الصحافة الطلابية كانت مدرسية أولا

الصحافة الطلابية كانت مدرسية أولا

فاخر الداغري
تشكل المدرسة الابتدائية المعين الثقافي الذي ينهل منه التلميذ ألف باء العلم والثقافة ومن الابتدائية خرجت الصحافة الطلابية في مراحلها الأولى في بدايات نشوء المجتمع المدني متنسما عطر الثقافة ومتطلعا نحو التحضر كهدف أنساني منشود بعد الحرب العالمية الأولى 4/9/ بعد عصر الكتاتيب

والملالي المتزمت في تعامله مع التلاميذ في إيصال المادة التعليمية للدارسين بطرقه المقرونة بالعصي الطويلة وبقلوب أكثر غلظة منها وعليه فان مسلمات البناء الثقافي بدأت في العراق كأي بلد أخر من المدرسة الابتدائية حيث اخذ التعليم في العراق طابعين: الأول طابع الكمية في التدرج .. والثاني المرحلية في التطوير حيث بدأ التعليم من مراكز المدن مدعوماً بجهوده الذاتية من قبل بعض أولياء الأمور والمحسنين من التجار ووجوه المدينة الذين أسهموا في توفير المراحل الدراسية التالية إذا جاء التعليم المتوسط فاتحا ذراعيه لاستيعاب خريجي الدراسة الابتدائية تلته مرحلة التعليم الإعدادي كمعين صب فيه التعليم المتوسط حصيلته من الخريجين، وهكذا تلاحقت مراحل التعليم من خلال عملية تفاعل مشروع نجم عنه فيما بعد التعليم الجامعي الذي مثلته دار المعلمين العالية كرافد علمي في تهيئة مدرسي المتوسطات والإعداديات، وكانت دار المعلمين العالية هي الرافد الأول للتعليم المتوسط والإعدادي حيث وفرت الاختصاصات المطلوبة في الجانبين العلمي والأدبي بالنسبة للتعليم الإعدادي في وقت سجلت فيه دار المعلمين الريفية حضورا في رفد التعليم الابتدائي بما يتطلب من المعلمين حيث خطط للدراسة في دار المعلمين الريفية وفق معايير وضوابط تربوية حديثة تحاكي حالة التطور العام للعملية التربوية في بلدان أخرى الأمر الذي رفد المدرسة الابتدائية بمعلمين أكفاء شكلوا نواة لمواصفات المعلم الجديد الذي هو البديل المشروع لملا الكتاتيب ومن مظاهر تطور التعليم نشوء الصحافة الطلابية كجزء من منهج النشاط المدرسي الذي ترعاه مديريات التربية في المحافظات (الألوية سابقا).
من هنا فأن مصدر الصحافة الطلابية هو مصدر رسمي يقترن بمدى نشاط وفعالية مديرية النشاط في مديرية التربية المعنية نفسها وإذا كانت الصحافة في العراق قد بدأت بصدور الزوراء عام 1869 فان الصحافة الطلابية تأخرت في الظهور أكثر من نصف قرن ومن أوائل المجلات المدرسية هي مجلة (التلميذ العراقي) وكانت تتصف بكونها مجلة مدرسية تهذيبية أسبوعية واصلت الصدور لفترة غير قصيرة وقد أصدرها الأستاذ سعيد فهيم في التاسع من تشرين الأول عام 1922 في بغداد، وكانت موجهة إلى تلاميذ المدارس الذين وصفتهم بأنهم النشء والشبان الصغار والشبان الإحداث ومن الطلاب الذين كتبوا فيها مصطفى جواد وحسين جميل وعبد الرزاق الناصري وطالب مشتاق وكان مقياس صفحاتها (20×12) سم في السنة الأولى و(28×20) في السنة الثانية وعدد صفحاتها (12) صفحة عدا الغلاف وبدل الاشتراك السنوي فيها (خمس روبيات)وثمن النسخة الواحدة (أنتين) إي ما يساوي (8) فلوس وكانت تعلن عن نفسها إن (التلميذ العراقي) هي أثمن وارخص هدية يقدمها المعلم إلى تلميذه والأب إلى ابنه والصديق إلى صديقه وقد توقف صدورها بعد بضعة أعوام لكن الأستاذ سعيد فهيم الذي لم يذكر المصدر في اية مدرسة ظل يمارس نشاطه في العمل الصحفي الطلابي ويبدو انه من باب المبادرة والرغبة والاستعداد الذاتي فاصدر في شباط عام 1929 مجلة (التلميذ) وذكر على غلافها الأول: انه مؤسسها وصاحب امتيازها وقد كتب افتتاحيتها قائلا نشرت هذه المجلة قبل هذا باسم التلميذ العراقي تلبية لحاجتك أيها التلميذ ولا شك إن حاجتك اليوم إلى مثلها قد اشتدت إضعافا مضاعفة عما كانت عليه قبلا والمجلة التي تراها بين يديك هي وليدة رغبة شديدة دفعت نخبة من مدرسيك إلى استنهاضك وتطمين حاجتك فهي إذن نشرت لك ومن أجلك ويظل استأذنا الفاضل مستطردا في افتتاحيته معلنا عن تفاعله الوجداني وحرصه التربوي على تقديم مادة ثقافية يراها تسهم في بناء شخصية التلميذ انطلاقا من حسه العالي بمسؤوليته الوطنية حيث يقول وستبذل هذه المجلة كل جهدها لتسهل لك الوصول إلى ضالتك المنشودة وكانت أبواب المجلة الطلابية هي أيها التلميذ, الافتتاحية, مشاهير, رجال الاختراع, لكل سؤال جواب, المسابقات ومن الذين كتبوا فيها سعيد فهيم, عباس فضلي, حكمت عبد المجيد , نوري ثابت (حبزبور) فؤاد جميل, عزيز سامي (أبو صميم ) اكابرية سليم درويش المقدادي, تحسين إبراهيم, محمد فاضل الجمالي, مزيد السعد ياسين العمر, أكرم شكري.
لقد كانت مجلة التلميذ ذات طابع تعليمي تربوي يعني بالمناهج المدرسية والعلوم الطبيعة حيث كانت المجلة تزخر بكل ما يرفد الطالب ويسهم في عملية إعداده وبناء شخصيته في تكريس الجوانب التربوية كهدف عام تعتمده المجلة وكان مقياس صفحاتها (24×17)سم وغلافها ثابت وهو صورة تخطيطية لفتى يجلس على كرسي ويقرأ كتابا والى جانبه طفلة مستلقية على فراشها وهي تستمع إليه ولعلها دعوة غير مباشرة للآباء الذين لم يقتنعوا بعد بإرسال بناتهم إلى المدارس الابتدائية وكانت المجلة تخلو من الرسوم والصور وعناوينها الداخلية كتبت بخط الرقعة حيث جمعت بحروف طباعة الرقعة إما المتن فقد جمع ببنط (24) ابيض (جمع يدوي) وكان بدل الاشتراك فيها هو (8 ثمان روبيات ) عن السنة الدراسية الواحدة وسعر النسخة الواحدة (3انات ) إي ما يساوي 12 فلسا.
بعد إن اصدر الأستاذ سعيد فهيم مجلتي (التلميذ العراقي) و (التلميذ) من 1922 – 1929 أعقبه السيد محمود نديم بإصدار مجلتي (المدرسة) و (الكشاف العراقي) في 15/أيار/1926 وبالنسبة إلى مجلة المدرسة والكشاف العراقي فقد صدرت في 1924 – 1926 وقد نعتت مجلة المدرسة بأنها (مجلة مدرسية علمية أصدرتها لأبناء و بنات الوطن الأعزاء من طلاب المدارس و طالباتها و غيرهم)، أما مجلة الكشاف العراقي فكانت شهرية جامعة تبحث في العلوم والمواضيع المدرسية للبنين و البنات خاصة.. كانت لغة مجلة المدرسة بسيطة تتناسب و مدارك التلاميذ وفيها مواد علمية بسيطة من حيث العرض اللغوي وتتضمن قصصاً فيها نوع من الفكاهة والإخبار المسلية يتناولها الطلبة بين فترات الدروس وفي أوقات الفراغ.. ومن أبوابها الثابتة:
(دور الشعر, المواد المدرسية, حديقة الفتاة, حقائق عن العالم في عالم الحيوان, عظماء التاريخ، نوادر وفكاهات, ثمرات أقلام التلاميذ) بدون الإشارة إلى كتاب موضوعاتها ويبدو إن الأستاذ محمود نديم كانت له حصة الأسد في تحرير موادها .. ومن التلاميذ الذين كتبوا فيها: الصحفي فيما بعد عبد اللطيف حبيب والشاعر محمد حسين الشبيبي .. وكان الجفاف هو الغالب على بعض موضوعاتها وتستعين بالرسوم البيانية و التوضيحية الأخرى وكانت تستخدم البنط (24 ابيض) بطريقة الجمع اليدوي ومقاس صفحاتها (23 ×16 سم) .. توقفت عن الصدور بعد بضعة إعداد إلى جانب توقف (الكشاف العراقي) وقد ظهرت بعض الإعداد مزدوجة تحت اسم (المدرسة و الكشاف العراقي) و لعل هدف الأستاذ محمود نديم هو ضغط النفقات في وقت كان النقد فيه شحيحاً مضافاُ إلى أنهما كانتا متقاربتين في الهدف العام.
كان بدل الاشتراك فيهما سوية (سبع روبيات) وحين تصدران منفردتين كان بدل الاشتراك في كل منهما (ثلاث روبيات واثنتا عشرة أنةٍ) .. وقد أشار محمود نديم إن الهدف من إصدار هاتين المجلتين هو لسد الفراغ الناجم عن عدم توفر مطبوعات علمية مدرسية بهدف إفادة الناشئ منها بقصد التثقيف و توفير فرص المعرفة بيسر وسهولة ولكن المجلتين لم تعيشا طويلاً حيث توقفتا عن الصدور بعد بضعة أعداد.
* مجلة الطلبة: صدرت هذه المجلة في الأول من كانون الثاني 1932 وكانت (أسبوعية علمية ثقافية للبنين و البنات) وكان السيد عباس فضلي خماس هو مديرها المسؤول بعد إن استقال من التعليم كما هو وارد في افتتاحية العدد الأول من المجلة وبعد عدة أعداد تولى مسؤوليتها السيد صديق الخوجه و المجلة موجهة للطلبة مباشرة كما ينص اسمها على ذلك وقد جاء في افتتاحيتها: (ها انذا بعد إن قضت الظروف إن أستقيل من مهنة التعليم لم ارض لنفسي إن اقعد عن مواصلة جهودي في خدمة الناشئة العراقية التي ....) وهنا يحدث قطع حيث جاءت صفحتا 42 , 43 بيضاء فارغتين من الكتابة وان المثبت على صفحتي 44 , 45 تقويم نقدي من قبل الباحث الأستاذ هادي نعمان إلهيتي في إن (قصة العدد) كانت تسرد حوادث متشائمة أو مخيفة أو مفتعلة في الغالب على أنها قصص أطفال). و في باب (ديوان الطلبة) كان ينشر قصائد منقاة من مجموعة (تمائم التربية والتعليم) للرصافي. وكان الصحفي الفكه نوري ثابت ينشر فيها ذكرياته تحت عنوان (حبزبوز التلميذ) وفي باب التسلية كوقفة ترويحية كان ينشر فيه طرائف ومعلومات عامه تحت عنوان: أقوال مأثورة وقد لوحظ أن هيئه التحرير قد شعرت بخيبة أمل من توقع لم يتحقق حيث كانت تأمل من الأدباء والتربوين المدرسين أن يكتبوا في المجلة من باب المساهمة وقد وضحت هذه المعاناة من كلمة في العدد السادس منها تحت عنوان (كلمة عتاب) جاء فيها : (ولو كانت هذه الخيبة شخصية بحتة بأسبابها ونتائجها لأهملنا ذكرها ولما علقنا عليها كثير اهتمام ولكنها خيبة تنذر بخمود الروح الأدبية وانطفاء جذوة الشعور في تشجيع المشروعات الثقافية في هذا البلد ..) ويتضح من باقي ما ورد في كلمة عتاب إصرار وقوة عزم هيئة تحريرها على اقتحام الصعاب في إصدارها وتخطي العقبات المادية وهم سائرون بقدم ثابتة غير مبالين بتلك العقبات، موعزين أنهم مضطرون إلى رفع هذه الكلمة المعاتبة لإخوانهم المدرسين وقد نشر في إعداد هذه المجلة عدد كبير من الكتاب وهم حكمت عبد المجيد, نوري ثابت, شوقي الداودي, واحمد حقي الحلي, ومصطفى جواد, ورؤوف الجباري , ومتي عقراوي , وممدوح زكي, وأبو زغلول احمد عزت, إسماعيل الغانم, أمينة يوسف, جعفر الخليلي, مصطفى علي, فرح الله ويردي، عفيفة رؤوف, يوسف موشي, ونسيم روبين سليمان, ويبدو أن الصعوبة المالية قد حالت دون استمرارها حيث توقفت عن الصدور ولم تكمل عامها الأول كان مقاس صفحاتها (27×21سم) وعددها (20) صفحة من دون غلاف وحروف طباعتها تجمع في اليد باستخدام البنط 24 في الغالب ولم تستعن بالصور والرسوم باستثناء رسوم تخطيطية لبعض الإعلام الذين كتبت عن سير حياتهم .
الفتوة: في الثامن من تشرين الأول عام 1934 صدرت مجلة الفتوة بإشراف مديرية دار المعلمين لصاحبها سعدي خليل على شكل مجلة (علمية مدرسية) وأعربت المجلة عن نفسها بكلمة كان عنوانها (نحو المجد) جاء في مقدمتها (إلى فتيات وفتيان العرب إلى أبناء وبنات الجزيرة العربية المقدسة التي أنجبت للعالم (محمدا) أعظم زعيم ونبي للعرب والإسلام) ثم تنعت المجلة بأنها تحمل في يمينها مشعل التهذيب الصحيح والإيمان الراسخ القوي وبعد ذلك تصف الفتوة بصيغة الخطاب المباشر (انتم رجال الغد أبناء الجيل الجديد وعلى مقدار ماعندكم من قوة وإيمان سيتوقف مستقبل الأمة والبلاد) ويثني على دور الفتوة ويدعوهم لصهر نفوسهم وإشعال قلوبهم بالنار الوطنية المقدسة لتحرق كل ما هو فاسد وهنا يحدث قطع بصفحتين بيضاء هما (46,47) وعلى ص48 يذكر الأستاذ هادي نعمان إلهيتي أسماء من كتبوا في هذه المجلة وهم أبو صميم) جابر عمر, أكرم زعيتر, درويش المقدادي, الدكتور عبد العزيز الكنفاني, بديع شريف, عارف ظاهر, د. فاضل الجمالي, ناجي معروف, إبراهيم شوكت, د.علي غالب, عبد المجيد صالح, نهاد عبد المجيد, يوسف محمد سعيد,د. أمين رويحة, نوري ثابت. ياسين محمد, عبد الغني الشرشفجي, صبري جميل, محمد سعيد الجمعة, وأخيرا مارى جبران, كما كانت تنشر مقطوعات شعرية باسم مستعار هو (فتى) ويقول عنه د. يوسف عز الدين/ أستاذ جامعة بغداد في حينه أن (فتى) هو عبد الستار القره غولي كما نشرت بضع قصائد لعبد المجيد عباس.