بغداد/ المدى الاقتصادي
اكد الدكتور جميل الدباغ الخبير في وزارة الزراعة ان تطبيق سياسة الدعم السعري لها تاثير مباشر على حركة السوق المحلية، وطبقا لمفاهيم النظرية الاقتصادية وجود اسعار مثبتة خارج نطاق العرض والطلب للمستهلكين والمنتجين لاتعكس القيمة الاقتصادية للسلع والخدمات المشمولة بهذه السياسة.
واضاف في حديث لـ(المدى الاقتصادي): ان اسعار الدعم لا تمثل حقيقة قوى العرض والطلب التي ينجم عنها السعر الاقتصادي الحقيقي المبني على الكلف الحقيقية، لذلك فان تطبيق نظام الدعم السعري ينجم عنه مشاكل سوقية او ما نسميه بعدم توازن السوق ولعل اهمها يتمثل في ان الاسعار المدعمة لا يسعها اعطاء اشارات حقيقية للمستهلكين وبالتالي فان مستوى الاستهلاك الجاري لا يوازي مستوى الاستهلاك الحقيقي في ظل الاسعار الاقتصادية المعبرة عن تفاعل القوى الحقيقي للعرض والطلب على اية سلعة او خدمة في ظل اقتصاد السوق، مشيرا الى المشاكل السوقية الناجمة في ظل تطبيق نظام الدعم السعري كوضع اسعار مخفضة للوقود والتي تؤدي الى شحة العروض الرسمية. بسبب الهدر في الاستخدام وبالتالي نشوء السوق السوداء. وما ينطبق على الوقود ينطبق ايضا على السلع الاستهلاكية او الانتاجية الاخرى كالسلع الغذائية او مستلزمات الانتاج الزراعي او الصناعي، بينما ان مثل هذه الاختلالات كانت موجودة منذ العهد السابق ولاتزال مع استمرار سياسات دعم هذه السلع او المستلزمات الانتاجية لكن بشكل اكثر تشوها.
واشار الى ان نظام الدعم السعري له تاثيرات على الاقتصاد المصاب بهذه الاختلالات اهمها عدم الكفاءة في تخصيص الموارد الاقتصادية بسبب فقدان العلاقة ما بين تكاليف الانتاج والاسعار وحيث ان الدعم يؤدي الى فائض عرض للسلع المدعمة وهذا بدوره يؤدي الى تضخم الطلب بشكل مصطنع من خلال الاسعار المخفضة للسلع المدعمة وبالتالي فقدان معيار ترشيد الاستهلاك او الاستخدام.
وأوضح ان مفهوم الدعم السعري تتشابك فيه العديد من المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي نجمت عن الاتباع الحرفي للسياسات المختلفة وكذلك نجمت عن الاتباع الحرفي لاساليب التخطيط المركزي التي كانت متبعة في البلدان الاشتراكية السابقة. وعلى اي حال ان هذه المتغيرات يمكن تبويبها بصفة مجاميع اولها العوامل المتصلة بسياسة الدعم السعري نفسها المتناقضة عضويا مع السياسات الاقتصادية والعوامل المتعلقة بالفئات او المجموعات المستهدفة لتطبيق سياسات الدعم السعري (هل هم مزارعون صغار او كبار او مجرد فئات فقيرة صغيرة؟) اضافة الى العوامل المتعلقة بالقاعدة المالية والعملية التطويرية مثل الفقراء او مراكز البحث العلمي والمؤسسات الخدمية للناس، حيث ان هذه المجموعات من العوامل وغيرها تتطلب سياسات شامل تضمن الترابط والتنسيق مع توفير الشروط الاساسية للتنفيذ. وهكذا فان الاعلان عن ضمان حد ادنى للسعر يصبح لا قيمة له اذا عجزت الدولة عن الوفاء بهذا الضمان، كذلك اذا كانت مستلزمات الانتاج المدعمة لا ينتفع بها (في الواقع) إلا كبار المزارعين المستثمرين بينما المقصود ان تصل الى جميع المنتجين لا سيما صغار المزارعين او المستثمرين وبالتالي فان مثل تلك السياسات ستؤدي الى سوء توزيع الدخول في النهاية.
وتابع: من المفارقات في هذا الصدد ان النزعة الحمائية (الدعم) سادت البلدان الصناعية مطلع الثمانينيات ولغاية يومنا هذا فيما اتجه العديد من بلداننا الى ازالة هذه الحمائية تحت ضغط مؤسسات التمويل الدولية (صندوق النقد الدولي على وجه الخصوص)، فهل من المعقول او المقبول ان تطالب بلداننا بتحرير تجارتها وازالة الدعم في الوقت الذي لاتزال فيه البلدان الصناعية المتقدمة تسير باتجاه مضاد اي بتعزيز الحماية التجارية لمنتوجاتها؟ هذا مع العرض ان مشاكلنا الاقتصادية منذ الثمانينيات انقلبت الينا من البلدان الصناعية المتقدمة حيث تعثرت معدلات النمو الاقتصادي، وارتفاع معدلات التضخم وزيادة البطالة وكذلك الكساد التجاري وغيرها من المشاكل المستوردة.
واكد ان الدعم السعري لابد ان يقترن بتدعيم وتفعيل مؤسسات النظام الاجتماعي وصناديق التقاعد لضمان تثبيت القدرة الشرائية لمرتبات الفئات الاجتماعية ضمن هذه الفئات التي ستفرزها عمليات الخصخصة ضمن الاصلاحات الهيكلية للاقتصاد العراقي، وكذلك لوضع آلية فعالة لتقليص التضخم على فئات المجتمع كافة لاسيما فئات الدخول الواطئة والاستفادة العملية من المنح الدولية للتخفيف من آثاره الاجتماعية.