الأزمة الاقتصادية العالمية تعيد عناقيد الغضب إلى الواجهة

الأزمة الاقتصادية العالمية تعيد عناقيد الغضب إلى الواجهة

بعد مضي 70 عاما على نشر رواية «عناقيد الغضب»، مازال موضوعها الذي يصوّر جشع الشركات الكبرى وحالات البطالة حاضرا بقوة في وقتنا هذا.
قرأت رواية «عناقيد الغضب» خلال فترة المراهقة المضطربة، حيث تمارس القراءة بحماس بالغ. ولقد تأثرت بالشفقة والغضب اللذين اثارهما جون شتاينبك لدى اولئك الناس ممن فرّوا من ولاية اوكلاهوما بحثا عن العمل، ولكنهم لم يجدوا اي شيء سوى القسوة، والعنف، وعدوانية المصارف والشركات غير الأخلاقية وإهمال الدولة لشعبها في ارض الحرية.

كانت الرواية قد نشرت في عام 1939 وأصابت قراء الانكليزية في العالم بالصدمة. ولقد مضت سنوات من دون أن اقرأ له.
ولكن في أوائل العام قبل الماضي 2011، عندما طُلب مني إعداد فيلم حول شتاينبك لمؤسسة بي ــ بي ــ سي، عدت الى قراءته ببعض الخشية والترقب. فأفضل القراءات في مرحلة المراهقة التي قد تعتبر من القمم يمكن أن تتحول الى نقطة متدنية في أواخر مقتبل العمر. فالحياة مستمرة في التقدم، غير أن معظم الكتب قد لا تتقدم معها.
ولكن، وبعد مرور خمسين عاما تبدو رواية «عناقيد الغضب»، رواية تتسم بالوحشية كما كانت دائما، بل وأكثر غنى بالنسبة لادراكي لما قام به شتاينبك للهجة ولاية أوكلاهوما، وكذلك لشخصياته التي مازالت حيّة تحمل غضبها تجاه المصارف «المصرف، ذلك الوحش، عليه أن يجني الارباح في كل الاوقات، ولا يستطيع الانتظار. فهو سينفق عندما يتوقف عن الاستمرار والنمو. وهو لا يستطيع البقاء في مكان واحد».
البداية في أوكلاهوما
وقد بدأنا التصوير بطاقم صغير في أوكلاهوما قرب المكان الذي تبدأ فيه الرواية.
وفي ذلك الصيف كان هنالك جفاف آخر كذاك الذي حدث إبان الثلاثينات، غير أن أساليب الزراعة باتت أفضل الآن. وعلى الرغم من ذلك فإن العديد من المزارعين يواجهون الإفلاس.
وفي أيام شتاينبك كانت هذه المنطقة جزءا من منطقة أكبر عانت من الجفاف ومن الأعاصير الرملية. وكتب في «عناقيد الغضب» ان «كل شيء يتحرّك يرفع الغبار في الهواء. رجل يمشي رفع طبقة رقيقة ارتفعت الى الأعلى إلى مستوى خصره. وتركت سيارة في الطريق سحابة خلفها». وصور الارشيف خلال تلك الفترة تظهر عواصف الغبار تندفع عبر الاراضي المنبسطة مثل عواصف التورنادو.
على متن شاحنة
وفي الرواية نجد أن اسرة جود اضطرت الى ترك مزرعتها تحت ضغوط المصارف، وتكدّس أفراد الاسرة كافة، وعددهم 12 فردا، على متن شاحنة متجهين الى الشاطئ الغربي للولايات المتحدة، أي مسافة تصل الى اكثر من ألف ميل عبر الصحراء، وسلسلة جبال. وعلى الرغم من أن شتاينبك ليس مسيحيا، فإنه اقتبس من انجيل الملك جيمس بعض الحكايات، مثل اقتباسه قصة قابيل وهابيل التي تحولت الى رواية «شرق عدن». كما اقتبس منه ايقاعه النثري. والاسرة المكوّنة من 12 فردا على متن تلك الشاحنة قد تمثل القبائل الاسرائيلية الباحثة عن الانعتاق والتحرّر.
والشاحنة ذاتها قد تكون رمزا لسفينة سيدنا نوح، بل إن هنالك شخصا يدعى نوح على متنها. ولقد كانت تلك الرحلة هي التي تابعتها برفقة طاقم التصوير، عبر الطريق رقم 66 الشهير «الطريق الرئيسي للمهاجرين.. طريق الناس الهاربين اللاجئين هربا من الغبار ونقص الاراضي، ومن هدير الجرارات وتقلّص الملكية».
ولاية كاليفورنيا، وفي واقع الامر فقد انفصلت تلك الولاية من جانب واحد عن بقية الولايات، ورفضت دخول أبناء بلدها الاميركيين وعاملتهم كمجرمين، كما تعرضوا للضرب، والحرمان من حقوقهم المدنية.
وفي سبتمبر عام 1936 وقعت معركة في مدينة ساليناس في ما بين قوى الشركات الزراعية.
شارك فيها 250 من قوات المحاربين الأميركيين شبه الفاشية، وألفان من المتطوعين المحليين، وبين العمال، ممن ارغموا على قبول اجور أقل من أن تحقق لهم أقل احتياجاتهم المعيشية. كما انهم كانوا ضحية العمال الآخرين ممن كانوا على استعداد لقبول أي اجر يقدم لهم.
في مسقط رأسه
وكان شتاينبك قد درس العلوم في الجامعة، لكنه منذ فترة مبكرة من عمره اهتم بان يكون كاتباً، ووضع لنفسه روتينا صارماً. وكان مغرماً بالأعمال الادبية العظيمة وبعلم الأحياء، والأحياء البحرية بصفة خاصة، وقد كتب مقالات حول المهاجرين ممن يمرون عبر ساليناس، مدينته. كما عمل في بعض الأعمال الوضيعة في مناطق مختلفة في كاليفورنيا لعدة اشهر خلال سنوات دراسته الجامعية.
غير ان رواية «عناقيد الغضب» شكلت تغييراً جذريا بالنسبة له. فقد بدا وكأنه انتقل إلى مرتبة اخرى يتناول فيها المجالات الشعورية والسياسية، التي كان يراقبها فقط في السابق.
في قلب القضية
أما في رواية «عناقيد الغضب» فهناك شعور بان شتاينبك مشارك اساسي، فما الذي تغير فيه؟ اعتقد ان ذلك يعود إلى شخص يدعى توم كولينز. فبعد معركة ساليناس قرر شتاينبك ان يعمل بصورة سرية لأشهر عدة لاجراء بحوث حول القضية التي تحولت إلى «عناقيد الغضب». واجرى اتصالات مع إدارة امن المزارع في واشنطن، وقال انه يرغب في العمل كمهاجر.
وكان شتاينبك يكتب باندفاع وحماسة وقال ان الجهد الذي بذله كاد يودي به.
من كتاب الوحي
لقد اقتبس شتاينبك عنوان روايته من كتاب الوحي، وكانت الرواية الاكثر مبيعا في اميركا في عام 1939 وتحولت الى فيلم سينمائي قام بدور البطولة فيه الممثل الاميركي هنري فوندا ومن اخراج جون فورد، وقد تحول الفيلم الى عمل كلاسيكي مثل الرواية التي استوحي منها.
وقد بيع من الرواية 14 مليون نسخة وما زالت تباع.
بعدها بدأ شتاينبك يعمل على تطوير اهتمامه بالعلوم الطبيعية، وألف العديد من الكتب، كما بدأ اهتمامه الاكبر ينصب على ايجاد ارضية مشتركة فيما بين العالم الطبيعي المنظور وبين العوالم الخيالية والروحية.

عن/ الغارديان