في رواية (ياسمينا خضرة) الجديدة:طفولة فقيرة.. ومصير مـأساوي

في رواية (ياسمينا خضرة) الجديدة:طفولة فقيرة.. ومصير مـأساوي

ترجمة: عدوية الهلالي
عبر استرجاع احداث حياة بطل ملاكمة، يستذكر الكاتب الجزائري المقيم في فرنسا (ياسمينا خضرة) بلده الجزائر في فترة احتلاله خلال سنوات العشرينات في كتابه الأخير..
و(ياسمينا خضرة) هو الاسم المستعار للكاتب الجزائري محمد مولسهول الذي ولد في عام 1955

في ولاية بشار الجزائرية وكان والده ممرضا ووالدته بدوية، وفي عمر التاسعة التحق بمدرسة عسكرية وتخرج منها برتبة ملازم عام 1978 وانخرط في القوات المسلحة، وخلال فترة عمله في الجيش قام باصدار روايات موقعة باسمه الحقيقي، ثم قرر عام 2000 ان يترك الخدمة ويعتزل الحياة العسكرية ويتفرغ للكتابة ويستقر مع اسرته في فرنسا لكنه قرر ايضا الكتابة باسم زوجته (ياسمينا خضرة) ليتجنب هجوم النقاد الفرنسيين وينفي عن نفسه صفة الضابط السابق لاتهام الجيش الجزائري بقتل وترويع المواطنين الفرنسيين العزل ولصدور كتب تدين الجيش الجزائري في تلك الفترة..لكنه ورغم مواصلته استعارة اسم زوجته على سبيل الاعتزاز به، اعلن قبل سنوات انه ليس امرأة وكشف عن اسمه الحقيقي وانه كان ضابطا عسكريا في الجيش الجزائري مؤكدا في بيان رسمي على ان السنوات الثماني التي قضاها في الجيش لم يشهد فيها تورطا للجيش الجزائري في المذابح التي وقعت للمدنيين الفرنسيين كما اصدر سيرته الذاتية (الكاتب) ليكشف فيها عن تفاصيل حياته ثم اصدر كتابا آخر بعنوان (دجل الكلمات) روى فيه مسيرته المهنية ودافع فيه عما اسماه"شرف الجيش الجزائري"..
كتب (ياسمينا خضرة) القصة القصيرة والسيرة الذاتية والرواية البوليسية التي اشتهر بها..صدرت له اعمال كثيرة منها (حورية) و(آمين) و(بنت الجسر) و(القاهرة والزنزانة) و(الموت) و(لدى الجانب الاخر من المدينة) و(اولئك الذين يقتلون) و(الاحمق والسكين) و(المهزلة) و(البياض وخريف الاحلام) و(خرفان الله) و(بم تحلم الذئاب؟) و(الكاتب) و(خداع الكلمات) و(سنونو كابول) و(صفارات انذار بغداد) و(اعتداء) التي تدور احداثها حول عملية استشهادية في فلسطين تقوم بها احدى الفتيات..
في روايته الجديدة التي تحمل واحدا من اجمل العناوين الادبية (تموت الملائكة من عذاباتنا) والتي صدرت مؤخرا عن دار (جوليارد) الفرنسية للنشر، حافظ خضره على طاقته الكتابية كقاص موهوب بشكل مذهل، كما فعل في روايتيه (اعتداء) و(فضل الليل على النهار) اللتين تم تحويلهما الى افلام سينمائية..ويروي خضره فيها قصة شاب جزائري اسمه (تورامبو) المستوحى من اسم قريته وهو مختصر على الاغلب لاسم (آرثر رامبو) الشاعر الفرنسي الذي قضى فترة من حياته فيها..
من الصفحة الاولى من الرواية سنتعرف على مصير الشاب المحكوم عليه بالإعدام شنقا اذ تبدا الرواية بعبارة يقولها البطل:"عند الفجر...سيأتون لأخذي"ثم يسترسل بسرد حياته منذ طفولته المليئة بالحرمان وحتى مصيره المشؤوم، ويقود دفة الرواية بيد استاذ محترف وبايقاع مضطرب تمتزج فيه خيبات الأمل بالطموح وتندفع فيه كلمات الكاتب كالصواريخ حين يتحدث عن طفولة تورامبو والفقر المفرط للبلد والعلاقات المعقدة بين الطوائف الثلاث: المسلمون واليهود والنازحون من الفرنسيين وعلاقات الحب المستحيلة بين تلك الطوائف..
يجهل تورامبو القراءة والكتابة ويفشل في ممارسة العمل الشاق في السفن لكنه يمتلك قبضة قوية يجيد استخدامها وهي موهبته الوحيدة التي تدفعه الى محاولة احتراف الملاكمة..وحين يصبح ملاكما يحلم بان يصبح بطلا لافريقيا الشمالية ويتعرف اخيرا على طعم الترف ومتعة الحب لكنه يعاني من العذاب والالم حين يكتشف عجزه عن الافلات من مصيره المشؤوم حتى وهو في ذروة مجده فهو لاينسى ابدا من اين جاء وكيف وصل الى ماوصل اليه..
يلامس خضرة بشكل خاص الظرف العاطفي لبطله الذي يقع في الحب بمجرد ان يلقى اهتماما خاصا من امراة رغم انها كانت مومسا..فـ (تورامبو) بطل في الملاكمة لكنه فاشل وخائب الامل في مجال الحب اذ قضى حياته مع اب نصف مجنون وام خاضعة ومستسلمة وعم اناني واذن فلم تكن العائلة ملاذا مناسبا بالنسبة له..كما لم تنقذه علاقات الصداقة التي اقامها طوال حياته من حالة اليأس والمصير المؤلم..
تضمنت الرواية مشاهدا مثيرة وحوارات ذكية يتقاذف أصحابها كلماتها وكأنهم يمارسون لعبة كرة المنضدة..من جهة اخرى، وصفت الرواية المناظر الطبيعية والشخصيات المتنوعة التي تعيش وتتنفس وتفرح وتتألم بأذن الكاتب..وتبلغ شهرة خضره حد العالمية وتم ترجمة كتبه الى اكثر من 25 لغة، فهو يتطرق الى مواضيع تهز مشاعر الغرب عن العالم العربي اذ ينتقد العنف والحماقات البشرية ويتحدث عن سحر بلده الام الجزائر وماضيها وجمالها كما يتحدث عن الجنون والخوف وحمامات الدم وبيع الضمائر بأسلوب يجتذب القارئ ويحبس أنفاسه مترقبا نهاية الرواية حتى لو طالت صفحاتها لذا تتسابق دور النشر لترجمة ونشر كتبه التي تحقق اعلى المبيعات فور صدورها..ويستقر خضره حاليا في فرنسا ويتولى منصب مدير المركز الثقافي الجزائري في باريس وقد منحته الاكاديمية الفرنسية مؤخرا جائزة (هنري غال) للآداب التي تضاف الى جوائزه العديدة..