قاتل النقراشي باشا يعترف .. القاتل عضو في جمعية الاخوان المسلمين

قاتل النقراشي باشا يعترف .. القاتل عضو في جمعية الاخوان المسلمين

في الساعة العاشرة والربع من صباح امس اجتاز صاحب الدولة محمود فهمي النقراشي باشا بسيارته – كريزلر زرقاء رقمها 14 القاهرة – الباب الخارجي لوزارة الداخلية، وكانت وراء سيارة دولته سيارة ثانية تقل ثلاثة من الحرس الخاص لرئيس الوزراء.

وبعد عشر ثوان توقفت سيارة دولته امام المبنى الكبير لوزارة الداخلية ونزل منها دولته وكان احد صولات الحرس قد انطلق يسبق رئيس الوزراء على السلم الخارجي للوزارة ثم يعبر الصالة الكبيرة ليفتح باب المصعد.
ولمح الصول وهو يجتار الصالة نحو المصعد شابا يرتدي ملابس ضابط في البوليس برتبة ملازم اول.. وكان يقف على باب الممر الضيق الذي يقع على يسار الداخل الى مبنى الوزارة ووصل الصول الى باب المصعد ففتحه انتظارا لرئيس الوزراء وكان دولته لحظتها قد اتم صعود السلم الخارجي وبدا يجتاز الصالة نحو المصعد.. وكان الى يسار دولته ياوره الخاص وكان عن يمينه من الخلف احد ضباط الحرس..
***
والتفت دولة النقراشي باشا نحو الشاب الذي يرتدي ملابس ضابط بوليس.. وكان هذا قد ضرب كعبيه بشدة ف حركة عسكرية ظاهرة ورفع يده بالتحية العسكرية لرئيس الوزراء الذي يمر على قيد مترين منه.
ولفتت هذه الحركة نظر النقراشي باشا فالتفت نحو الشاب وابتسم وهو يرفع يده يرد التحية.. ثم يسير في طريقه الى المصعد.
وفي نفس هذه الثانية – وكانت يد الشاب اليمنى ما زالت مرتفعة الى جبهته تؤدي التحية – مد الشاب يده اليمنى مازالت مرتفعة الى جبهته تؤدي التحية – مد الشاب يده اليسرى بسرعة فائقة فاخرج مسدسا صوبه الى ظهر النقراشي باشا واطلق رصاصة واستقرت فيه..
وكانت الاحداث التي تلت هذا اسرع من ومضات البرق..
فقد بدا كان النقراشي باشا قد توقف عن السير ثم التفت الى الوراء وقد بدأ الالم على ملامحه المقطبة واذا القاتل يواصل اطلاق الرصاص فيصيب رئيس الوزراء برصاصتين في الصدر. وكانت كل منهما عند اصطدامها بصدره تهزه هزة عنيفة.. وازداد تقطيب ملامحه وهو يقول: اي. اي.. ثم يسقط على الارض واسرع ضباط الحرس بعضهم يمسك بالقاتل وبعضهم يلقى بنفسه فوق رئيس الوزراء ليتلقى عنه اي اعتداء جديد..
ولكن كل شيء كان قد انتهى.! وخرج كنار موظفي وزارة الداخلية من مكاتبهم ليروا آخر ما كانوا يتوقفون رؤيته!
وتقدم بعضهم تحمل النقراشي باشا الى مكتب وكيل الامن العام ثم مددوا جسده فوق مائدة الاجتماعات في الغرفة.
وطار بعض الحاضرين الى وزارة الصحة على مقربة من وزارة الداخلية يستنجد باطبائها واسرع بعض الاطباء الى وزارة الداخلية وكان بينهم الدكتور شوشة باشا وكيل وزارة الصحة.. وحين انحنى شوشة باشا على جثمان رئيس الوزراء كانت الحياة قد فارقته تماما..
وعلا بكاء الحاضرين وتقدم عبد الرحمن عمار بك وكيل وزارة الداخلية الذي لم يكن يملك نفسه من البكاء فغطى جثة الشهيد العظيم بغطاء مائدة الاجتماعات الاخضر..
وكان النبا قد ابلغ الى كل المسئولين واذا الغرفة تمتليء بهم.. وانحنى ابراهيم عبد الهادي باشا على جثمان الشهيد العظيم يبكي وينشج وكان الوزراء وكبار الشخصيات ووكلاء الوزارات قد جرفهم شعورهم وشهدت الغرفة منظرا لن ننساه... منظر السلطان كله راكعا خاشعا يبكي رئيسه الشهيد في حرقة واسى!..

***
وكان القاتل على بعد خطوات من هذا المنظر الدامي. وكان الحراس قد القوا القبض عليه بعد ان حاول المقاومة.. وصاح فيهم وهم يحاولون الامساك به وانتزاع سلاحه:
- سيبوني... انا مصري... انا مسلم!
وما لبثوا ان اقتادوه الى احدى الغرف. ولم تمض الا دقيقة او دقيقتان حتى كان القاتل قد استعاد هدوءه وسيطر على اعصابه.
وقال على الفور: ابوه انا قتلته!
ولم يلبث بعدها انذكر اسمه فقال انه: عبد المجيد احمد حسن.. وعمله فقال انه: طالب في كلية الطب البيطري في السنة الثالثة.. وعمره فقرر انه ثلاث وعشرون سنة!
ووصل النائب العام ومعه كبير الاطباء الشرعيينز
وبعد ان عاينا جثمان الشهيد العظيم تقرر نقله الى منزله.
وكان النبأ لم يصل بعد الى اسرته فقد اشفق الكل من وقع الكارثة..
ووصلت سيارة اسعاف سجى جثمان الشهيد على نقالتها.. وكان شيوخ الهيئة السعدية ونوابها واصدقاء الرئيس العظيم وكبار رجال مصر قد احتشدوا في فناء الوزارة فما ان خرج الجثمان محمولا على النقالة حتى فقدوا جميعا كل سيطرة على اعصابهم فاذا هم يجهشون جميعا بالبكاء ويصرخ بعضهم باعلى صوته والحزن يمزق نبراته مناديا الشهيد العظيم.
واندفع بعض الشبان فالقوا بانفسهم على الارض امام السيارة.. وهي تتحرك بالجثمان الطاهر.
واخرا افسح رجال البوليس سالبا كون – طريقا للسيارة فتهاذت ووراءها سيارة نقل ابراهيم عبد الهادي باشا واحمد عبد الغفار باشا والفريق محمد حيدر باشا.. ثم سيارة السنهوري باشا وقد ركب فيها وحده مغطيا وجهه يكفيه تاركا العنان لدموعه.. ثم سيارات بعض الوزراء.. واجتازت سيارة الاسعاف الباب الخارجي خارجه من وزارة الداخلية.. تحمل الجثمان الذياجتاز هذا الباب الى الداخل منذ نصف ساعة رئيسا للوزارة!
وانطلقت وراء السيارة البيضاء سيارات الموكب الحزين الذي يتبعها الى بيت الشهيد العظيم في مصر الجديدة.
****
ولم تكد تمضي خمس دقائق حتى اندفعت من الباب الخارجي لوزارة الداخلية سيدة شابة هي السيدة جاذبية سعد الدين كريمة حرم النقراشي باشا وعرفها بعض الحاضرين واسرع اليها حسن صبحي بك مدير الجيزة.. وتقدمت منه وهي تنتفض قائلة: حسين بك.. فين عمي.؟
وامسك مدير الجيزة يدها يهدئ روعها وهو يكتم عنها النبأ ثم يخرج معها وهي تسأله والهة:
- حسين بقي قول ومتخبيش عمي فين..
وقال لها حسين بك صبحي:
- راح البيت..
ونادى حسين بك احدى السيارات فاجلس فيها السيدة جاذبية سعد الدين وكان وجهها شاحبا والاسى في عينيها وقالت في الحاح: حصل ايه... وانحنى صبحي بك يذرف دمعة وهو يقول لها:
- البقية في حياتك..
وحملقت في وجهه كانها لا تصدق ما يقول والتفتت الى جموع الناس الذين احتشدوا حول وزارة الداخلية والحزن يعصر افئدتهم ثم اجهشت بالبكاء..
****
وقبل ان يصل المركب الحزين الى منزل الشهيد العظيم كان ولداه هاني وصفية قد عرفا النبأ..
كان هاني عمره 12 سنة في مدرسته.. المدرسة الثانوية النموذجية ثم احس في الساعة العاشرة والنصف ان زملاءه يكتمون عنه شيئا.. وكان النبأ قد ترامى الى المدرسة واشفق الجميع من الناظر الى التلاميذ على هاني عندما يبلغه نبأ مصرع والده.
وانتهت الحيرة لما وصل الى المدرسة احد موظفي رئاسة مجلس الوزراء ليصحب ابن الشهيد العظيم الى منزله..
وفي الطريق.. عرف هاني النبأ..
وتكررت المفاجأة نفسها مع "صفية" كريمة الشهيد وعمرها 10سنوات وشهدت مدرسة الامريكان ما شهدته المدرسة الثانوية.. وفي السيارة الى البيت عرفت الفتاة الصغيرة نبا مصرع والدها.
ووصل هاني وصفية الى البيت في وقت واحد.
****
وكان جثمان الشهيد قد سبقهما بدقائق قليلة.. وحول الجثمان العزيز.. التقت الاسرة كلها.. الى وجه والام.. والولد.. والبنت.. وركعوا يبكون رجل الاسرة.. وحولهم رئيس الديوان والوزراء يبكون رجل مصر..
ومرت فترة رهيبة..
ودخل من يقول ان صاحب الجلالة قد جاء ليحي رئيس وزرائه تحية الوداع..
وشدت الارملة الباسلة قامتها والى جوارها وقف رجلها الصغير.. وابنتها..
ودخل جلالة الملك وكان يرتدي ملابس مارشال الجو.. وتقدم صاحب الجلالة من الجثمان وانحنى يقرأ له الفاتحة والتاثر يملك كل مشاعره..
ثم اتجه جلالته الى هاني وصفية وقبلهما وهو يقول لهما بتأثر بالغ:
- لقد كان ابوكما بطلا.. وفي الوقت الذي كانت مصر كلها تبكي فيه بطلها الشهيد كان قاتله لا يزال في وزارة الداخلية. وبدأت تفاصيل الجريمة الرهيبة تتضح شيئا فشيئا.. واتضح ان القاتل وصل الى مسرح جريمته قبل ارتكابها بسبع دقائق وانه لما دخل تساءل احد الحراس عنه فقال حارس اخر:
- ده واحد ضابط...
ولم يعبر الامر بعدها اي اهتمام، وكان القاتل قد وقف يتمشى في ردهة الوزارة ذهابا وايابا فلما سمع الحركة المعتادة واستعداد الحرس ادرك ان رئيس الوزراء قد وصل فوقف في الموضع الذي ارتكب فيه جريمته..
وظهر ان صولا من المباحث الجنائية اسمه محمد بهى شرف وان ضابطا من مباحث الداخلية هو اليوزباشي مصطفى علوان دخلا ردهة الوزارة بعد حرس رئيس الوزراء وابصرا القاتل وهو يخرج مسدسه قبل ان يطلقه وهجما عليه ولكن الرصاص كان اسرع منهما.
وظهر ان المسدس الذي استعمله القاتل من طراز "بريتا" وقد وجدت فيه طلقتان لم تستعملا بعد احداهما في الماسورة على وشك الانطلاق والثانية مازالت في خزانة الرصاص.
ولم يكن في جيوب القاتل اوراق.. ولم يكن معه الا خمسة عشر قرشا وثلاثة مليمات ومنديل واحد..
وكانت بذلته الرسمية جديدة.. وكذلك قميصه الابيض وكرافاته الاسود.
وابتسم القاتل لما سأله احد ضباط البوليس عن مصدر البذلة فقال:
- من سوق الكانتو.. بخمسين قرش!
وقال القاتل انه اشترى المسدس بخمسة جنيهات وان المسدسات تملا الدنيا.. وقال لسائله بحيث : هل تريد ان اشتري لك الف مسدس منها!
****
وحين ذهب رجال البوليس يفتشون منزل القاتل ذعرت امه السيدة اقبال حسني وظنت ان شيئا حدث له هو.. قالت :
- يا نهار اسود.. هو اتجنن!! وقد اغمى على الام من تأثير الصدمة.
وظهر انالقاتل غادر بيته في الساعة السابعة والنصف صباحا.
وقال القاتل انه القى بملابسه التي خرج بها من البيت الى النيل!!
وظهر ان والد القاتل كان مهندسا في البلديات التابعة لوزارة الصحة.. وانه توفى منذ خمس سنوات تاركا لاولاده المنزل الذي يعيشون فيه وهو فيللا صغيرة في شارع حسني بحدائق القبة رقم 6.. وكذلك ترك لزوجته معاشا قدره 21 جنيها شهريا..
وللقاتل اربعة اخوة.
اخ اكبر منه.. يعمل ضابطا في الجيش هو اليوزباشي حسن احمد حسن.
اخ اصغر منه لايزال طالبا في التوجيهية اسمه عيسى..
شقيقة متخرجة في كلية الاداب تعمل في وزارة الشئون الاجتماعية واسمها فاطمة احمد حسن..
شقيقة صغرى اسمها هدى.
وقد نال القاتل شهادة التوجيهية في العام الدراسي 43-44.. وكان منذ ذلك الوقت عضوا في جمعية الاخوان المسلمين.. وقام بتأسيس شعبة لها في حدائق القبة وكان شديد التحمس لدعوة الاخوان لدرجة انه كان يؤذن بنفسه لصلاة الفجر وصلاة الجمعة..
وكان القاتل متفوقا في دراسته وكان يتمتع بالتعليم مجانا..
وظل حتى امس يواظب على حضور دروسه وقد استدعى استاذه الدكتور عماد الدين الجندي المدرس بكلية الطب البيطري فقال انه لاحظ غياب القاتل اثناء محاضرة الصباح اليوم – امس – ولكنه لم يكن يتصور ان يكون وراء غياب تلميذه هذه الكارثة الرهيبة.
***
وافاقت والدة القاتل من اغمائها لتواجه اعنف ازمة في حياتها.
وكانت الام في ذهول من جريمة ابنها وقالت انها كانت ترعاه دائما وتمتعه حتى من الاشتراك في الرحلات المدرسية حتى لا يختلط بسيئى السلوك من الطلبة.. وقالت الام انها تكاد تجن من الخيانة التي اقدم عليها ابنها بجريمته الرهيبة في الوقت الذي يحارب فيه شقيقه لاكبر في صفوف الجيش المصري بفلسطين ويضحى بنفسه في سبيل الوطن..!