قراءة في : التوراة والنقد الجديد...

قراءة في : التوراة والنقد الجديد...

■ شكر حاجم الصالحي
يعجبني دأبه ومثابرته وعزلته وانصرافه الى الجهد النقدي والدرس الأكاديمي , وغزارة انتاجه وتنوع اهتماماته ونضج تجربته ,فهو لا يكف عن متابعة النتاج المعرفي العراقي والعربي دارسا ومجادلا ومصوبا من خلال حضوره الفاعل في المشهد النقدي تأليفا وتمحيصا ومناقشة على الصفحات الثقافية في الصحف والمجلات المتداولة ,

واستطيع القول ان الناقد الدكتور قيس الجنابي من القلة الذين يتناولون بدراساتهم النصوص الشعرية والسردية معزولة عن منتجها ,فهو يتعامل معها بخبرته وثراء وغنى معارفه النقدية ,ويقول فيها ما يقول بتجرد وموضوعية ونقاء سريرة ,ولذا فأن قارئه ينظر الى ما يقوله باعجاب وتقدير وثناء ومحبة رغم اختلاف وتباين وجهات النظر الشخصية بشأن النصوص المنقودة...
ولنا في كتابه الحديث : التوراة والنقد الجديد.. الصادر عن دار تموز الدمشقية اوائل عام 2013 م ما يؤكد مزاعمنا بصدد موضوعيته وحسن ادارته لفن الحوار مع الآخر المختلف وهذا ما سيتضح لنا خلال هذه القراءة الودودة...
يتألف الكتاب من مقدمة موجزة واربعة ابواب هي :
الباب الاول في الاسطورة والتوراة وهو فصلان :
هما الفصل الاول : البحث الاسطوري والتوراة من التناص الى التأويل
الفصل الثاني : تأويل النص التوراتي ومستقبل النقد الفكري وهذان الفصلان كرسهما الناقد الجنابي لمناقشة مشروع الباحث ناجح المعموري في دراسة التوراة وعلاقتها بالاسطورة.والباب الثاني في الشعر والقصة القصيرة وهو فصلان ايضا هما الاول : الإحالات التوراتية في الشعر العربي , والفصل الثاني : الشخصية الصهيونية في القصة العراقية القصيرة بعد حرب حزيران 1967.
اما الباب الثالث فهو : في الرواية , ويتكون من أربعة فصول هي :
الفصل الاول : البناء الروائي والنزوع التوراتي في رواية (جسر بنات يعقوب) لحسن حميد.
الفصل الثاني : رحلة التوازي بين رواية (تل اللحم)لنجم والي والتوراة.
الفصل الثالث : شعرية الخيانة والأرث التوراتي في رواية (صورة يوسف)لنجم والي).
الفصل الرابع : تحت ظلال التوراة.. قراءة في رواية (حارس التبغ) لعلي بدر..
اما الباب الرابع وهو الاخير فقد كان بعنوان :في الادب الصهيوني ,وهو فصلان هما :
الفصل الاول : الشعر الصهيوني – ملامح وخطوط بعد حرب 5 حزيران 1967 م
الفصل الثاني : قراءة في كتاب الادب الصهيوني وتضليل الرأي العام..
يقول الناقد د0 قيس الجنابي في مقدمة كتابه – التوراة والنقد الجديد...يطل النقد الجديد على الكثير من التيارات الثقافية والفكرية , حتى اصبحت العلاقة بين النقد الادبي والتوراة واضحة من خلال قيام النقاد بالبحث في الجذور والاحالات التي يستقي منها الاديب أو الباحث مادته.......... ويضيف : لقد كانت الاسطورة نبعا ثريا له أثره في تطور الوعي الثقافي / الفكري بعد بروز ظاهرة النقد الثقافي , والتلاقح الفكري بين الاديان والثقافات....... وفي الباب الأول (في الاسطورة والتوراة) والذي اراه من الابواب المهمة في الكتاب ,يتناول الناقد الجنابي في فصلين هما : البحث الاسطوري والتوراة..من التناص الى التأويل... و.......
تأويل النص التوراتي.. ومستقبل النقد الفكري.. وهذا الباب بفصليه يقوم على مناقشة مشروع الباحث ناجح المعموري ومشاكسة توصلاته في العديد من اصداراته. اذ يذيل الناقد الجنابي عنوان الفصل الأول بعنوان رديف هو : محاكمة منهجية لمشروع الباحث ناجح المعموري...........
يقول د0 قيس الجنابي :
يبني الباحث ناجح المعموري مشروعه في تصانيفه (موسى..واساطير الشرق – 2001)و (الاسطورة والتوراة – 2002) و (أقنعة التوراة – 2002) و(التوراة السياسي – 2002) في تتبع حركة الأسطورة وتحولاتها بين الماضي والحاضر , وقراءة نصوص التوراة والخطاب الديني بوصفه ارثا شرعيا للاسطورة على وفق طرح نقدي يتأسس على التوازي مع طروحات النقد الحديث , وهو في هذا المجال يتحول من ناقد أدبي يقرأ مقتربات النص سردا أو شعرا بطريقة خاصة الى باحث يفيد من طروحات النقد الحديث في التناص والطروس....
وعن ملاحظاته الجديرة بالاهتمام مناقشته موضوعة الختان قائلا : أما موضوعة الختان التي يلتقي فيها العرب المسلمون مع العبرانيين ,فأنه يعد نوعا من التضحية الذكورية التي تقلل من عنفوان الذكر وجموحه الجنسي ,وهو تقريب لقربان أصغر ساد منذ فداء اسماعيل ,واذا كان موسى ينتسب الى نسل ابراهيم ,فأنه من ثم سنة ابراهيمية وليست ميزة مصرية طارئة على أهل مصر....... ويضيف الجنابي : أما الختان عند المسلمين فتقتضي منهجية البحث العودة الى المصادر الأصلية كالتفاسير ومجموعات الحديث والكتب المتخصصة في هذا الشأن ,وفي كتب الجسد عند العرب ما يغني الباحث ,وخصوصا خفض النساء الذي يحاكي الختان عند الذكور ,في حين اكتفى الباحث بالعودة الى كتاب (ختان الذكور والاناث عند اليهود والمسيحيين والمسلمين)لسامي الذيب ,وهو مرجع حديث لا يعول عليه -.....
يتوجب على الباحث ناجح المعموري ان يقول فيها ما يراه مناسبا بالارتكاز الى مصادره ومراجعه التاريخية التي تضيء هذا الجانب المهم من اطروحات الدكتور الجنابي.......... وازعم ان المعموري لاشك لديه من القول الذي يدلل على حيوية الحوار والجدل النافع في هكذا موضوعات تستأثر باهتمام القراء والمختصين...... وهنا أقترح على الناقد الجنابي ان يمنح جهد المعموري ومشروعه الواسع المزيد من الاهتمام والبحث والتقصي ليفرد له كتابا لوحده وهو القادر كما أزعم على النهوض بمثل هذا العمل المفيد....
وفي الباب الثاني من (التوراة والنقد الجديد) يتناول بالبحث والتحليل الناقد د0 قيس الجنابي وعبر الفصل الاول :
_ الإحالات التوراتية في الشعر العربي _ مشيرا في التوطئة الى ان التوراة تعد كتابا مقدسا ,نزل على شكل الواح ,يمثل شريعة العهد القديم ,نزلت في عهد النبي موسى ,ثم دونت فيما بعد في نحو عام 700 م ,تضمنت طقوسا ووصايا استقاها اليهود من الاديان والاقوام التي سبقتهم في بلاد الرافدين ومصر.....
لقد استخدم الشعراء العرب الكثير من الاشارات والاحالات التي وردت في اسفار العهد القديم وأناجيل العهد الجديد والقرآن الكريم ,وفي الاساطير والأديان , اذ تبدو الرواية التوراتية لاحداث الخليقة ونشأة البشرية طاغية ومتداولة بوضوح ,فقد عمد الشعراء الافاضة في تناول تلك الافكار تعبيرا عن الاثر الاسطوري والديني والمعرفي في حقل الشعر ,وقد تنوعت الاحالات بين الرمز والاشارة والتلميح أو الأيماء ,
ويأخذ الناقد الجنابي شواهد شعرية تؤكد توصلاته ونتائج بحثه المستفيض , فمن نازك الملائكة والسياب وعبد الوهاب البياتي وخليل حاوي وعبد العزيز المقالح وحسين مردان وليس انتهاء بعلي جعفر العلاق وزاهر الجيزاني ورعد عبد القادر وطالب عبد العزيز....
يقول علي جعفر العلاق في قصيدته : أيام آدم
أمن ضوء تفاحة
بــــــدأ الكــــون؟
أم بـــــــدأ الكــون
مــــــــن نـــــــدم
عــــاصـــــــــــف
فــــــي الـــــــــضمير
وكيف غــــــــــدا آدم
ســــــــــــــــــــيدا
حــــــين اندلعـــت
بين كفيه شمس الحصى
عطـــــــر رجـــولته..
وهذا المقطع من قصيدة العلاق يشير الى استثمار قصة الطرد من الجنة ,أما عبد العزيز المقالح فانه يستثمر رمز يهوذا باعتباره رمزا للخيانة والغدر فيقول :
وكان يهوذا هناك يقبل رأس المسيح ويشرب نخب الاله
وفي كل رشفة كأس يصلي
يـــناجــــي..... ويصيح
وفي الفصل الثاني _ الشخصية الصهيونية في القصة العراقية بعد حرب 5 حزيران 1967 م – يستعرض الناقد الجنابي تأريخ أقدم هجرة يهودية الى العراق في عهد نبو خذ نصر الملك الكلداني الذي حكم 43 سنة (605 – 562 ق. م) والذي قام بتجهيز حملتين على مملكة يهوذا للقضاء عليها.. ويشير الناقد الى اهم الاسماء التي استثمرت التوراة ورموزها في نتاجها القصصي مثل لطفية الدليمي ,عبد الستار ناصر ,بثينة الناصري ,ناجي التكريتي ,ويقرر في ختام هذا الفصل : على الرغم من كل الملامح العامة السابقة لهذة الشخصية الا أن القاص العراقي لم يتناولها من كل جوانبها الداخلية , اذ كان رصده لها – في الغالب – رصدا خارجيا..
وأخيرا.. لابد من الاشارة الى ان هذه القراءة تطمح للفت نظر القاريء ودعوته لقراءة (التوراة والنقد الجديد) وهي لم تقدم كشفا تفصيليا بمحتويات هذا الأنجاز القيم... والذي اتمنى لمبدعه الدكتور قيس الجنابي التوفيق والسعي لجعل كل باب من ابواب كتابه كتابا موسعا يمنحه بعض وقته وكثير اهتمامه وجهده وهو القادر على ذلك كما أعتقـــــــــــــد.............. وأجــــــــــــــزم..........