حكايات بغـدادية  للأب انستاس ماري الكرملي

حكايات بغـدادية للأب انستاس ماري الكرملي

تحقيق: د. داود سلوم ........... الناشر: دار المدى – 2010
مراجعة: فريدة الأنصاري
أختلف الباحثون في تعريف الحكاية الشعبية،رغم أدراجها ضمن الأعمال الأدبية التراثية.ولعل أقدم الحكايات الشعبية هي الحكاية الشعبية العراقية،فألف ليلة وليلة لم يتناقلها العراقيون فقط، بل تناقلها الشرق والغرب، وأقتبس الكثير من هذه الحكايات.وتعد الحكاية الشعبية البغدادية برموزها وشخوصها امتداد لحكايات ألف ليلة وليلة،وأول من جمعها واعتنى بها الأب أنستانس الكرملي، حين قام في عام 1911بجمع تلك الحكايات من أفواه النساء العجائز البغداديات.

وقيل بأن أحمد علي الصوفي(1897- 1982) هو أول من جمعها، ومن ثم الكرملي وبعدهما الليدي دارور، وعزيز الحجية،ويوسف أمين قصير،وباسم عبد الحميد - في مجلة التراث الشعبي -.وداود سلوم.

لأهمية هذه الحكايات تولت دار المدى الحفاظ على هذا التراث الشعبي من خلال طبع كتاب الأب أنستاس الكرملي"حكايات بغدادية"بطبعة محققة من قبل أحد ابرز أساتذةوأعلام العراق د.داوود سلوم.
للحفاظ على القيمة الجمالية للنص المحكي وتقديمها للقارئ العراقي خاصة والعربي عامة قدم د.داود سلوم تلك الحكايات بقسمين:- القسم الأول قدمها منقحة باللغة الفصحى،والقسم الثاني أوردها بلهجتها البغدادية تحت عنوان"التفتات أو حكايات بغدادية"وبتعليقات الأب أنستانس الكرملي على بعض ألفاظ الحكايات العامية.
يلاحظ على هذه الحكايات التي بلغ عددها اثنان وخمسون حكاية بأن السحر والجن والشعوذة تحتل جزءاً مهماً وكبيراً من الحكايات، ولعل ذلك يندرج ضمن الأنماط البدائية التي تشكل الفهم السابق للمجتمع لحل جميع المشكلات أي بأنها تعكس طبيعة المجتمع العراقي والعربي في القرون الماضية.فنجد المرأة الساحرة تنتقم من زوجها فتحوله إلى لقلق أو إلى حمار، والزوج ينتقم من زوجته فيحولها إلى بقرة،أوتنبت من رماد جسد البنت الحلوة المظلومة شجرة آس ناطقة ثم تتحول إلى فتاة مرة أخرى (الحكاية الأولى،الحكاية التاسعة عشر،الحكاية الحادية والعشرون)وحكاية السعلوة وزواج الجن من البنت الجميلة كما في الحكاية الثانية وإلى آخره من الظواهر السحرية وحكايات الجن التي نجدها في معظم الحكايات.
واللافت بهذه الحكايات نجد مصطلحات خاصة بالعراقيين،مما يجسد اللهجة البغدادية والروح العراقية الأصيلة مثل:- مصطلح الولد التي تطلق على الشاب،والبنت على الشابة حتى بعد زواجهما وهذا ما نجده في الحكاية"الرابعة عشر والخامسة والعشرون و الأربعون وغيرها"في حين نجد هذا المصطلح يختلف عن ما هو متعارف عليه في البلدان العربية مثل سوريا وفلسطين ولبنان،إذ يطلق ذلك على الشاب الشقي الذي تتسم تصرفاته باللامبالاة وعدم الرزانة،ولأهانته يقال له"ولد"وعلى تصرفاته"ولدنة".
ومن منطلق البنت والولد في هذه الحكايات نجد بأن معظم أبطالها من الشباب والشابات، ويدورالحوار حولهم، ولغة الحب لغتهم،ذلك الحب الرومانسي الذي يقع من أول نظرة ليجمعهم إلى النهاية السعيدة (الزواج) ولعل ذلك تجسيد لمفهوم المجتمع بوجوب الفصل بين الجنسين. وأما الأمهات والآباء فدورهم ثانوي، لايتعدى مساعدة أبنائهم في تحقيق هدفهم ورغباتهم لتحقيق النهاية السعيدة للأولادهم بالزواج، وغالباً ما يكون ذلك بالدسائس والمؤامرات.
والملاحظ على الكثير من هذه الحكايات بأنها تسجل واقعاً مريراً للمرأة،ونظرة دونية لها،تعكس نظرية أن أساس الخطيئة امرأة.فهي المرأة الخائنة والمتسلطة التي تقلب زوجها إلى حمار،وكذلك هي زوجة الأب الظالمة الحقودة على أبناء زوجها،والخالة التي تغار من أختها الفقيرة صاحبة المثل والأخلاق فتحيك الدسائس لتبديل ابنة أختها المخطوبة من أبن السلطان بابنتهاوتزويجها منه (في الحكاية الخامسة والثلاثون).
ومن الشخصيات الأخرى التي تشكل محوراً في هذه الحكايات شخصية اليهودي،ونجدها مماثلة لشخصية اليهودي في تاجر البندقية لشكسبير، فهو ذلك الشخص المخادع المرابي اللص كما في الحكايات (العشرون، والثلاثون، والسابعة والثلاثون).
وكما احتل الإنسان والسحر والجن حيزاً في هذه الحكايات،نجد الحيوان هو الآخر يحتل حيزاً فيها،فنجد الغزال والحمار والعصفور وبعض الحيوانات الخرافية فنجد في الحكاية الثالثة والعشرون تحتال الساحرة لتحول نفسها إلى غزالة،وفي الحكاية الثانية عشر تتحول الساحرة إلى غزالة، لإغراء الصيادين بمطاردتها إلى البئر ثم استدراجهم،فإن لم يعجبها تقطع رأس الضحية، وتعلقه على المنارة ليرتفع فوقها عدداً كبيراً من الرؤوس.وهذا ما نجده في الحكاية السادسة والثلاثون.
وكما للحيوان والجن والأنس نصيب فالمهن الشعبية العراقية لها نصيب أيضا حيث نتعرف على الشواك والقصاب والخياط والدرويش والفلاح الذي نراه في الحكاية الثامنة بطلاً نبيلاً حين ترسم الحكاية شخصيته وتصفه بالشجاعة والبطولة.
ومما يلاحظ على هذه الحكايات رغم إيمان المجتمع البغدادي بالسحر والجن لكنه في أحلك الأوقات والمحن يلجأ إلى الله بالدعاء. فنرى النساء اللاتي لا يلدن ينذرن مختلف النذور،ويتذرعن إلى الله ليستجيب دعائهن، فيلدن كما في الحكاية الثالثة والرابعة التي تحكي حكاية السلطان وامرأته العاقر،والدعاء فوق الجبل ونذر الأم وتزويج البنت.والحكاية الثالثة عشر التي تحكي عن المرأة التي لا تحبل فنذرت نذراً بحفر ساقيتي عسل ودهن.
ونجد كذلك في هذه الحكايات الصراع بين الخير والشر وانتصار الخير كما في معظم الحكايات مثل الحكاية الثانية والأربعون.
ومما نلاحظ بأن بعض الحكايات ترجع في أصولها إلى التراث الكردي مثل الحكاية الأولى،والرابعة والأربعون، والثامنة والأربعون،حيث نلتقي بالدبو الذي ينام وعينيه مفتوحتان، وله قدرة عجيبة على التحول إلى غمامة أو عقرب وغيرها من الصور والأشكال المختلفة التي ترسمها الحكاية.وهنا يرجح د. داود سلوم كما ورد في مقدمة الكتاب بأن هذه الكلمة"الدبو"تدلل بأن أصول هذه الحكايات ترجع إلى التراث الكردي التي عربها القاص العراقي.
ولا أريد أن أطيل في الحديث عن هذه الحكايات الشعبية التي رغم خرافتها فأنها تعكس الكثير من المثل واندحار الشر في نهاية الجكاية. ولكي لا أحرم الباحثين والمهتمين بالتراث البغدادي من متعة قراءة وتحليل هذه الحكايات اختم هذه الحكايات الإشادة بمضامينها التربوية العديدة،وعبر هذه المراجعة أدعو وزارة الثقافة / دائرة ثقافة الأطفال إلى اقتباس هذه الحكايات ونشرها للمحافظة عليها من الاندثار، بعد غربلتها من بعض العبارات وتحويلها مما يناسب عقل طفل القرن الحادي والعشرين.