هل مهد اجتماع قصر الرحاب الى اندلاع وثبة 1948؟

هل مهد اجتماع قصر الرحاب الى اندلاع وثبة 1948؟

فاطمة صادق السعدي
أفرزت الحرب العالمية الثانية (1939 ـ1945) تناسبا جديدا للقوى على الصعيد الدولي، لاسيما بعد تراجع نفوذ ودور بريطانيا امام تصاعد دور ونفوذ الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الامريكية، في الوقت الذي ترى بريطانيا ،

أن من مصلحتها البقاء في بلد مثل العراق الذي يشكل مركزا حيويا في المنطقة، وبالمقابل نجد أن النخب السياسية الواعية في العراق ، قد تزايد اهتمامها الوطني ، وامست الحاجة الى التغيير ملحة ، وكما يقال ان الحرب دائما تغير وجهات النظر، لذا بدأت بالسعي لتعديل أو إلغاء المعاهدة العراقية – البريطانية لعام 1930 التي يعدها الرأي العام العراقي جائرة ومجحفة وان بقاءها سيخلق تناقضا واضحا في عالم بدأت معالمه السياسية والدولية تتغير . لذا يمكن القول بأن الشعب العراقي رأى أن هذه المعاهدة إستنفدت اغراضها ، وأصبحت غير ذات موضوع على حد تعبير الدكتور فاضل حسين.
كما ان الحكومات العراقية المتعاقبة ، تتحمل مسؤولية تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية واستمرار السيطرة البريطانية على مقدرات البلاد ، ويعد نوري السعيد وعبد الاله في مقدمة السياسيين العراقيين الذين قادوا البلاد بهذا الاتجاه ، لقد كان البريطانيون يعدون معاهدة 1930 ، ضمانا أساسيا لبقاء قواعدهم العسكرية ، وقد بدأ التفكير لتمديد مدة المعاهدة بعد مضي سنوات طويلة، وكان لابد لهم من تمديدها، والوقوف بوجه من يحاول إلغاءها . وظهرت فكرة التمديد الى العلن أواخر العام 1947 ، وسعت الحكومة في خطتها بأجراء مفاوضات سرية مهما كلف الأمر، كما أعلن ذلك رئيس الوزراء صالح جبر.
دعا الوصي عبد الاله ، عدداً من رؤساء الوزراء السابقين والبرلمانيين والشخصيات البارزة الى اجتماع عقد في قصر الرحاب مساء الثامن والعشرين من كانون الأول 1947، وقد وجه الوصي الذي أدار الاجتماع للحضور، أسئلة ثلاثة وهي :"
1- هل العراق بحاجة الى معاهدة تحالف مع دولة أجنبية أم لا ؟
2- إذا كان في حاجة الى ذلك فمن هي هذه الدولة الأجنبية ؟
3- ماهي الأسس التي يعتبرونها صالحة لهذا التحالف ؟ "
وطلب الإجابة وإبداء الرأي بصراحة . وهذه الأسئلة هي التي جرى حولها النقاش وتبادل الرأي في ذلك الاجتماع الذي أستمر عدة ساعات. كما يذكر عبد الرزاق الهلالي .
أن اجتماع قصر الرحاب الذي اريد منه تسجيل مواقف بعض الساسة لتهيئة أذهان الرأي العام تجاه المعاهدة ، كان بمثابة الشرارة الاولى التي أشعلت الفتيل فيما بعد ، وبخاصة من جانب بعض من الساسة والوزراء السابقين الذين لم يتم دعوتهم لحضور هذا الاجتماع .
حين جرى النقاش بشأن هذه الأسئلة الثلاثة، كان النائب داود الحيدري اول المتحدثين مذكرا الحضور بأن وزارة توفيق السويدي ، قد شرعت بموضوع تعديل المعاهدة العراقية ـ البريطانية 1930، وطلب من رئيس الوزراء السابق توفيق السويدي، إعطاء الحاضرين فكرة عن الموضوع، وكان رد توفيق السويدي، "عندما اخذتُ المسؤولية ، وفكرت وتداولت مع الوصي بان الوقت قد حان للنظر في سيستم (نظام) المعاهدة مع بريطانيا ووضِعت فقرة بالمنهاج ، بمفاتحة بريطانيا على اسس (ميثاق سان فرانسيسكو) وكنتُ انتظر المفاوضات المصرية – البريطانية حتى نسير على ضوئها . ولكن الوزارة لم تبق في الحكم والمفاوضات المصرية – البريطانية قد طالت ، وعند ذلك شكلت الحكومة لجنة من اربعة وزراء اجتمعوا في وزارة الخارجية والنتيجة موجودة في وزارة الخارجية ومجلس الوزراء".
أوضح صالح جبر "أن الهدف من الاجتماع، كما امر الوصي هو الاستنارة من آراء الحضور ، ولم ندخل بمفاوضات جديدة والحكومة ليس باستطاعتها أن تذكر شيئا لأنه لم يتم أي شيء وأن الأسس التي يجب أن تؤخذ بنظر الاعتبار تحتاج الى البحث" . تحدث حمدي الباجه جي عن ضرورة تعديل المعاهدة التي مر عليها اكثر من سبعة عشر عاما . واوضح أن للبريطانيين الحق بجلب الجيش حسب الحاجة في المطارين ، والمعاهدة مقيدة للسياسة الخارجية، حسب مصلحة بريطانيا. وعاد داود الحيدري معقبا وموجها سؤاله الى رئيس الوزراء صالح جبر ، "ان في نية الوزارة تعديل المعاهدة ، وان تكون على أساس الند للند ، ولكن الذي يريد فسخ العقد ، لابد أن يكون قد هيأ العرض ووضع المادة بالتعديل ، على أساس اخذ موافقة الطرف الثاني". وقد ذكر رئيس الوزراء صالح جبر معقبا على الحيدري "بأن الحكومة لازالت بهذا العزم [الند للند] ولا نريد عرض وجهة نظرها للمناقشة. ولابد لها من وضع الأسس التي تحمل الحليفة (بريطانيا) على أساس الند للند لعقد المعاهدة. وانكم ترغبون ان تستأنسوا بآراء الاخوان وقد نتفق على الاسس التي تفكر بها الحكومة هل هناك ضرورة بعقد معاهدة ؟ وما هي المسائل المهمة التي يجب تعديلها ، والموضوع ليس مناقشة الحكومة ".
أما السيد عبد المهدي المنتفكي ، فقد أوضح بأن ليس من السهل إبداء الرأي بهذه العجالة ، والمعاهدة فيها ما يمس استقلال العراق. في حين قال مصطفى العمري ، بأن تعديل المعاهدة جاء في منهاج وزارتي السويدي وصالح جبر ، "وكنت قد سألت رئيس الوزراء بالمجلس عن تقرير لجنة توفيق السويدي ، هل قبلتم أسس تقرير السويدي او التعديل على هذه الأسس ونقاط أخرى ؟، كان جواب الرئيس (صالح) على ما أتذكر : غير مرتبط بتقرير لجنة وزارية او تشكيل لجنة، وانما قال إنها بالدراسة "واشار الى أن الوزارة قد هيأت شيئا . "إنها منشغلة خلال الأشهر المنصرمة بتعديل المعاهدة واقناع الإنكليز بهذا التعديل ".
لقد شهد الاجتماع العديد من المداخلات التي اسهم بها حمدي الباجه جي ومصطفى العمري والسيد عبد المهدي المنتفكي وأعقبهم صادق البصام قائلا: "..ظروف المعاهدة الحاضرة تختلف عن ظروف العالم في الحال الحاضر ، وإننا في أمس الحاجة الى حلفاء ونتشبث بالإنكليز" . وقد اقترح تشكيل هيئة فنية ، وان الاستقلال لايتم إلا بتسليم القاعدتين الى العراق . وتساءل توفيق السويدي هل يريد العراق التعاقد مع بريطانيا ؟. واجاب نعم نريد معاهدة تحالف واكثر من صداقة ويكون المبدأ الذي نسير عليه هو معاهدة تحالف والأسس يجب أن تكون ما بين الند للند ، وحسب ميثاق الأمم المتحدة . في حين ذكر نصرت الفارسي ضرورة الاطلاع على أفكار الجهتين حتى نستطيع ابداء الرأي بشأن تعديل المعاهدة وقال أن الموضوع يتعلق بطرف آخر ليس لنا السلطة عليه . وانه ليس ثمة ما يدعو للشكوى إذ لم يبق سوى تسع سنوات على انتهاء مدة المعاهدة. واوضح مولود مخلص ان معاهدة 1930 عقدت في ظروف يعلمها الحضور ، ولما كانت هذه الظروف قد تغيرت ونحن جميعا متذمرون من المعاهدة فلابد من "عقد معاهدة إتفاق ودفاع معها يتناسب مع شرفنا.." . وقد ذهب ابعد من ذلك في قوله بأن الملك فيصل الأول الذي سماه (سيدنا الأكبر) قد أجرى هذا الحلف ونترك للتاريخ الموضوع ، والان نحتاج الى معاهدة شريفة ، معاهدة صداقة وحلف .
وكعادته كان محمد رضا الشبيبي ، قدم الشكر بتأدب للوصي لهذه الدعوة ، وقال ما اريد قوله هو اني مؤيد الأخوان ، إذ ليس المرغوب فيه إبداء رأي معين بخصوص تعديل المعاهدة ، او تبديلها ، ما لم يطلع على أمرين وهما حسب اعتقاده ، وجهة نظر الحكومة بالأسس التي هيأتها كمقترحات من جهة ، وما هي وسائلها للحصول على احسن ما يمكن الوصول إليه للعراق من جهة أخرى ، وتساءل فيما إذا كان لدى الحكومة الان من إيضاح. فلها بيان ذلك ، مذكرا عند مناقشة المنهاج أن لاندخل في التعديل ، لأن العبرة في التطبيق لا الأقوال. كان محمد رضا الشبيبي يؤيد بحماسة إلغاء معاهدة 1930 ، ومقتنعا أن وزارة صالح جبر ليست مؤهلة للاضطلاع بالمهمة المذكورة ، وان المفاوض العراقي الحالي لا يحقق الرغبات .
أما نجيب الراوي فقد ذكر أن الحكومة جادة في تعديل المعاهدة او تبديلها ، والقصد حسب تعبيره أن تستأنس بآراء الحاضرين ، وقد لامس الحقيقة في النيات الرسمية وما ذهبت اليه الوزارة ورغبة الوصي عبد الإله. وذكر محمد حسن كبة ، أن التعديل والتبديل شيء واحد ، وقال " أقول هذا وأقوله فضولا، حتى عن نصرت الفارسي والشبيبي ، المعاهدة الحاضرة لاتتفق مع الظرف الحالي ، لأنها عقدت بظرف غير الظرف الحالي .." .
يتضح مما تقدم بأن ما ذهب إليه الوصي قد تحقق في أحاديث الحضور في الاجتماع ، وقال الوصي مؤكدا حديث السويدي ، "ان حجتنا قوية ، بينما قال أن القواعد شيء ثقيل وقال أن خبيراً عسكرياً سيعطي الإيضاحات وهو رئيس أركان القوة الجوية البريطانية واحد المفاوضين البريطانيين ، آرثر وليم تيدر" Arthur William Tedder ، ويبدو من حديث الوصي أن حوارا دار مع تيدر بشأن الأمور التي تخص القواعد العسكرية ، وقد سأله الوصي ما هي الفائدة من وجود جيش أو قواعد لكم، وأجاب أن هناك أشياء سرية لا يمكن إبداؤها. ويضيف الوصي "فأجبته فماذا تقولون إذا انتهى أمد المعاهدة ؟ ونقول لكم لاتعقد معاهدة ، والتذمر يزيد فماذا تفعلون بعد ذلك . قال يجب أن نفكر بذلك" .
وهكذا وضع الوصي عبد الاله الحوار في الهدف الذي يصبوا إليه وتصبوا إليه الحكومة . وبعد أخذ ورد من المداخلات ، قال عمر نظمي "أن موضوع المعاهدة مفاجأة وإذا أردنا تبديل المعاهدة لا يوجد من يخالف إذا كان التعديل لا يمس سيادتنا واستقلالنا ، مع تقديري لأعمال صالح جبر، فأنه إذا جاء بأحسن معاهدة سيلقى معارضة أيضا ، ويجب أن يوضح نوري السعيد كلام (السلامة) الذي أشار إليه في حديثه" ، والشيء اللافت للنظر آن الدعوة لم توجه الى قادة الأحزاب لحضور الاجتماع ، وان تجاهلهم كان له الأثر الواضح في التصدي للمعاهدة الجديدة فيما بعد ، فقد أصدرت هذه الأحزاب بيانات رافضة لأية معاهدة تمس سيادة البلاد واستقلالها .
المهم في الأمر ، الهدف الذي تطلعت اليه الوزارة والوصي ، قد تحقق ، وان نوري السعيد كان العامل الأول في عقد هذا الاجتماع ، والذي قال لصالح جبر في ختام الاجتماع "لماذا كنت مترددا من عقد هذا الاجتماع ، أسمعت كيف أن هؤلاء الساسة لم يطلبوا أكثر مماسبق ، ان حصلت عليه من الإنكليز ، وقد حققته في مفاوضاتك معهم "، الأمر الذي يدل بوضوح ، مدى الرؤية التي يتعامل بها نوري السعيد وكيفية الرد على المناقشات ، بشأن المعاهدة .
أن مشورة نوري السعيد إلى صالح جبر هي التي قادت إلى عقد هذا الاجتماع في أمر المعاهدة ، فضلا عن مشورة رؤساء بعض الأحزاب السياسية وعدد من المسؤولين القدامى ، وبإصرار من الوصي عبد الإله . وكان صالح جبر حاضراً .
وفي هذا الصدد يقول توفيق السويدي ، بعد أن أنفض الاجتماع ، خرج الأمير من غرفة الطعام إلى غرفة الاستقبال ".. إقتربت منه وقلت له : أن وزارة صالح جبر ضعيفة .. لاتقوى على احتمال مسؤولية المفاوضات، فيجب أن تنظروا في وزارة مفاوضات.." لكن الوصي لم يؤيد السويدي ، ورأى أن تستمر وزارة صالح جبر في مهمتها بعقد المعاهدة ، ثم تستقيل بعد ذلك . وأضاف السويدي بأن الوصي قد استدعاه وقال له "..وجدت أن تبديل الوزارة في الوقت الحاضر ، قد لا يتأتى منه نفع ، لأنني اعتقد أن رئيس الوزراء لايمكن أن يقوم بالمفاوضة وحده وإنني كلفت نوري السعيد وفكرت بأن أكلفك بالذهاب مع رئيس الوزراء" .
لقد اقتنع الوصي بان الجميع وافقوا على تعديل المعاهدة على وفق أسس ، يجب أن توضع قبل البدء بالمفاوضات ، الأمر الذي دعاه أن يطلب حضور نوري السعيد وتوفيق السويدي ، لاخبارهما برغبته اللقاء بهما مع رئيس الوزراء صالح جبر ورئيس الديوان الملكي احمد مختار بابان في قصر الرحاب .

اجتماع مصغر في قصر الرحاب
تقرر في هذا الاجتماع المصغر الذي ترأسه الوصي عبد الإله، تثبيت الأسس الخاصة بتعديل المعاهدة .

وقد وافق مجلس الوزراء ، على البنود السبعة ، التي ستجري على وفقها المفاوضات مع بريطانيا في لندن .
قرر مجلس الوزراء تشكيل الوفد المفاوض في الرابع من كانون الثاني 1948 ، برئاسة صالح جبر وعضوية وزير الخارجية محمد فاضل الجمالي ووزير الدفاع شاكر الوادي ورئيس مجلس الأعيان نوري السعيد وعضو المجلس توفيق السويدي. وكان الوفد يستند إلى دعم السياسيين العراقيين إلى حد ما وتقرر أن يكون مع صالح جبر، ابرز شخصين يعتمد عليهما الوصي هما نوري السعيد وتوفيق السويدي ، بصفة مستشارين .
غادر الوفد في الخامس من كانون الثاني 1948، إلى لندن ، وكان الجمالي قد هيأ الأجواء لعقد الاجتماع بين الجانبين ، فقد التقى النائب الدائم لوزارة الخارجية البريطاني أوروم سارجنت Orm Sarjent لتحديد النقاط التي سيبحثها رئيس الوفد صالح جبر ووزير الخارجية البريطاني ارنست بيفن .
على الرغم من الاحتجاجات الواسعة من جانب ابرز الشخصيات والأحزاب السياسية ، مثل الاستقلال والأحرار والوطني الدمقراطي، برفع بيانات احتجاج إلى الوصي ، تندد وترفض المفاوضات من اجل تعديل المعاهدة ، في ظل وزارة غير منبثقة عن إرادة الشعب ، وان عدم دعوة الأحزاب للمشاركة يعد إغفالا مقصودا ، من جانب الحكومة تجاه الأحزاب . ومن بين ابرز الحقائق التي لا يمكن إغفالها، ما ذكره حنا بطاطو بقوله "سمع قادة الأحزاب بالاجتماع من الإذاعة " ويقصد به اجتماع قصر الرحاب. ولدى قراءتهم صحف الصباح . ولم يزعج نوري السعيد والوصي نفسيهما بإعطائهم أية فكرة عن الموضوع . وأضاف "جاء في تقرير سري معاصر للشرطة بأن رجال الأحزاب ، لم يتلقوا الدعوة واعتبروا ان تجاهلهم بهذه الطريقة، يعد إهمالا واضحا وتجاوزا على رأي الأحزاب" .
ومهما يكن من امر، فقد سافر الوفد الى لندن في الخامس من كانون الثاني 1948 وعقدت المفاوضات في مبنى وزارة الخارجية البريطانية ، واوضح بيفن آن الغاية من الاجتماع هي المفاوضة لعقد معاهدة جديدة مع العراق وعلى أساس المساواة التامة "وانه يقدر روح التفاهم التي أظهرتها الحكومة العراقية في المفاوضات التمهيدية " وهي الخطوة المهمة التي سعت بريطانيا للحفاظ على نفوذها السياسي وحماية مصالحها الاقتصادية والسياسية والعسكرية ، بإيجاد الطريقة التي تراها مناسبة لإدامة هذه المصالح ، وكانت ترى في ربط العراق بمعاهدات ، غير متكافئة يضر بمصالحها مستقبلاً ".
انصبت المباحثات التي استمرت أربعة أيام (7ـ10 كانون الثاني 1948)، عقدت خلالها أربعة اجتماعات مطولة ، على مسألة وجود القوات البريطانية في العراق ، في الوقت الذي شدد فيه الجانب البريطاني على أهمية أيجاد نظام دفاعي عن الشرق الأوسط،الأمر الذي يدل على بقاء القوات البريطانية في العراق ، في حين أكد صالح جبر ضرورة إزالة القواعد ، لأن ذلك لا يقنع العراقيين بالاستقلال التام .
تناولت المفاوضات معظم النقاط السبعة التي تمت الإشارة اليها في الاجتماع المصغر في قصر الرحاب . ومنها مواضيع إدارة السكك الحديد وإلغاء قوات الليفي التي كانت تقوم بحماية المنشآت العسكرية البريطانية في العراق. وتوصل الطرفان الى الصيغة النهائية للمعاهدة ، وخاطب بيفن الوفد العراقي في الجلسة الختامية بقوله "أن المعاهدة هي روحا وقلبا معاهدة مساواة تامة في الوجوه كافة "، وان هذه هي سياسة حكومته مع بقية أقطار العالم. ويمكن القول ان المفاوضات انتهت بالاتفاق على الصيغة النهائية للمعاهدة الجديدة ، وتم التوصل الى صيغة توفيقية بشأن الفقرة (د) من الملحق الخاص بوضع معاهدات الصلح مع جميع الأقطار التي توصف بالأعداء وتنص: على "منح صاحب الجلالة ملك العراق، وحدات الحركات العسكرية من القوة الجوية العائدة لصاحب الجلالة البريطانية . حرية دخول القاعدتين الجويتين المشار إليهما في الفقرة (ج) واستعمالهما" .
في الخامس عشر من كانون الثاني 1948 ، وقع أعضاء الوفدين المعاهدة الجديدة في بهو بلدية مدينة بورتسموث Portsmouth البريطانية ، وعدّها بيفن أنموذجا للمعاهدات مع الدول العربية. وقد جاء الوفد بعربة خاصة من مقطورات السكك الحديد ووصل بورتسموث بعد ساعتين من مغادرته لندن ، ويذكر توفيق السويدي: "انتهت المفاوضات وقيل لنا ان التوقيع سيجري في بورتسموث لأن المستر بيفن ، وقد قطع عطلته من اجل المفاوضات، سيرجع إلى عطلته ليقضيها في محل قريب من بورتسموث ، وهي جزيرة صغيرة حتى إذا أكملت المراسيم وتم توقيع المعاهدة عاد إلى تلك الجزيرة ."
ومن الجدير بالذكر ان المعاهدة لم تسم بورتسموث حسبما يذكر توفيق السويدي في مذكراته الذي يضيف قائلا: "ان معاهدة أخرى اقل شأنا كانت قد عقدت بين الحلفاء واليابان بخصوص استسلام اليابان وانتهاء الحرب معها ولم يحبذ أحد من المسؤولين البريطانيين ان يطلق اسم بورتسموث على معاهدتنا بعد ما كانت هناك معاهدة أخرى تحمل هذا الاسم ". ويصف أيضا ان حفل التوقيع كان مهيبا جدا إذ ضم جميع الشخصيات البارزة في (الإمبراطورية البريطانية) وقد دعي الوفد لزيارة بعض السفن الحربية الكثيرة في المرسى إكراما له حتى "إذا ازفت الساعة الخامسة رجعنا إلى القطار متوجهين إلى لندن حيث تناولنا الشاي. والذي فهمناه ان المستر بيفن سافر من بورتسموث إلى محل استراحته لتمضية عطلته ". يقول الحسني "قال لنا الدكتور الجمالي، انه لاحظ وجود إسمي رئيس الوزارتين العراقية والبريطانية فقط على المعاهدة ، وهم في طربقهم الى بورتسموث فأعترض على ذلك وطلب أدراج أسماء المتفاوضين بأسرهم فتم له ما اراد ".
تضمنت المعاهدة التي نشرت بنودها في اليوم الثاني من التوقيع عليها ، مقدمة وسبعة مواد ، مع ملحق للمعاهدة بعشر مواد .
جاء في المادة الاولى أن يسود السلم والصداقة الدائمين ، وفي المادة الثانية "يوجه الفريقان الساميان المتعاقدان مساعيهما لتسوية النزاع بالوسائل السلمية" ، وفي المادة الثالثة ، "يبادر بموجب المعاهدة الفريق السامي، المتعاقد فورا الى معاونته كتدبير للدفاع الإجمالي" ، وفقا لأحكام المادة الرابعة من هذه المعاهدة،" ليس في هذه المعاهدة مايرمي بوجه من الوجوه الى الاخلال، او يخل بالحقوق والتعهدات المترتبة، او التي قد تترتب لاحد الفريقين المتعاقدين اوعليه وفقاً لميثاق الامم المتحدة، او وفقاً لاية اتفاقات او اتفاقيات او معاهدات دولية مرعية". وتحل المعاهدة ، محل معاهدة التحالف الموقع عليها في بغداد في الثلاثين من حزيران 1930 ". كما ورد في المادة الخامسة. في حين نصت المادة السادسة "إذا نشأ أي خلاف حول تطبيق او تفسير هذه المعاهدة ، يحال الخلاف الى محكمة العدل الدولية ، الا إذا اتفق الفريقان على تسويته بطريقة اخرى".
وفي هذا الصدد نجد تقييما معبرا عن المعاهدة عند أحد الباحثين في قوله "كان بريق التبادل في الاتفاقية يحمل الإدانة بقدر ما كانت تحمل ملاحظة ايرنست بيفن ، سكرتير الدولة للشؤون الخارجية، التي أدلى بها قبل اشهر ، إذ قال بوقاحة: ان بريطانيا تنظر الى العراق ، فرد من أفراد العائلة ."