غوركي.. بلا أساطير وأوهام

غوركي.. بلا أساطير وأوهام

د.ضياء نافع
نشرت صحيفة" ليتيرا تورنايا غازينا " ( الجريده الادبية ) الاسبوعية صفحه كاملة بمناسبة ذكرى لميلاد مكسيم غوركي تحت عنوان مثير (مكسيم غوركي بلا اســاطير و اوهام ) . ساهم في الكتابة عن غوركي في تلك الصفحه عدد من النقاد و

الباحثين و على رأسهم الاستاذة الدكتورة سبيريدونوفا رئيسة قسم خاص في اكاديمية العلوم الروسية هو :
(( دراسة ابداع غوركي و نشره )) . تناولت الباحثة في مقالتها تلك ، و التي شغلت اكثـر من ثلثي الصفحه وبثمانية اعمدة اهمية مكسيم غوركي ورصدت عملية العودة اليه في السنين الاخيرة وتوقفت عند مكانته في نهاية القرن التاسع عشر و الثلث الاول من القرن العشرين في عالم الادب و الفكر.


تقول الدكتورة سبيريدونوفا: " غوركي – شخصية متناقضة ومتشابكة، ولا يمكن استيعاب و تقييم اهميتة انطلاقا من مواقف سياسية ليس الا" و تتحدث بعدئذ بالتفصيل المتشعب عن موضوع العودة الى غوركي في السنوات الخمس و العشرين الاخيرة ، منذ نهاية القرن العشرين و بداية القرن الحادي و العشرين، مشيرة الى نشر المؤلفات الكاملة لغوركي في طبعتها الجديده ابتداء من 1995 ، وتقع هذه المؤلفات في خمسة و عشرين جزءاً. وتتحدث بعدئذ عن صدور عدة كتب حول مكسيم غوركي ساهم في تأليفها مجموعه كبيرة من الباحثين ، ومن بين هذه الكتب واحد بعنوان " غوركي المجهول ". "موسكو 1995" والكتاب الثاني بعنوان "غوركي .مراسلات غير منشورة " ( موسكو 1998 ) ، وقد اعيد طبع هذا الكتاب ثانية في عام 2000 لنفاد طبعته الاولى في الاسواق , وكتاب ثالث عنوانه "حول وفاة غوركي "وثائق وقائع وروايات " موسكو 2005"وكتاب رابع بعنوان "غوركي ومراسلاته""2005" وكتاب خامس عنوانه "مقالات غوركي في سياق التاريخ ""موسكو 2007" وكتاب سادس بعنوان "ارشيف غوركي" جزءان " وهو مكرس لمراسلاته مع رومان رولان وبودبيرغ , وظهرت كذلك ستة كتب اخرى بعنوان واحد مشترك وهو"قراءات غوركية" وهي سلسلة من الكتب تتناول مختلف جوانب ابداعية وتحتوي على وثائق ومواد تتناول نتاجات غوركي وتحليلها ودراستها من جديد بلا تزويق او تبريرات مفتعلة , وهذه الكتب في غاية الاهمية بالنسبة لتفهم ابداع غوركي وتحديد قيمته ومكانته في مسيرة الادب والفكر ومن مختلف الجوانب والابعاد .
تؤكد الباحثة لاحقا في مقالتها تلك على الاهتمام المتزايد وغير الاعتيادي بمكسيم غوركي في الاعوام الاخيرة بالذات سواء في روسيا او خارجها , وتتوقف بتفصيل عند اسماء المتخصصين والنقاد الذين يراجعون في الوقت الحاضر ابداع غوركي من جديد باعتباره "ظاهرة متشابكة ومعقدة ومتفردة" وتصل بعد ذلك الى الاستنتاج الاتي" يمكن القول وبكل ثقة ودقة وتاكيد,ان العالم قد بدأ بدراسة ابداع غوركي من جديد " .
تتناول الباحثة بعدئذ مكانة غوركي في الادب العالمي للقرن العشرين مؤكدة انه "واحد من ابرز شخصيات هذا الادب " وانه لايمكن ان نفهم الصراع الفكري- الفلسفي وطبيعته ,ولاجوانب الحياة الاجتماعية – الثقافية لتلك المرحلة دون دراسة غوركي ومساهماته الفكرية والابداعية , وتتوقف الباحثة طويلا عند تلك الجوانب التي كانت تثير قلق الكاتب مثل القوى المحركة للتاريخ ومعنى الانسان والاديان وعن الحرية والضرورة وعن الانسانية والقسوة وبقية تلك التساؤلات التي مازالت تشغل عقول اناس القرن الحادي والعشرين , وتربط كل ذلك بعالمنا المعاصر , الذي يقف من جديد على مشارف ازمة روحية تنبئ بتغيرات عالمية .
تستعرض الباحثة بعدئذ الصراع الفكري في نهاية القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين بشكل مكثف ثم تناول موقف مكسيم غوركي من الحركات الادبية في بداية القرن العشرين ، و هذا موضوع مثير جدا في تاريخ الادب الروسي ، اذ ان النقد الادبي السوفيتي كان يؤكد دائما ان غوركي هو الذي صاغ مصطلح " الواقعية الاشتراكية" و لكن الدكتورة سبيريدونوفا تشير الى حقائق جديدة في هذا المجال ،و تؤكد ، ان روحية المنهاج الابداعي عند غوركي هو التجديد ، و انه خلق فعلا" بداية لاتجاه ادبي جديد و الذي اطلقوا عليه تسمية " الواقعيه الاشتراكية " دون مشاركة الكاتب بصياغة تلك التسمية، اذ ان غوركي كان يستخدم غالبا مصطلح " الرومانسية الاشتراكية" ، وتطرح الباحثه سؤالا كبيرا حول ذلك و تقول " هل كان هذا المصطلح من اختلاق" الموظفين الستالينيين " ام نتيجة ل " لحلول الشيخوخة " كما يطرح ذلك الناقد الادبي سينيافسكي ، ام مرحلة جديدة فعلا لتطوير العملية الادبية في روسيا بداية القرن العشرين ؟ وتتوقف الباحثة عند هذا الموضوع وتربطه بمسيرة الرومانسية في ادب أوروبا الغربية في تلك المرحلة ، و تحلل بالتفصيل ابداع بعض الادباء الاوربين و تاثير فلسفة نيتشة عليهم ، ثم تنتقل الى مواقف مكسيم غوركي وفلسفتة الدينية ومفهوم الانسانية لدية ، وتتوقف طويلا عند مفهوم الاشتراكية عنده ابتداء من عام 1902 ، وكيف انه ساعد حزب البلاشفة برغم انه لم يكن حزبيا ، وتتحدث عن رأي لينين الذي انتقد رواية غوركي القصيرة "الام" لانه عكس الحركة العمالية في تلك الرواية بمثابة طريق نحو ايمان جديد ، مشيرا الى ان ابطالها "يذكروننا بالشخوص الانجيلية " وتتوقف الباحثة عند نتاجي غوركي "الام" و " الاعتراف" باعتبارهما نتاجين فكريين يعبران عن اراء غوركي بعد ان اطلع بامعان على بحوث لوناجارسكي المشهورة " الدين والاشتراكية " و" مستقبل الدين" ، وتتحدث الباحثة بعدئذ عن نتائج احداث 1905 ، وكيف ان غوركي درس في تلك الفترة النظريات الفلسفية الجديدة في اوروبا وامريكا,وكيف انه توصل الى استنتاجات حول مفهوم الثورة وعن تعمقه وتوسعه في دراسة فكرة الانبعاث الروحي للانسان عبر مفهوم ديني جديد ,ثم تنتقل الباحثة الى عام 1906 وتستعرض كيف ان غوركي استمع الى سلسلة محاضرات الامريكي جيمس مؤلف كتاب "تنوع التجربة الدينية " , وعلى اطلاعه على اراء البروفسور ديوي,والفيزيائي ريزيرفورد ورئيس جامعة هارفرد اليوت , وعلى الاراء التجديدية الاخيرة في الاتجاهات الدينية في ايطاليا ,وعلى اقترابه من البلاشفة اليساريين مثل بوغدانوف وبازاروف ولوناجارسكي وتتحدث ايضا عن محاولات غوركي استيعاب التيارات الفلسفية الجديدة في القرن العشرين وربط الاشتراكية بكل هذه المفاهيم, وانشغاله بفكرة جمع وتوحيد البروليتاريا بجبروت الانسان .وتتوقف الباحثة بعدئذ عند مراسلات غوركي مع بوغدانوف وبازاروف التي اميطت عنها سمة السرية في الفترة الاخيرة ليس الا ,وهي مراسلات تؤكد الاختلافات العميقة لغوركي مع افكار لينين , والتي اصبحت حادة جدا بالذات في الاعوام العاصفة (1917 عام الثورة و1918) وتتحدث الباحثة بعدئذ عن ايمان غوركي بان الجماهير العمالية ستؤيد بوغدانوف ولن تؤيد لينين ,وتختتم الدكتورة سيريدونوفا دراستها مؤكدة ,ان مواقف غوركي في اثناء السلطة السوفيتية كانت تميز بين "الاعداء" وبين "الراي الاخر",مشيرة الى ان غوركي كان فعلا الكاتب الاول في زمانه, وانه اراد ان يخلق نموذجا جديدا للادب في العالم.

مدير مركز الدراسات العراقية – الروسية في جامعة فارونش الروسية.