كيف تعرفت الى محمد حسين الأعرجي؟

كيف تعرفت الى محمد حسين الأعرجي؟

د. عبد الإله الصائغ
كنت في النجف وكان اسم محمد حسين الاعرجي معروفا بالنسبة لي واصدقائي موسى كريدي وحميد المطبعي ! وذات مرة زارني الاستاذ موسى كريدي في بيتي بشارع المدينة متابطاً كتابا ورفع سبابته في وجهي على طريقته المحببة قال مارايك بالاستاذ محمد حسين الاعرجي ؟

فقلت له الى اية جهة ترمي ؟ قال هو شاعر جميل لكنه ناقد مهم جدا ! قلت له انا لم اطلع على نقده ! فقال هل تثق بموسى كريدي ؟ فقلت له نعم ! قال كريدي اذن انت شاعر عمودي رائع لكنك شاعر فاشل في كتابة القصيدة الحرة ! هذا راي محمد حسين الاعرجي بشعر عبد الاله الصائغ ثم استل عن ابطه الكتاب فاذا به مجلة الرابطة الادبية في النجف العدد الرابع السنة الثانية ايلول 1975 صفحة 155 وما بعدها ! فرايت مقالة بعنوان هاكم فرح الدماء حيرة بين شكلين والحق اقول لقد اسعدتني مقالة الاعرجي النقدية وفي تلك المقالة يرى الاعرجي انني شاعر صورة وايقاع معا وانه يرى ذلك في قصائدي لكنني في اغان لعروس الفرات اكون مجودا بما لايقاس بتجويدي في شعر التفعيلة ! وجهة نظري مغايرة لوجهة نظر الاعرجي فانا منحاز لقصائدي المكتوبة بشعر التفعيلة ولو طبعت الديوان الآن لبقيت كل قصائدي الحرة ومحوت بعض قصائدي ذات الشطرين ! وذات مرة زارني الأصدقاء موسى كريدي وحميد المطبعي وعبد الامير معلة في بيتي ومعهم فتى ثلاثيني وعرفني بنفسه ( محمد حسين الاعرجي ) وتواصل الود بيننا 10وتعمق في لقائنا بمدينة طرابلس لكن شرخا حدث بيننا لم يكن ليستحق الشرخ ! العام الفائت احتفلنا في يوم 13 كانون اول باستقبال العام الجديد انا وام علي واختها الدكتورة نادية بو تكَرة والاعرجي وزوجته وكان احتفالا تاريخيا ! فقد ضحكنا كثيرا وغنينا اغنيات جماعية من التراث البغدادي ! ثم اردنا ان نحتفل في العام اللاحق اي العام الذي نحن فيه ! وكان الاتفاق غير الموقع هو حضور الاعرجي وزوجته وكنت اعلم بوجود غضاضة فكرية بين الاعرجي والدكتور تركي خباز فتوجست من اجتماع الاثنين في بيتي مع ان الاعرجي يعرف ان الاستاذ الخباز رجل علم وخلق عرف عنه في كل العهود !! و هذه الإشكالية خربت عليَّ التمتع في يوم مهم من ايام السنة وحياتي ايضا وهو 31 كانون اول من كل عام لكن صديقي المغفور له جعفر حمود هجول الشاعر والمناضل كان قد جاء من بنغازي ليسهر معنا فيننا هجول والصائغ عشرة عمر وزاد وملح !! وحين عرف محنتي اي ان الاعرجي راغب في ان يسهر معي وخباز راغب في ان يسهر معي !! قال لي جعفر هجول لاتخش شيئا ياصائغ فانا فاتحت الاعرجي عن حضور الدكتور تركي خباز ومشاركته لنا في سهرة راس السنة ! فقال لي الاعرجي ان ذلك لايعنيه كثيرا ! قلت للحبيب جعفرهجول اذهب وتأكد مرة ثانية فالأعرجي ليس انسانا سهلا ! ولانني لا اريد ان احرج مع اي منهما ؟ فذهب هجول وزار الاعرجي في بيته فقال له وما المانع ان يحضر الدكتور خباز والبيت بيت الصائغ وهو حر فيمن يدعوه ! وهكذا بدا الاستعداد ليوم 31 فإذا جاء مساء ذلك اليوم وكان هجول مقيما معي في بيتي خلال اجازته ! زارني الدكتور تركي خباز وعائلته بحدود التاسعة مساء وبعد نصف ساعة جاء الاعرجي وزوجه فنهضنا مرحبين به ولكنه وبمجرد رؤيته للدكتور تركي تجهمت ملامحه وقال بصوت مسموع لن اسهر مع هذا الرجل وعاد ادراجه ! وخرج من بيتي مغاضبا ولم يغفرها لي ولا لهجول !! كان الاعرجي يكرر على اسماعي انني صديق مهم بالنسبة له ونافع ايضا !! ...كنت قد وجدت له بيتا مناسبا للايجار وعملت معه على تكملة تأثيثه وحين غادر ليبيا لم يودعني او لم يرسل إليَّ من يعلمني بمغادرته فتجاهلت ذلك لاني اعرف معدنه النقي النفيس ولربما الصديق المرحوم جعفر هجول لم يوفق في التوصيل بيني وبين الاعرجي فحصل اللبس لكنني حين الفت كتبا بعده في النقد والصورة كنت أشيد به شاعرا متميزا ومقاليا مجليا وفكرا نيرا ووطنيا باسلا بحيث ان صديقنا المشترك الدكتور زهير غازي زاهد كتب لي رسالة اقتطف منها وبخط يده قوله هل اتصلتَ او اتصل بك الأعرجي (يعني محمد حسين الاعرجي) ؟ فقد اخبرته بما كان من وفائك للأدب الحق بنشر اسماء بعيدة عن الارتزاق . أخلصت للكلمة وتجاوز شعراء المتخمين من هبات نفاقهم الأدبي وهذا ما جعل لكتابك النقد الأدبي سمته المتفردة في عصرنا هذا . انه نظر الى الابداع بعيدا عن بريق الجائزة والهبة وهذا هو الباقي . زهير غازي زاهد 11:
كثيرون اولئك الذين كتبوا في رحيل العلامة السيد محمد حسين الاعرجي ولكن ما كتبه تلميذه البار وصديقه الوفي الشاعر المبدع حسين الكاصد يحمل نكهة خاصة مؤثرة ايما تأثير !! 12
( .... ذهبت الى منزله امس، وجلست في المكان الذي نجلس فيه كل جمعة منذ ثلاثة اعوام، جلست وحدي هذه المرة، لم تكن نظاراته الطبية جوار كرسيه، اما حاسبته فقد انزوت في مكان اخر، أردت ان ابكي فخشيت ان اثير دموع ولده هاشم، سألتهم عن اخر مافعله؟ ماقاله؟ ماكتبه؟ لم يجبني احد سوى حاسبته ومفكرته، هذا هو عالمه الحقيقي، يكتب ويوثق كل يوم مامر به وما واجهه، وجدت كتابه الجديد (شَذَراتٌ من العاميِّ والمُولَّد) وقد قارب على الانتهاء، ووجدت في مفكرته، إشارة لهذا الكتاب، في اخر لقاء جمعنا وكان قد تجرع او جرعة (كيمياوي) قال لي: انه اتفق مع دار نشر قطرية ـ اثناء تكريمه في الدوحة من قبل جامعة الدول العربية ووزارة الثقافة القطرية ـ على طباعة خمسة كتب يمكث على تأليفها، وقد أراني شهادة التكريم وكانت تليق به؛ لكني لم اعثر في مذكراته على اسم الدار المتفق معها ولا اسم صاحب دار النشر، وحتى اسرته لاعلم لها بتفاصيل الأمر، قلت لأسرته سأتدبر طباعة مذكراته وكتابه الجديد، وانا عازم على ذلك ؛ فقد انتهيت امس من جمع ديوانه الشعري وفيه من الشعر ماكتب حديثا ـ اثناء عودته للعراق ـ ومنها قصيدة يرثي فيها نفسه، والغريب ان تاريخها صيف عام 2006، أي قبل ان يداهمه المرض بعام ونصف العام على الاقل، ومازلت اتذكر كيف كان يعيش عام 2006 في وسط لايقدر من هو الاعرجي!!، واتذكر كيف هجّر من بيته الأثير في العامرية حتى لجأ الى بيته الذي تسكنه عائلته الآن وهو ليس ملكا انما استئجار، يبدو انه أحس بموته منذ ذلك الحين فكتب مرثيته في صيف 2006، نادما على عودته للعراق، هناك ذكريات كثيرة لي معه، وجدت بعضها في مذكراته ؛ فانه يدون دقائق الامور التي تسره والتي تزعجه، من بين ماعثرت عليه في تركته مقال له بعنوان (إطلالةٌ على ليالي الجواهريّ وكتبه) بتاريخ (بغداد:18/3/2010). لكن مشاغله ومنغصات حياته التي اخطرها المرض وحساد ابداعه حالت دون تفرغه لكتابة عموده اليومي، فاتني ان اذكر أهم مافي وصاياه وهو: أن تبقى مكتباته الأثيرة (في بولندة والجزائر وفي بيته الأسير في العامرية ومكتبته التي في بيته الذي وافته منيته فيه) تبقى كلها الى حين ان يكبر ولده هاشم فيتصرف فيها، وكان يقول : اذا اختار ولدي هاشم مجال الأدب فبها ونعمت،أما اذا اختط له مسارا اخر فهي له ميراث يتصرف به، بقي ان اقول في ختام مقالي هذا: اني عاكف على جمع ديواني وسأقوم بطبع كتابه بإشراف صديقه استاذي الدكتور سعيد عدنان عميد كلية التربية /جامعة القادسية، هذا فضلا عن نشري لكتابي عنه الذي سأجمع فيه كل مذكراته ومامر به وتعليقاته المرحة واللاذعة، فضلا عما احتفظ به لدي من ارشيف يخصه، سأجمع كل ذلك في كتابي الذي سيصدر قريبا وهو : الغريب على العراق .. . إ .