سعد صالح ..الضوء والظل والفرصة الضائعة قراءة لشخصية الاديب السياسي

سعد صالح ..الضوء والظل والفرصة الضائعة قراءة لشخصية الاديب السياسي

قحطان جاسم جواد
عن سلسلة دراسات لدارالشؤون الثقافية صدر كتاب بعنوان (سعد صالح –الضوء والظل(الوسطية) والفرصة الضائعة) يقع في 238 صفحة من القطع الكبير للكاتب والناشط في مجال حقوق الانسان د. عبد الحسين شعبان. هذه السلسلة تعنى بمناقشة ظواهر مختلفة ونشاطات جادة في انساق الثقافة المتنوعة.

يتناول شخصية عراقية وطنية اجتمعت فيها ثلة من الصفات والخصائص النادرة التي لايتسنى لباحث ان يرجح احداها على الاخرى. فهو سياسي كبير وشاعر كبير وصانع قرار ووزير الى جانب كونه معارضا لايلين في مواجهة الانحراف عبر الصحافة والبرلمان , من دون ان ينسى نفسه كونه رجل دولة. وفي مجال الادب برز شاعراً في القصيدة العمودية التي امتازت بعذوبة الكلمة والعمق والصور الجمالية.
قسم المؤلف كتابه الى ثمانية فصول مع مقدمتين الاولى كانت للطبعة الاولى من الكتاب التي صدرت في بيروت عام 2009 والثانية للكتاب الذي صدرقبل ايام..
في الفصل الاول تناول المؤلف جذور الحياة في محافظة النجف من خلال العناوين التالية (النجف والفرصة الواعدة) و (سسيولوجية النجف وتاريخها) و (جامعة النجف) و (الدولة العراقية والمؤسسة الدينية و (الدولة والروضة الحيدرية) (الروحانية والسياسة).
في الفصل الثاني تناول اكثر من مبحث من خلال (العراق والفرصة الحالمة) و (ذاكرة المستقبل) و (هوية الارهاصات الاولى) في حين يؤشر المؤلف في الفصل الثالث (الفرصة الوطنية - اهلك وطنك) وكذلك السجايا الانسانية.
في الفصل الرابع يتطرق الى البلاغة والفرصة الحائرة، والفرادة والوسطية والحرية والقيم العليا. اما في الفصل الخامس فقد تناول سعد صالح وفرصته الشعرية، والقصيدة الكلاسيكية والنزعة التجديدية وقصيدة الاشباح التي قرأها قراءة نقدية.

في الفصل السادس ناقش الفرصة الشخصية (سسيولوجيا وتاريخيا), وقرأ ايضا المؤهلات الفكرية والسياسية اضافة الى الادبية لشخصية سعد صالح.
الفصل السابع تضمن عدة محاور لخصها بتسمية صداقات ومدارات من خلال علاقة سعد صالح بالجادرجي التي اسماها صداقة القمم. ثم علاقة سعد بالجواهري (صديقان ثالثهما الشعر) ,وعلاقة سعد بصالح جبر (صداقة الاضداد) ,وصداقة سعد صالح بأحمد الصافي النجفي التي اطلق عليها صداقة (الاخوند) والتمرد الاول.
وترك الفصل الثامن لقضية المواطنة ومناقشتها من خلال (المواطنة والفرصة الضائعة) و (المواطنة والهوية) و(خلفيات فكرية).
واضاف الى ذلك اضمامات هي عبارة عن ملاحق الاول عن قصيدة الاشباح، والثاني لنص نثري بعنوان (السفينة الذهبية) والثالث رسالة الى عائلة الزيبق والرابع سعد صالح والمعاهد العراقية التركية، والخامس سعد صالح ومعاهدة بورتسموث و(بيان حزب الاحرار).
وعلى الرغم من ان هناك من يقول ان ساحة السياسة والادارة حين كسبت سعد صالح، فأن ساحة الثقافة والادب خسرته شاعرا مبدعا ومثقفا بارزا، لكنه حتى وهو في خضم انغماره السياسي والاداري لم ينس الادب، وكان يطرز مراسلاته ومطالعاته وخطبه البرلمانية واحاديثه الشفوية وافتتاحيات جريدته، يطرزها بدرر من الحكم والامثال مستعينا بلغة مطواعة وجمل انيقة وبطريقة اقرب للغة الادب منها للغة السياسة. كان سعد صالح اديبا مع السياسيين، وسياسيا مع الادباء. وحسب المثل الفرنسي (كان يلبس القبعتين) ويحمل هموم السياسة والثقافة.
وكان يوثق معظم مواقفه السياسية بقصائد ادبية منها موقفه من معاهدة بورتسموث التي يقول فيها :ـ

ابوارق الامال والالام
لوحي لعلك تكشفين ظلامي
فقد بدا شبح الهموم على الدجى
ملكا ركاما قام فوق ركام
يوحي الى نفس المريض كآبة
خرساء تخلع مهجة الضرغام
متوسطا شبحين ذاك لمحنة
الوطن الاسير، وذا لفرط سقام
فلعلتي شبح رهيب كاردى
ولموطني شبح جريح دامي

وسعدصالح حين يكون مسؤولا في الدولة فانه يقترب من المعارضة كما يتبنى مطالبها. وحين يكون في المعارضة لايعادي الدولة، وان اختلف مع حكامها. وكان يميل الى الاصلاح والتغيير بالوسائل السلمية. الى جانب نصرته للمرأة حيث كان داعيا لحقوق المرأة ورافضاً تكبيلها بالقيود والعادات البالية لاسيما قضية السفور التي تبناها.
قالت عنه جريدة الحياة اللندية(كانت الاربعينات هي التي اطلقت السياب والملائكة وعاتكة ولميعة عباس وبلند الحيدري كرواد للشعر الحديث، لكنها لم تول اهمية لنجم سياسي سطع نجمه اديبا ونيابيا وهو شاعر مجيد اسمه سعد صالح).
في حين يذكره المؤرخ نجدت فتحي صفوت بقوله (لقد شهدت بغداد مولد شيء جديد هو الادب السياسي، وكان سعد صالح الاديب الموهوب والكاتب الملهم قد عاد بعد استقالة وزارته الى جريدة الاحرار معارضا يكتب افتتاحياتها بعقل سياسي ناضج وقلم شاعر ناقد اخذ البلاغة من جميع جوانبها. فكانت مقالاته حديث النوادي الادبية قبل المجالس السياسية.
في حين قال عنه الجواهري (ان السياسة كسبت اديبا كبيرا). وحين كان وزيرا للداخلية قام بأجازة عدة احزاب كان لها شأنا في العراق هي حزب الشعب برئاسة عزيز شريف والحزب الوطني الديمقراطي برئاسة كامل الجادرجي وحزب الاتحاد الوطني برئاسة عبد الفتاح ابراهيم وحزب الاستقلال العروبي برئاسة محمد مهدي كبة. هذا يعني ان سعد صالح منح الترخيص لاحزاب يسارية عارضت بريطانيا بحيث لقب سعد بعدو الانكليز لما كان يكنه لهم من مواقف واراء معارضة.
امن سعد بالكلمة الحرة وبدور الصحافة في نشر الوعي وفي تعزيز الاصلاح السياسي المنشود وذلك واضح من خلال دعوته لالغاء القوانين المقيدة للحريات.
ان كتاب د. عبد الحسين شعبان عن الاديب والسياسي سعد صالح جاء ليضفي الكثير على هذه الشخصية التي يجهلها الكثيرون لاسيما الجانب الادبي فيها ونشر اشعاره ونصوصه النثرية.
اخيرا نذكر هذه الابيات المعبرة لسعد صالح يخاطب فيها رفيق حياة الشاعر احمد الصافي النجفي فيقول :ـ


احمد قف بضواحي العراق
وناد بواسل احرارها
الى كم نكابد مر الهوان
وتشقى البلاد باغيارها
وتعبث فيها اكف البغاة
وتقطف طيب اثمارها
اما آن ننتقي بيضننا
ونرمي العداة بثوارها
لعل الدماء اذا ما جرت
على الارض تغسل من عارها