب الشيوعي الواحد، لقاءات مع السادات، محاولة السادات إغراء من لا يمكن إغراءه، وتخويف من لا يمكن إخافته الاعتقال والتعذيب الوحشي في سجون الناصرية، كيف احتملت الفلسفة كل هذا العذاب؟ بل كيف كانت قادرة على منحه القدرة على الاحتمال؟ الإفراج في زمن غير الذي كان.
وفي محورآخر نجد.. الصحفي في روزالىوسف، الأديب والناقد البارز، أحد مؤسسي اتحاد الكتاب العرب.. كتابات لا تنقطع في الأدب والمنطق والفلسفة والسياسة.. محاضر في عديد من الجامعات الفرنسية.. مغترب يرفض الاغتراب عن وطنه ويرفض إغراءات كل من حاولوا احتواءه.
وفي محور ثالث.. نراه بعد السجن رئيس هيئة الكتاب، رئيس مؤسسة المسرح، رئيس مجلس إدارة دار أخبار اليوم، واحدا من قادة التنظيم الطليعي.. متهما في قضية 15 مايو الشهيرة.. ثم من جديد مساهما في إحياء حلمه القديم.
لكن.. ماذا عن العنوان؟
نعم «العنوان من المجد الفرعوني الى المجد الماركسي» ما معناه؟
وهو طالب في الثانوي أسس جمعية «المجد الفرعوني».. تحمس للفرعونية كتراث عريق ممتد يمكنه أن ينهض بمصر الحديثة، لكن الجماعة تلاشت في خضم اهتمامات اخرى، أما المجد الماركسي فهو أبدا لم يتلاش وهو عندي ليس بالصمود ولا احتمال التعذيب ولا التواصل ولا التضحية.. وإنما بالقدرة والتجاسر على النظر للماركسية نظرا انتقاديا أي أن تكون ماركسيا حقا إزاء ماركسية حقة.. وليس مجرد أسير لدى طقوس أو نصوص.. وقد فعل محمود العالم ذلك ولم يزل، متعرضا لانتقادات وغباوات كثيرة لعل مبعثها طاقات لا تنضب من الجهل والجهالة ولعلها أصعب وأشد وطأة من تعذيب السجون الناصرية، ما حيلة العاشق إزاء معشوقته سوى أن يستمر العشق، والعشق هنا هو النظر الانتقادي من أجل ماركسية أفضل.. وأجمل.. وأكثر التصاقا بالواقع المصري.
.. وبعد
عفوا فقد تجاسرت فكتبت، فلا الصفحات تكفي، ولا أنا بقادر على أن أفيك حقك، فعذرا، وليس أمامنا سوى أن نحني رأسنا تحية لمناضل ومفكر لم تنجب مصر إلا القليلين جدا مثله.. فوداعاً يا صديق العمر الجميل.. لكن ضياء فكرك وتاريخ نضالك سيبقيان أبدا معنا ومع الأجيال القادمة.

عن جريدة "الأهالى" الأسبوعية – 14 كانون الثاني 2009