في رواية      بنات الغابة      ... تعبير شعبي يوحي بعدم البحث عن بنت عذراء

في رواية بنات الغابة ... تعبير شعبي يوحي بعدم البحث عن بنت عذراء

بغداد/ أوراق
ونحن ندخل عالم الروائي سالم العوكلي تستوقفنا لحظة تأمل سرعان تكشف لنا عن نسيج روايته (بنات الغابة) الصادرة عن دار (المدى) للثقافة والنشر..

مشهد يفاجئ براءة طفل فيدهشه ويؤثر في نفسه، ثم بعد ذلك يكتشف الخيانة التي ساعدت عليها العلاقات الاجتماعية المنفتحة من دون عقد بين الجنسين وهذا ما يدلل عليه عنوان الرواية بصفته تعبيراً شعبياً يوحي بعدم البحث عن بنت عذراء في الغابة التي تنسج من فروعها وأوراقها خلوة للقاء في لحظة الشبق الكبرى،
ونحن نطوي الصفحات الأخيرة نجد الكاتب يتحدث عن نفسه: كنت طفلاً قروياً مرتبكاً حين حللنا مرة ضيوفاً على أقاربنا في المدينة.. وأرسلتني صاحبة البيت لاحضار ملح من جارتها، وجدت الباب الخشبي العتيق مفتوحاً موارباً فطرقته بهدوء، لكن لا أحد يرد.. وحين هممت بالعودة تناهى الى سمعي صوت تأوه حاد، ترددت قليلاً، لكن قرويتي جعلتني أدلف الى البيت لأن ثمة خطر يلم بصاحبه، ومن باب المطبخ استطعت ان ارى الجارة منطرحة وفوقها زوجها ضخم الجثة ولا يرى منها سوى ساقيها الملتفتين على عقبيه ويديها على أكتافه.. ثم يتعرف فيما بعد على زوجها فيجده نحيفاً وانه ليس هو من كان معها، بل هي الخيانة الزوجية.. ويقول: ومن يومها وانا استحضر هذا المشهد في كل مطبخ ادخله.. تولدت لدي حالة تلقائية من اضفاء البعد الجنسي على كل مجاز يفضي اليه، عندما ارى رجلاً ورفيقته يسيران أذهب مباشرة لرسم ما يحدث بينهما في الحياة السرية.. وعندما تقابلني امرأة حامل اتخيل الفعل الذي اوصلها الى هذا النتوء امامها.. وحين امر في الليل بشارع مزدحم بالبيوت والشقق احاول ان احسب كم حالة مضاجعة تجري الآن، وما مقدار ما يقذف من سائل الحياة في هذه اللحظة.. ومن ذلك الحدث وما كان سائداً اجتماعيا نسجت المخيلة مادتها واطلقت عنان الوصف لترسم صوراً ومشاهد من خلال تأملات البطل للبنت القروية (أينك): شوك تحصن بالصخر.. يشد الروح بنزيف الوحشة، فطر يربو على تلال الروث، صمته خُلّب القوس.. مفرد العزف على أهبة البوح، بنات البئر منشورات في الماء كعَلَقٍ، والريح متاخمة للأغاني.. تشيّد من الغبار أعمدة السماء، أعبُّ من أوعية الحجر حليب الغيوم العابرة.. سابحاً في بحيرات القمح، أتقي حمو الظهيرة بفحول البصل مطعونةً بماء العين، أذرع مع خيوط النمل دروب الذاكرة، شوك في وبر الدواب يرد الثغاء إلى معطن الدبيب المسترسل في قطن الثياب، ليل نداري معطفه بالكيروسين واحتدام النباح في شراب الحضائر.. وهنا اشارة الى ان تلك الفترة كانت بداية انتاج النفط الذي بدأت لمساته تظهر في حياة الناس.. أينك تنفخين في نار الجسد وتلبسين من الدخان رداء النزوات، مالحة أصابعك، وسابح لسانك في عشب المضايق.. يرتخي الحطب على ردفك مبلولاً، وعلى ظهور الدواب تُهرّبين لذتك، فخذاك مشرعتان للوبر واهتزاز الظهور المتعبة.. أينك تمشين على مهل في مسرب البئر.. تسحبين الدلاء من قلبي وأعوي في بيوت البطوم أعوي.. أتعبد مغزلك المضمخ بعرق ساقيك، شوك تمدد بيننا، وعلب تلمع في الضحى، نهيق يخفق في الوادي صداه.. والحشائش تتراكم في مخابئك الهائجة، نتحسس شواء الفطر.. مكابرَ النار المبلولة.. وصهيل النساء الراشدات على قش الكهوف.. بعيد مجرى العيون وشوك، والملح في فمك عذب.. أينك مشاعةً للعابرين.. مسفوحةً حيث يباع الزنباع، وحيث المحاريث تقض هجعة التراب، الزهر على ثوبك يجفله قيظ الجسد، والزغب في ساقيك ينعشه شجن المزمار القريب, دم العشب يصيح على ركبتيك.. تمرين إلى الرفاق من صوب خليل وتمرين إلى الحبيب من طريق التبن المضيء.. وفي الفصل التالي يصف قرية (القيقب) والتي يعني اسمها نوعاً من الأشجار المنقرضة حيث كانت تنمو على هذه الأرض بأنها تنام باكراً والندى يتكثف فوق صفيح البيوت: برد ليلك المولع بضبح الصنوبر.. بردٌ وأنا فيك أفلي الخيال الجامح.. أُنقّب في سروك المرسل عن حتف كوابيسي.. أجر الكلاب إلى آخر الطريق.. مخاتلاً نوافذك المواربة. في غرة العام تسلل صوتها هامساً إلى مخدعي.. صوتها يتسقط أوتار القلب المغامر، يشخب كضرع مسمر في جفن القمر.. يمر دافئاً عبر النحاس البارد، ومشافهاً يبيض أوجاعه في تبن صدري.. تعرفنا الغابة، والحضائر نفزع سكانها بالعواء.. ورادك مهدر على الطرقات ومستساغ البذاءة يحفر في خفر الصبايا نفق الضحك الموارب. يطرز بالشعر المباح معدن براميله السائحة، ماؤه الوضوء باكراً، وماؤه اختلاس الفخذ للمسة العابر.. الوراد غسق العيون تحدق في رذاذ السقوف الرطبة معاداً كأسواق القرى يعلق ثيابه الرثة في هجيع المراهقات، ماؤه صَدَف الأرامل الواثقات من ليل كسيح، وشَرَك العابرين من لسانه الرجيم إلى نساء مستحيلات.. وراد القيقب يهذي في مساربها الترابية بسُكّر الحرام يقايض الضحك بالشراب، ويتسرب إلى فساتين البنات العطش ماؤه ارتجاف النهود في ندى الصباح الباكر.. يداه مِخيَط الوسن الرائب، وحماره ساعي بريد يلعب في بطن ثور محفوفاً بلظى الآخرين.. يعبر سلسا إلى أعوادهم المثقوبة خلسة ينوء بما لا يجرءون.. وحده متقداً كأوهامهم البعيدة، مرشوقاً في صدور الواجفات خرزَ الشيطنة اللماع، عينه على الجدار الآخر.. يولج الخيط في عقيق المسبحات.. يولج الدلو في عتمة البئر.. يولج العصا في شهقة الفأس.. يولج السلك في ثقب الإبرة ويولج الإبرة في خيال القماش.. يولج الخرطوم في فم البرميل.. يولج الليل في النهار.. يولج الزر في عروة القميص. يولج النمل في ثقوبه.. يولج الإصبع في خاتم الريح.. يولج المغزل في وجع الصوف.. يولج القمح في لولب الرحى.. ويولج السرير في رعد الليل.. ماؤه رغوة الطشت المعدني.. ماؤه صحو الصباح مدهوناً بعَرَق اللهاث.. وصوتها صندل الأيام الوشيكة. منجل الحقول المضيئة في آخر الصيام.. مرت من شجن الوراد إلى منسكي.. قريرةً تبتهل عيناها الصغيرتان.. يهطل نداها على خشب الأصابع الممدودة في الغبار.. توصد باب غرفتها الخشبي، وتفر كعصفورة سانحة من النافذة.. ومن خلال ذلك كله يبدو واضحاً ان قرية القيقب شكلت سيرة النص وشخصية أينك بمثابة ريشته التي يرسم بها ملامح عالمه تقتحم ضباب القرية راكضةً خلف نهديها، عيناها مغمضتان والحصى يتكسر تحت سباطها، تمر الأشباح تحت جفنيها والجنادب تصدح في وجل الطريق، تحط لاهثة قرب فراشي كفراشة أتعبها الدوران.. جميلة تنشد في أصابعي مغفرة الشبق القروي، تلج البطاطين عارية، قدماها باردتان والعرق في إبطيها ملح البحار العنيدة.. خائفة والجسد شراعها الخفاق.. متعبة واللذة عكازها إلى مطرحي.. تلجني كظل أجفله الضوء.. تعصر على صدري فاكهة النهد وتصهل في بئر غوير مقذوفة إلى ما لا تحتمل.. تعلو جوادها الجبلي فيرقص ظلها على الجدار.. هرّبت للشفق الحميم لون بكارتها، وغابت في أغطيتي تفرك الوسائد بخديها، وتريق في عنقي عصير عينيها كانت صغيرة يحبو الصغار إلى ألعابها.. تُصفِّر في حقول القمح وتدنو من الحسك الجارح بجلدها الطازج.