فكتور هيجو شاعراً..أضاء حياة البؤساء وصاغ جماليات الرومانتيكية الفرنسية

فكتور هيجو شاعراً..أضاء حياة البؤساء وصاغ جماليات الرومانتيكية الفرنسية

رضا الظاهر
شهدت ثلاثينيات وأربعينيات القرن التاسع عشر تشكل الرواية الاجتماعية الرومانتيكية، وكان فكتور هيجو أحد ممثليها، وفي هذه الرواية صار للفقراء، الطبقة المزدراة، ومصائرهم وأقدارهم، وأفراحهم وآلامهم، مكان واضح، وكشفت هذه الرواية عن الاستغلال، وإفساد العدالة، وجور النظام الاجتماعي برمته، ومع أن رواد الرواية الاجتماعية تأثروا بالاشتراكية الطوباوية عموماً،

ولم يكن هدفهم تصوير وتحليل التناقضات الاجتماعية، وإنما الرمز إليها في صورة مجسدة للعدالة المطلقة، أي تقييم ومعالجة المادة الاجتماعية بلغة رومانتيكية.
لقد بدأت الرومانتيكية كتمرد ضد الجماليات العقلانية الكلاسيكية. ولم تندلع المجادلات العنيفة بين الرومانتيكيين والكلاسيكيين في معركة صريحة كما حدث في باريس يوم 25 فبراير/ شباط 1930م، يوم العرض الأول لمسرحية فكتور غوهو (هرناني).
ولكن الرومانتيكيين تخاصموا مع قيود الكلاسيكية في كل مكان.
فهكذا كان حال شليغل ووردز ورث وشيلي وبايرون وغيرهم الكثير، وقد أوضح هيجو في مقدمة مسرحيته (كرومويل) أن الأعمال الفنية، شأنها شأن الطبيعة، تربط بين النور والظلام، بين المتنافر والمتوافق، ونادى عام 1827م بالتخلي عن وحدة الزمان والمكان، وأشار إلى تواجد عناصر الملهاة والمأساة معاً في المسرحية الشعرية الحديثة بهدف تحطيم الأعراف الكلاسيكية التي تتحكم بالبنية المسرحية، وهكذا، فحتى المتنافر الغريب كان، بالنسبة للرومانتيكيين، استجابة للحاجة إلى حقيقة الحياة ، وسمى هيجو في مقدمته المذكورة الفن مرآة مركزة .
إن الثورة التي ساهم هيجو في إحداثها في أفكار ومشاعر الناس وأذواقهم الجمالية ثورة هائلة، ويبدو أنها لم تقيم، حتى الآن، على نحو واف، غير أن تلك الثورة لم تقتصر على مجال المسرحية والرواية، فقد صاغ ذلك العبقري الأصيل، كما فعل غيره من الرومانتيكيين العظام، أسس الرومانتيكية في الشعر في المرحلة الجديدة.
وإذا كنا قد عرفنا هيجو روائياً كبيراً من خلال (البؤساء) - 1862م، وقبلها ( نوتردام باريس) - 1831م فإن هيجو كان شاعرا كبيرا أيضا، فبعد ما يزيد على قرن على رحيل المبدع الفرنسي، ما زالت أجزاء جديدة من شعره تقدم إلى القراء، ومن الغريب أنه في العقد الأخير من السنوات فقط تمكن القراء من الوصول إلى مؤلفاته الشعرية الكاملة، سواء منها ذلك الدفق من القصائد الغنائية التي ظهرت في مجموعات شعرية، أو تلك القصائد القصيرة ولكن ذات المزاج الملحمي، أو القصائد الخطابية ذات النزعة الوطنية، أو القطع الشعرية الأقصر - المقاطع التي كتبت في مناسبات معينة، أو المقاطع المستقلة المكونة من سطرين، أو أخيراً تلك القصائد التي تركت متناثرة هنا وهناك.
فلفترة تقرب من سبعين سنة ظل هيجو ينتج الشعر يومياً تقريبا لغايات لا تحصى، وبسهولة وبراعة فنية فائقة، بل أنه أنتج أطول قصيدة تورية في اللغة الفرنسية، وكانت قصيدة بقافية موحدة لكل سطرين فيها، وسداسية التفاعيل، وتتميز بالجناس اللفظي،ويضاف ذلك إلى قدر هائل من الكتابات: ست وثلاثون جزءاً أو مجموعة من القصائد، نجد قائمة لها في كتاب جي، سي، إيرسون، الصادر مؤخراً، تحت عنوان (فكتور هيجو: دليل شعري).
ومن المعروف أن هيجو كان يعدل القصائد ويعيد كتابتها، لكنه لم يلغ أي عمل كتبه، بل أنه في الواقع، أوصى بالحفاظ على كل شيء للمستقبل.
وكتاب إيرسون الجديد هذا دراسة تفصيلية تعالج أشعار هيجو على نحو شامل، فهو يظهر كيف جرى تأليف كل عمل، وكيف نشأت الموضوعات وتطورت، وكيف أن اعتبارات معينة، فضلا عن أحداث حياة الشاعر، تحكمت في تسلسل نشرياته، ولا بد أن يكون هذا الكتاب ذا قيمة كبيرة بالنسبة لأولئك الذين يرغبون في متابعة مراحل تأسيس هيجو في مختلف مجالات الشعر، وبالنسبة لأولئك الذين يسعون إلى قراءة أعمق لأعمال معينة، ويضعنا إيرسون في خارطة أشعار هيجو مناقشا إياها، فصلا بعد آخر، بتحليلات وتعليقات عميقة، ويبذل المؤلف جهوداً مضنية في معالجة تاريخ القصائد، ويحقق، بوضعه منظوراً للمجاميع، إنجازا مهما.
ومن المعروف أن فكتور هيجو المولود عام 1802م يعتبر الشخصية الرئيسية في الحركة الرومانتيكية في فرنسا، وقد جاء متأخرا إلى النشاط السياسي، فانتخب عضوا في الجمعية الوطنية عام 1848م، ولكنه قضى السنوات من 1851م حتى 1870م في المنفى، وعاد إلى باريس عام 1870م ليجري اختياره نائباً مرة أخرى، واصبح في وقت لاحق عضواً في مجلس الشيوخ في الجمهورية الثالثة.
ويعتبر هيجو واحداً من الأساتذة العظام في الشعر الفرنسي، ومن بين مجموعاته الشعرية الكثيرة: (قصائد غنائية) - 1822م، (أغان وقصائد) - 1826م، (الشرقيون) 1829م، (أوراق الخريف) - 1931م، (أغاني المساء) - 1935م، (أصوات من الأعماق) - 1837م، (أضواء وظلال) - 1840م، وأعقبتها، بعد فترة طويلة، مجموعة (عقوبات) - 1953م، وهي مجموعة ساخرة عنيفة ضد لويس نابليون، وقد كتبت في المنفى، وقد احتلت المواضيع الروحية والكونية مكانة هامة في مجموعته (التأملات) - 1856م، وتشكل قائصد (أسطورة القرون) - 1859، 1877، 1883م معالجة ملحمية للتاريخ، أما مجموعتا (نهاية الشيطان) و(إله) فقد نشرتا بعد وفاته، هذا عدا عن شهرة هيجو في المسرحية والرواية التي أشرنا إلى بعض من ابداعاته فيهما، وخصوصا مسرحيته الشهيرة (كرومويل) التي تحولت مقدمتها إلى بيان للحركة الرومانتيكية الفرنسية.