في كتابه (تصوف)..نيكوس كزانتزاكيس يعبر عن رؤيا فلسفية لجوهر الإنسانية

في كتابه (تصوف)..نيكوس كزانتزاكيس يعبر عن رؤيا فلسفية لجوهر الإنسانية

بغداد/ عادل العامل
يعد كتاب (تصوف) للكاتب اليوناني نيكوس كزانتزاكيس والصادر عن دار (المدى) للثقافة والنشر بترجمة سيد أحمد علي بلال تجربة فلسفية عن مكنونات انسانية تأتي من هاوية مظلمة وتمر بمسافة مضيئة نسميها الحياة ثم تنتهي الى ظلمة أخرى، بمعنى ان رحلة العودة تبدأ من لحظة الولادة.. الانطلاق والعودة في آن واحد.. الموت في كل لحظة وكان هدف الحياة هو الموت..

ما ان نولد حتى تبدأ محاولاتنا في ان نخلق ونبتكر. ان نجعل للمادة الحياة. كل لحظة نولد. لهذا جاهر كثيرون ان هدف الحياة هو الخلود.. في الاجسام الحية الفانية يتصارع هذان التياران واجبنا ان ندرك الرؤيا التي تستطيع ان تستوعب الاندفاع نحو الموت والاندفاع نحو الحياة وان نضبط بهذه الرؤيا فكرنا وسلوكنا.. لا أدري ما اذا كان ثمة جوهر خفي ومتعال يعيش ويتحرك خلف الظواهر ولكي لا اتساءل اعتبره لا يعنيني.. اني انجب الظواهر بطواعية.. ارسم بألوان عديدة حجابا خياليا امام الهاوية.. لا تقل لي ازل الحجاب لأرى اللوحة فالحجاب هو اللوحة نفسها.. عليك ان تدرك وان تقبل حدود العقل الانساني بلا محاولات عصيان لا جدوى منها.. وعليك ضمن هذه الحدود الصارمة ان تعمل بلا شكوى وبلا توقف في لحظات مفاجئة وعصيبة يلمع في داخلي صوت يقول: هذا كله مجرد لعبة فاسدة لا غاية لها.. بلا بداية وبلا نهاية وبلا معنى.. لكني أوصل نفسي سريعا بعجلة الضرورة فيبدأ الكون كله يدور دورته حولي من جديد عليك بالانضباط انه الفضيلة العليا وبه وحده تتكافأ الرغبة بالقوة وتثمر محاولة الانسان.. بعيداً عن القلب وفي الهاوية المقدسة للقلب اتوازن مرتجفاً.. انا مخلوق مؤقت وضعيف مصنوع من طين واحلام لكني ادرك ان في داخلي تصطخب كل قوى الكون.. اريد ان اجد مبرراً لكي استمر على قيد الحياة ولكي اتحمل المشهد اليومي المرعب للمرض والقبح والظلم والموت.. عليك ان تنجو من البساطة الفجة للعقل الذي ينظم و يأمل في السيطرة على الظواهر وعليك ان تنجو من رعب القلب الذي يبتغي ويأمل العثور على الجوهر وانتصر على العقبة الاخيرة الاكثر اغراءً الأمل نحن نحارب لاننا نستمتع بذلك , نغني حتى اذا لم نجد اذنا تصغي لغنائنا.. نعمل حتى اذا لم نجد رب عمل يدفع لنا اجرنا اليومي.. نحن لا نعمل للغير إذ نحن ارباب العمل.. عليك ان تحب الواجب وان تقول: علي انا وحدي تقع مسؤولية انقاذ الارض واذا لم تنقذ فانا المذنب.. عليك ان تحب كل شخص بمقدار مساهمته في الكفاح والا تبحث عن اصدقاء وانما عن رفاق.. ان اكبر الاخطاء هو الاستسلام للرضا.. الزم الصمت! فالمحاربون لا يتساءلون ابداً.. سواء اردت ام لم ترد.. فانك تحضر معك الى الحياة ايقاعا جديداً ورغبة جديدة وفكرة جديدة وحزنا جديداً.. انك توسع جسدك الأبوي أردت ام لم ترد ذلك.. حين تخاف فان خوفك سيفصم عرى أجداد لا يحصون ويحط من قيمة ارواح لا تحصى من قبلك و من بعدك , وحين تقوم بعمل شجاع فان سلالتك بأكملها ستهب وتستبسل.. كافح من اجل ان تعطي معنى لصراعات الانسان المتصلة.. مرن قلبك كي يسيطر قدر استطاعته على حيز اكبر من ساحة المعركة.. مهما تعيش النشوة فانك لن تستطيع ان تحولها الى قول ولكن رغم ذلك عليك ان تناضل لكي تحولها الى قول.. حارب بالاساطير وبالامثال وبالاستعارات.. حارب بالكلمات الشائعة وبالكلمات النادرة.. بالصيحات وبالقوافي لكي تمنح النشوة لحماً ودماً وتجسدها.. اننا لا نحارب شهوتنا المظلمة بفضيلة رزينة وشاحبة ومحايدة تسمو عليها وانما بشهوات اخرى اقوى منها واشد بأساً.. لا تتواضع وتتساءل: هل سننتصر.. هل سنهزم.. بل حارب وفي كل لحظة من حياتك اجعل من مغامرة العالم مغامرتك.. حارب.. لاحق الظواهر بصبر وأناة وبذلك ستفتح طرقاً تمرعلى الهاوية وتساعد الروح على ان تجد مداها.. وهو الرجل الذي رد بالعبارة الشهيرة على الفاتيكان عندما وضعوا كتابه ضمن لائحة الكتب المحرمة اللائحة السوداء قال: أيها الأباء المقدسون لقد قدمتم لي اللعنة، أما أنا فأقدم لكم الشكر. أتمنى أن يكون ضميركم صافيا كضميري. وأن تكونوا أخلاقيين ومتدينين مثلي.. وهو الكاتب الإنسان الذي كان شعاره: لا أطمع في شيء..لا أخاف من شيء أنا حر.. ويعد كتابه هذا من النصوص النادرة جداً لا يمكنك أن تنساه لو قرأته تتأثر به بعمق بعد روايته المشهورة (الإغواء الأخير للمسيح) و (زوربا اليوناني) و (الأخوة الأعداء) و(تقرير إلى الجريكو) وغيرها.